تتفاقم أزمة الإنفاق الجزائري على دعم جبهة البوليساريو مع مرور الوقت، وسط تساؤلات متزايدة حول مدى جدوى هذا الدعم في ظل التحديات الداخلية التي تواجهها الجزائر. ففي الوقت الذي يعاني فيه المواطن الجزائري من نقص في أبسط الخدمات والاحتياجات الأساسية، يواصل النظام الحاكم سياسة توظيف الموارد الاقتصادية للبلاد في دعم قضية تبدو خاسرة على المستوى الإقليمي والدولي. في الوقت الذي تحصد فيه المملكة المغربية مكاسب دبلوماسية واقتصادية كبيرة، كان أبرزها زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب وإعلانه عن استثمارات ضخمة تتراوح بين 35 و40 مليار دولار والاعتراف بمغربية الصحراء، نجد الجزائر على الجانب الآخر تهدر مبالغ ضخمة لدعم مواقف سياسية محدودة التأثير. زيارة رئيس جنوب إفريقيا إلى الجزائر، والتي يُقال إنها قد تُكلف الخزينة الجزائرية حوالي 20 مليار دولار مقابل تصريح سياسي داعم للبوليساريو، تعكس صورة واضحة عن سوء تقدير الأولويات. بينما يتجه المغرب لتعزيز اقتصاده وتقوية علاقاته مع الدول الكبرى من خلال شراكات اقتصادية واستثمارات مستدامة، تستمر الجزائر في سياسة الإنفاق على قضايا سياسية لم تعد تجد نفس الدعم الدولي الذي كانت تحظى به في الماضي. إعلان الرئيس الفرنسي من داخل قبة البرلمان المغربي عن مغربية الصحراء يشير إلى تغير في مواقف القوى الدولية، بينما تبقى الجزائر عالقة في خطاب متكرر حول "تقرير المصير". النهج الجزائري هذا لا يعكس فقط أزمة في الخيارات السياسية الخارجية، بل يلقي بظلاله على الوضع الداخلي للبلاد. فالاقتصاد الجزائري، المعتمد فقط لا غير على عائدات النفط والغاز، يواجه تحديات كبيرة مع تراجع أسعار الطاقة عالميًا. وفي الوقت نفسه، تعاني البنية التحتية والخدمات الاجتماعية في الجزائر من تدهور ملحوظ، مما يزيد من معاناة المواطن البسيط. أما خارجيًا، فإن هذه السياسات تُفقد الجزائر مصداقيتها وتضعها في عزلة دبلوماسية متزايدة. حتى الدول التي تتلقى الدعم الجزائري لا تُقدم بالمقابل سوى تصريحات سياسية عابرة، دون أثر حقيقي على موازين القوى الإقليمية. المقاربة المغربية تُظهر كيف يمكن للدول تحويل النزاعات إلى فرص للتنمية. فالمغرب، بدلاً من الانخراط في سياسات استنزافية، استثمر في تقوية اقتصاده، وتعزيز بنيته التحتية، والانفتاح على الاستثمارات الدولية. هذه الخطوات لم تؤد فقط إلى تحسين صورته الدولية، بل أيضًا إلى تحصين موقفه من قضية الصحراء المغربية، التي تحظى اليوم بدعم متزايد من القوى الدولية. في ظل التحولات الإقليمية والدولية الحالية، يبدو أن الجزائر بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في أولوياتها الاستراتيجية. فالموارد التي تُهدر على دعم قضايا خارجية ذات جدوى محدودة يمكن أن تُوجه لتحسين حياة المواطن الجزائري، الذي يبقى المتضرر الأكبر من هذه السياسات. الدبلوماسية ليست مجرد شعارات وتصريحات، بل هي قدرة على تحقيق المكاسب الملموسة التي تعود بالنفع على الوطن والمواطن.