إذعان السلطات الجزائرية لمطالب المغرب بتسيير رحلة مباشرة من الرباط إلى إحدى المدن الجزائرية قرار لم يكن ليخلق هذا الحرج للنظام الجزائري وللكابرانات لو أنهم سلكوا منذ البداية، أي خلال تنظيم بطولة كأس إفريقيا للمحليين، السبل الدبلوماسية والودية التي جرى بها العمل في المناسبات الرياضية والبطولات القارية والدولية. لم يكن هذا الإحراج كله ليحدث لو أن الكابرانات لم يسيسوا لعبة كرة القدم ويحولوها إلى مجال مقارعة وتنافس وتسابق سياسي من أجل زعامة وهمية، أصابتهم مع مرور الوقت بنوع من الهوس المرضي الذي يدفعهم باستمرار إلى محاولة الظهور بمظهر المتفوق والمتقدم على المغرب في هذه المجالات. لو كانت السلطات الجزائرية سمحت للمنتخب الوطني للمحليين بالوصول إلى قسنطينة في يناير الماضي للمشاركة في البطولة الإفريقية التي احتضنتها البلاد وفاز بها المنتخب السينغالي بعد انتصاره على المنتخب الجزائري في المباراة النهائية لما أصبح القرار التنظيمي بكل هذا التعقيد والإحراج. لو لم يعمد الكابرانات إلى تحويل هذه البطولة إلى فرصة للإساءة للمغرب والتحكم في قراراته والإمعان في إهانة أبنائه بفرض عملية الالتفاف برحلة الطيران قبل الوصول إلى الجزائر، لما اضطروا اليوم إلى تبرير إذعانهم لقرارات الاتحاد الإفريقي لكرة القدم ولمطالب المنتخب الوطني. صحيح أن الجزائريين ما يزالون يروجون ادعاء بأن المنتخب المغربي للفتيان الذي سيشارك في بطولة كأس إفريقيا لأقل من 17 سنة سيسافر عبر طائرة خاصة من شركة أخرى غير الخطوط الملكية المغربية، لكن الأساس هو أن هذه الرحلة ستتم بطريقة مباشرة من المغرب نحو الجزائر. وفي انتظار صدور موقف رسمي للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مما يتم تداوله حول هذا الإذعان والطريقة التي ستختار التنقل بها إلى الجزائر، يهمنا الآن في هذا السياق أن نذكّر الكابرانات أن تسييس كرة القدم لا جدوى منه. لأنها مهما بلغت أهميتها وشعبيتها تظل مجرد لعبة ورياضة يفترض أن الهدف منها هو التقريب بين الشعوب وتحقيق المثاقفة والتلاقح بين الحضارات والإسهام في تقليص الخلافات والحواجز النفسية واللغوية والثقافية بين مختلف شعوب العالم. إنها غايات سامية وراقية لا يدركها الكابرانات نهائيا، بل إنهم يعملون على الترويج لقيم أخرى مناقضة لها تزرع الفتنة والفُرقة والتشتت بين أبناء الوطن الواحد والحضارة الواحدة. ولعل ما ينبغي التذكير به هنا هو أن الهيئات الدولية لكرة القدم، وعلى رأسها الكاف والفيفا ينبغي لها أن تكون حاسمة وصارمة فيما يخص هذا النزوع الجزائري المزمن نحو الخلط بين السياسة والرياضة وعلى الخصوص بين السياسة وكرة القدم. فالظاهر أن المشاركات الجزائرية والمبادرات التنظيمية التي قام بها الكابرانات إنما كانت في إطار منافسة سياسوية ضيقة مع المغرب، في محاولة لبلوغ مكانة لا يمكن أبدا الوصول إليها هكذا بمجرد الحصول على شرف تنظيم بطولة معينة. لقد نظم المغرب الكثير من البطولات الدولية والقارية وأثبت نجاحا باهرا في ذلك، ولكنه لم يسع أبدا من خلالها إلى مسابقة أي بلد أو منافسة أي دولة، ولا إلى استغلال هذه النجاحات التنظيمية في الإساءة للآخرين. والدليل على ذلك أن الرياضيين والأندية الجزائرية تستطيع التنقل بشكل مباشر من بلادها نحو المغرب دونما أي عراقيل أو تعقيدات. لذلك من المهم أن تكون بطولة كأس إفريقيا لأقل من 17 سنة التي ستدور أطوارها ما بين 29 أبريل الجاري و19 ماي المقبل مناسبة لائقة للحسم في هذه المعضلة التي تتنافى مع كل الأعراف الإفريقية والدولية فيما يخص البطولات الكروية. ومن المتوقع فعلا أن تكون ملاحظات أو عقوبات الكاف هذه المرة أكثر من سابقتها في حال أصرت الجزائر على عدم توفير الظروف المناسبة لتنقل المنتخب المغربي بطريقة مباشرة وميسرة من المغرب إلى مقر تنظيم المباريات دونما حاجة إلى كل العراقيل والتعقيدات التي يفرضها الكابرانات. وسيسرّنا كثيرا أن تتشبث الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بشرطها الأساسي في تنقل الوفد المغربي عبر الناقل الرسمي ألا وهو الخطوط الملكية المغربية.