ترحيب رئيس حزب الجمهوريين الفرنسي إريك سيوتي باعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء، ودعوته حكومة بلاده إلى المساهمة في "تسوية هذه القضية الاستراتيجية" يمثل إشارة سياسية مهمة من داخل فرنسا تعكس أن ثمة وعيا أو ندما أو شعورا بالذنب يتفاعل في أوساط الطبقة السياسية بهذا البلد تجاه حليف تقليدي واستراتيجي كالمغرب. تصريح سيوتي اعتراف جريء وشجاع في ظل الوضع الحالي الذي يتميز باحتقان داخلي بسبب التعثرات الهائلة التي حصدها نظام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فيما يخص تدبير الخلافات الداخلية، والأزمات الاجتماعية والاقتصادية وكذا الحفاظ على صورة فرنسا ثابتة ومشرفة في أوربا والعالم بأسره. ولعلّ هذه الدعوة التي قدمها رئيس أحد أكبر الأحزاب السياسية التاريخية في فرنسا يوقظ بعض الضمائر الحية في هذا البلد. أولا تصريح سيوتي يصبح ملزما له هو شخصيا في حال ما إذا أفضت الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى دخول مرشح من هذا الحزب إلى قصر الإيليزيه على الرغم من الصعوبات التي يواجهها الجمهوريون حاليا في لململة جراح هزائمهم الانتخابية المتتالية وصعوبة مواجهة المنافسة الشرسة من التيارات السياسية الأخرى. بعبارة أخرى إذا صعد رئيس جمهوري إلى سدة الحكم في فرنسا فلن نقبل في المغرب أيّ تأخير للاعتراف الرسمي بسيادة بلادنا على صحرائها وإنهاء الضبابية التي تميز الموقف الفرنسي منذ عقود طويلة من الزمن. لقد ملّ المغاربة من التوظيف السياسوي المقيت الذي كانت فرنسا تمارسه في هذا الملف حيث تبقى باستمرار متأرجحة في مواقفها بين إرضاء النظام الجزائري وعدم إغضاب المغاربة. لكن ما ننتظره اليوم من حليف تقليدي كفرنسا، هو أن يتحول الكلام الدبلوماسي المعسول إلى واقع وحقيقة. لم يعد هناك ما يبرر أبدا تأخر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن اتخاذ قرار جريء كهذا الذي اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أعلن رسميا اعتراف بلاده بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه. هذا الاعتراف الإسرائيلي هو درس بليغ لفرنسا بالأساس، التي تربطها بإسرائيل علاقات تاريخية راسخة، وكثيرا ما تحرص على استلهام العديد من مواقفها في تدبير قضاياها الدبلوماسية والخارجية. من المعيب إذاً أن تتأخر فرنسا عن اتخاذ هذه الخطوة نفسها في الوقت الذي تتخذها بلدان لم تربطها بالمغرب علاقات بالعمق ذاته الذي يجمعها بفرنسا. كل المبررات التي تقدمها النخبة السياسية في فرنسا معيبة ولم يعد لها أيّ أساس. الحديث عن حقوق الإنسان وتقرير المصير يمثل قمة التناقض لأنه إذا كانت فرنسا التي ما تزال تحافظ على مستعمراتها في المحيط الهندي والمحيط الهادي وأمريكا الوسطى حريصة فعلا على تقرير المصير فعليها أن تستجيب لمطالبات الشعوب الأصلية في كل هذه الجزر والمناطق المتناثرة عبر العالم. طبعا لا تقبل فرنسا بتاتا مناقشة مطالب الحركة الانفصالية في جزيرة كورسيكا، وتخوض حربا شعواء على الانفصاليين الإسبان من إقليم الباسك الذين يبحثون أحيانا عن السند الشعبي في إقليم الباسك الفرنسي. بل إنها لا تتردد في اعتقالهم وتسليمهم إلى السلطات الإسبانية. إذا كانت فرنسا لا تقبل أبدا تشتيت أراضيها أو تقسيمها فكيف تقبل أن تلزم الصمت في قضية الصحراء المغربية التي تعد قضية وحدة شرعية وتاريخية لبلادنا؟ وإذا كان الرئيس الفرنسي الحالي قد كرس شخصية المتمرد الذي يحب تمزيق الأوراق القديمة والإصرار على المعاملة المتعنتة وتجاهل بروتوكولات الدبلوماسية الرصينة، فإننا في المغرب نمتلك من الصبر من يكفي كي ننتظر خلفه الذي ينبغي أن يستوعب المرحلة الجديدة التي دخلتها قضية وحدتنا الترابية. لم يعد الأمر مجرد مطالبات ودفاع شرعي في مجلس الأمن ومختلف هيئات الأممالمتحدة. بالنسبة إلينا لقد انتهى هذا النزاع منذ زمن، وليس لدينا ما نخجل منه أو نخافه لأن صحراءنا في مغربها ومغربنا في صحرائه. وعلى فرنسا أن تدرك أن الذي سيستفيد من حل هذا النزاع بشكل نهائي ليس هو المغرب وحده بل كل منطقة الساحل والصحراء التي تمثل عمقا أمنيا مهما بالنسبة إلى باريس.