سحْب الاتحاد الجزائري لكرة القدم ترشيح بلاده لتنظيم منافسات كأسيّ إفريقيا 2025 و2027 جاء متأخرا جدا إلى درجة أساءت كثيرا لكرة القدم الجزائرية وقدرات الجزائر المهزوزة أصلا في ميدان استضافة المسابقات الرياضية الدولية والقارية. كان من الأولى ألّا تتخذ الجزائر قرار الترشيح قبل أن تدرس هذه المبادرة جيدا من كل جوانبها السياسية والاقتصادية والتنظيمية كي تضمن على الأقل مشاركة منافِسة لباقي المرشحين تخرج منها بحفظ ماء الوجه وموقف مشرف. اليوم خسر النظام الجزائري الذي كان وراء قرارات التهافت على تنظيم مسابقات ومنتديات رياضية إقليمية وقارية مثل ألعاب البحر الأبيض المتوسط وبطولة إفريقيا للفئات الصغرى وغيرها من المسابقات المتواضعة التي احتضنتها البلاد. الكابرانات يدركون جيدا أن بلادهم لا تتوفر على البنيات التحتية اللازمة لاستضافة مسابقة من حجم كأس إفريقيا للأمم على سبيل المثال. ويعلمون جيدا أن الملاعب الرياضية التي بُنيت في السنوات الأخيرة من أجل منافسة صبيانية مع المغرب لا أقل ولا أكثر، ليست في مستوى المعايير التي يضعها الاتحاد الدولي لكرة القدم والكونفدرالية الإفريقية، والدليل على ذلك هو شهادة مدرب المنتخب الجزائري لكرة القدم جمال بلماضي الذي كشف مرارا وتكرارا أنه يجد صعوبة في إيجاد ملعب رياضي لائق لاحتضان تداريب المنتخب وإجراء المقابلات ضد المنتخبات المنافسة. في ظل هذا الواقع المحرج لماذا أصرّ نظام الكابرانات على تقديم ترشيحه لاستضافة منافسات كأس إفريقيا؟ هذه المفارقة لا يمكن تفسيرها إلا بدافعين رئيسيين: الدافع الأول نفسي وهو الذي ذكرناه سالفا، ويتعلق بهذه المنافسة المرَضية التي تشغل أذهان الكابرانات والمسؤولين الرياضيين في الجزائر، وتدفعهم باستمرار إلى عقد مقارنات غير منطقية بين صورة الجزائر وصورة المغرب، بين بنيات الجزائر وبنيات المغرب في الميدان الكروي والرياضي عموما. عندما ينظم المغرب تظاهرة رياضية قارية أو عالمية فلا بدّ أن يتقدّم نظام العسكر في الجزائر بترشيح لتنظيم مسابقة مشابهة. والدافع الثاني هو المرتبط بمظاهر الفساد المستشرية في البلاد. كم أنفقت السلطات الجزائرية على التحضير لمختلف المسابقات الرياضية وتنظيمها؟ كم استنزفت الملاعب المهترئة التي بُنيت في الآونة الأخيرة ثم سرعان ما ظهر فسادها؟ هذه المنافسات والترشيحات والمشاريع الرياضية التي يحرص عليها الكابرانات تمثل فرصة هائلة بالنسبة إلى الأوليغارشية المستفيدة في الجزائر من أجل المزيد من التربّح ونهب ثروات الشعب الجزائري وتهريب خيراته خارج البلاد. الميزانيات التي رُصدت لبناء التجهيزات والتنظيم هائلة وخرافية بالمقارنة مع ما تم فعلا إنجازه على الأرض. والتاريخ يعيد نفسه في الجزائر فيما يخص هذا الفساد. الجزائريون لم ينسوا بعد كم كلّف الطريق السيّار شرق-غرب من ميزانيات طائلة بينما ما تزال الأشغال متواصلة فيه. ويعلمون أيضا الفضيحة التي رافقت بناء المسجد الأعظم الذي يريد الكابرانات من خلاله أيضا منافسة المغرب بتشييد أكبر مسجد في العالم، في بلد ما يزال يعاني أزمات تموينية بدائية في مواد الحليب والزيت والقطاني. كيف يُعقل أن يستمر نظام يجبر مواطنيه على دفع ثمن عشر كيلوغرامات من العدس عبر الأداء البنكي في الحديث عن منافسات رياضية أو تنظيم مهرجانات أو تظاهرات قارية أو دولية؟ لذا نعتقد أن قرار سحب هذا الترشيح وإن كان متأخرا بعض الشيء فهو في محلّه على الرغم من أنه يضع الطغمة العسكرية في الجزائر في موقف إحراج شديد أمام الشعب الجزائري وأمام الرأي العام المحلي. يريد رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم الذي انتُخب حديثا أن ينظف البيت الداخلي أولا قبل الاهتمام بتنظيم المسابقات الدولية، لكن هل سيتمكن من ذلك وهو نفسه مجرد دمية في يد الكابرانات؟