في بلدان العرب أشقاء صدقوا في محبّتهم ووفائهم للعلاقات مع المغرب، ويعملون اليوم بجدية كاملة من أجل دعم وحدته الترابية والتصدّي للمحاولات الهادفة إلى الإساءة إليها أو التشكيك فيها. الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية نموذجان للبلدان العربية التي اصطفّت إلى جانب الحقّ وآثرت أن تتخذ موقفا عادلا تنصف فيه المغرب وتعلن صراحة دعمها للسيادة الوطنية على الصحراء المغربية دون أيّ تأثر بأطروحات ترويج الانفصال هنا أو هناك. كيف لا وقد كان المغرب أيضا في المقابل بلدا حليفا استراتيجيا للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة منذ زمن طويل، عندما كان الملك الراحل الحسن الثاني والملك فهد بن عبد العزيز والشيخ زايد يشكّلون تحالف الملكيات الرصينة التي تسعى إلى تعميم السلام والرخاء في المنطقة. بعد أن اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة قرارها الشجاع بفتح قنصلية لها في الأقاليم الجنوبية، ها هي ذي المملكة العربية السعودية تعمّم قرارا ملكيا ساميا تكفّلت بتنفيذه وزارة التعليم في حكومة الرياض يقضي بحظر استخدام اسم "الصحراء الغربية" أو استخدام خريطة المملكة المغربية مجزأة دون أقاليمه الجنوبية. الأمر السامي رقم 59609 الصادر بتاريخ 20 شوال 1440 الموافق ل 23 يونيو 2019، أصبح اليوم ساري المفعول بعد التعميم الذي أصدره رئيس الديوان الملكي السعودي لتنفيذ هذا الأمر بتاريخ 3 رجب 1445 الموافق ل 15 يناير الجاري. وانتقل هذا التعميم إلى وزارة التعليم السعودية حيث أصدر وزير التعليم بدوره قرارا بتنفيذ هذا الأمر في الأسبوع الماضي. حرص المملكة العربية السعودية على تنفيذ هذا القرار الملكي السامي واتخاذ الإجراءات المرجعية والقانونية لتنزيله في مختلف الجامعات السعودية والمؤسسات التعليمية ليس مجرد مبادرة عابرة أو مجاملة دبلوماسية. عندما يصبح الحرص على احترام خريطة بلد معين جزءاً لا يتجزأ من المراسلات الرسمية فهذا يعني أن الوحدة الترابية للمملكة المغربية أصبحت من صميم ثوابت المملكة العربية السعودية التي لا يمكن أبداً إنكار دورها الدبلوماسي المؤثر إقليميا وعالميا. علاوة على الشكر والامتنان الذي يجب أن نعبّر عنه تجاه هذه المبادرة فإننا نؤكد أيضا أن هذه المبادرة تنسجم إلى حد كبير مع مواقف المملكة العربية السعودية وتاريخها المشرّف في ميدان الحرص على وحدة الدول العربية واستقرارها ورخائها، لا سيّما فيما يخص المغرب. العلاقات بين المغرب والسعودية تعدّ من أنجح الأمثلة على إمكانية تحقيق التكامل العربي الدبلوماسي والسياسي بعيدا عن أيّ تشويش أو حسابات أو صراعات من أيّ نوع كانت. ظلّ المغرب وفيا لعلاقاته مع المملكة على مدار عقود، ولم يتأخر أبدا عن دعم المملكة في مواجهة المؤامرات التي تعرّضت لها والاعتداءات الخارجية التي كانت تحاول النيل من استقرارها. مشاركة القوات المسلحة الملكية في عاصفة الحزم على سبيل المثال أكبر دليل على هذا التكامل المغربي السعودي عبر التاريخ. دعم المبادرات السياسية التي أطلقتها المملكة العربية السعودية في مختلف المحطات التاريخية كان أيضا عربونا من المغرب على وحدة المسار والمصير. والمملكة العربية السعودية لم تتردد بدورها في دعم المغرب يوما. التعاون الاقتصادي يَعِد بالمزيد، وتأييد الرياض لمشاريع المغرب الإشعاعية وعلى رأسها تنظيم مونديال 2030 أكبر مثال على ذلك. وتعوّل بلادنا كثيرا على مساندة المملكة للجهود المبذولة من أجل تجاوز النزاع المفتعل في قضية الصحراء. وهي تدرك أن لدى الرياض الإمكانات الدبلوماسية الكفيلة بتحقيق ذلك. لهذا من الضروري أن نشيد اليوم بهذا القرار الملكي السامي القاضي بإنهاء مهزلة التشكيك في الوحدة الترابية من خلال بعض الخرائط المجتزأة. ومهما بدا هذا القرار شكليا فإنه يمثل مبادرة غنية بالرموز والدلالات أهمها حكاية الوفاء المتبادل بين بلدين شقيقين.