الزيارة التي قام بها المبعوث الأممي إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا إلى جنوب إفريقيا مؤخرا وضعت المسؤول الأممي في دائرة الشك والاتهام نظرا إلى أنه لم يستطع تقديم أي مبررات واقعية كما أن الأممالمتحدة نفسها لم تؤطر هذه الزيارة بصف رسمية. ما الغاية من زيارة المبعوث الأممي إلى بريتوريا على الرغم من معرفته بطبيعة التوجّه الذي تتبنّاه ضد المغرب والمتحيّز إلى الجزائر؟ من المفروض أن يلتزم المبعوث الأممي بأقصى درجات الحياد وأن تشكل محطاته الدبلوماسية جزءاً من المسار الضروري لأداء مهمة الوساطة التي ينفذها وألّا يخرج عن دائرة الاختيارات التي تخدم هذه الغاية. بل من الواجب أن يتجنّب أيّ محطات يمكن أن تفاقم الخلاف أو تؤزم الأوضاع. من المعروف أن النظام القائم في جنوب إفريقيا لا يخفي عداءه إلى المغرب ودعمه للانفصال في مناطق عديدة من القارة الإفريقية. وإذا كان دي ميستورا ملزما بزيارة الجزائر باعتبارها طرفا مباشرا في النزاع المفتعل في الصحراء المغربية فمن الغريب أن يقْدم المسؤول الأممي على زيارة جنوب إفريقيا مع علمه بالتحالف الشيطاني الذي يجمعها بنظام الكابرانات ضد المغرب. وساطة دي مستورا مؤطَّرة أساسا بما تنص عليه قواعد المهمّة التي كلّفه بها الأمين العام للأمم المتحدة ويجب ألّا يخرج عليها. مهمّته الأساسية هي تسهيل شروط الحوار والتفاوض حول حلّ سياسي لقضية الصحراء دون حاجة إلى إقحام فاعلين ومتدخلّين من المعروف أنهم لا يخفون تحيّزهم ضد أحد الطرفين. ماذا لو زار دي ميستورا المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة؟ ماذا لو تجوّل في العديد من العواصم الإفريقية المجاورة أو ذهب إلى واشنطن؟ من المؤكد أنه يتجنّب ذلك حتّى لا يخرج عن دائرة مهامه لأنه يدرك أن هذه العواصم وغيرها تدعم بشكل رسمي حلّا تحت السيادة المغربية وتفضل تبنّي خيار الحكم الذاتي الذي تقترحه بلادنا من سنة 2007. لكنّه في المقابل لم يحرص كثيرا على احترام الاعتبارات نفسها عندما قرّر التصرف بشكل أحادي والذهاب إلى زيارة جنوب إفريقيا في ظرفية سياسية حسّاسة كهذه التي تمر بها المنطقة. "الفقيه اللي كنتسناو براكتو دخل الجامع ببلغتو". هذا المثل ينطبق تماما على الدبلوماسي السويدي. لن نتسرّع بالقول إن دي ميستورا فقد كل شرعية أو حقّ في مقاربة هذا الملف أو أداء مهمة الوساطة التي كلّفه بها الأمين العام للأمم المتحدة. لكن من حقّنا أن نطالبه بتقديم بعض التوضيحات بخصوص هذه الزيارة التي قادته إلى بلد لا يخفي عداءه وكراهيته لبلادنا ولا تدخر نخبه وحكومته أيّ جهد في الإساءة إلى القضية الوطنية والتشكيك في الحقوق التاريخية لبلادنا. ولعلّ المعنيّ بتقديم هذه التوضيحات أكثر هو الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي اختار الدبلوماسي السويدي لهذه المهمة باعتباره رجلا ذا خبرة واسعة في قضايا النزاعات الإقليمية وسبق له تنفيذ وساطات في بؤر توتر كانت تشغل الساحة الدولية. ما يزيد هذه الزيارة المفاجئة استفزازا هو أن الرجل لم يقدّم منذ تعيينه سنة 2021 الشيء الكثير لقضية الصحراء. ما يزال هذا الملف ينتظر منه اتخاذ خطوات فعلية وحاسمة لإحياء عملية التفاوض المباشر بمشاركة الجزائر وموريتانيا. بدلا من التركيز على هذه الأطراف يضيع دي ميستورا وقت الأممالمتحدة وأطراف النزاع المفتعل في زيارة جانبية لا تخلو من تحيّز وتزيد إثارة الشكوك حول قدرته على إدارة الملف واحتمالات نجاحه في ذلك. كنا ننتظر من الوسيط الأممي أن يعمل بسرعة على جمع المتدخلين المباشرين في الملف على طاولة المفاوضات من جديد وأن يجد السبل الكفيلة بتعزيز المسار التفاوضي باعتباره الحلّ الوحيد في إطار السيادة المغربية، لكنّه على ما يبدو لم يعد قادرا على ضبط حياده والتزامه المفترض.