يدور الآن في البرلمان مقترح تعديل برلماني على قانون المشروع الإطار، والذي سيتقدم بطلب أن يدرّس الوزراء والمسؤولون الكبار أبناءهم في المدارس العمومية، وهي بادرة رومانسية جدا أكثر مما هي واقعية، لكنها لو طبقت بالفعل فستكون "ضربة معلم" بكل ما في الكلمة من معنى. الكثيرون سيقولون إن هذا المطلب فيه تعد واضح على الحريات الشخصية، لأن الوزراء والمسؤولين ليسوا وحدهم من يدرسون أبناءهم في المدارس الخصوصية أو مدارس البعثات الأجنبية، بل هناك الكثير من عموم الشعب الذين يقتطعون من قوت يومهم لكي يدرسوا أبناءهم في مدارس يعتبرونها متميزة، أو راقية. الهدف من مطلب التعديل البرلماني هذا هو إعادة الاعتبار، ولو رمزيا، إلى المدارس العمومية، التي صارت تعاني الأمرّين أمام استئساد المدارس الخاصة، ومدارس البعثات التي صارت قبلة لأبناء المسؤولين والوزراء والأغنياء، بمن فيهم أولئك الذين لا يتوقفون عن ترداد "مباهج التعريب" و"اللغة الوطنية" وما إلى ذلك من عبارات تدخل في إطار "يا أيها الناس…". مطلب التعديل هذا من الأكيد أنه لن يذهب بعيدا، والمطلوب، أولا، هو أن يعمل أولئك الذين تقدموا به على تدريس أبنائهم في المدارس العمومية، حتى لا تنطبق عليهم المقولة المغربية الحكيمة "من الخيمة خْرْج مايْل". لكن المشكلة الكبيرة التي تعترض هذا التعديل هو أنه في حال تطبيقه، فقد لا نجد مستقبلا وزراء لتشكيل الحكومة، وقد نضطر إلى استيراد وزراء من بلدان أجنبية يدرسون أبناءهم في مدارسهم العمومية.. مدارسهم طبعا ! كما أن هذا القانون لو طبق على كبار المسؤولين فإن المغاربة قد لا يجدون من يسير شؤونهم اليومية، ليس بين كبار المسؤولين فقط، بل في صغارهم أيضا، ويكفي إلقاء نظرة على قطاع المدارس العمومية ومدارس البعثات لكي نصاب بالذهول. لكن أمام استحالة تطبيق هذا التعديل، فإنه من الممكن أن يحلم المغاربة في يوم تتوقف فيه المدارس الخصوصية ومدارس البعثات عن الاستئساد، بحيث تحولت إلى غول حقيقي، وصار التعليم العمومي يبدو أمامها مثل قط هزيل وأجرب، مع أن الدولة المغربية تصرف على التعليم العمومي ميزانية لا تقارن بالمرة مع مصاريف التعليم الخاص. وسواء نجح أو فشل مقترح التعديل، فإن نقاشا حقيقيا وعميقا وجادا لا بد أن يفتحه المغاربة حول هذا الموضوع، وأن يكون بعيدا عن الديماغوجية والنفاق السياسي والشعوذة الإيديولوجية لأشخاص يتباكون على التعليم العمومي صباح مساء بينما كل أبنائهم في مدارس البعثات والتعليم الخاص.