لم تكد تمضي بضعة أيام على مغادرة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مطار موسكو عائدا إلى بلاده بعد زيارة ولقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حتى كاد النظام الروسي ينهار بعد محاولة التمرد التي تزعمها قائد جيش فاغنر الذي يقاتل في أوكرانيا إلى جانب الجيش الروسي. وعلى الرغم من تراجع يفغيني بريغوجين عن زحفه على العاصمة الروسية والتوصل إلى اتفاق معه إلا أن ما حدث كان بمثابة ضربة قاصمة للنظام الروسي ولآفاق الهجوم الروسي على أوكرانيا حيث ستكون له تداعيات كبيرة عليه. ويحدث هذا التمرد الذي كاد يتحول إلى انقلاب كامل الأركان بعد أيام قليلة من فقط من زيارة تبون لموسكو وتقديم طلب رسمي وعلني للرئيس الروسي من أجل حماية الجزائر وتسليحها. كان هذا الطلب طبعا خارج السياق بالنظر إلى أن السلطات الروسية كانت حريصة على إلغاء مناقشة أي تعاون عسكري في أجندة الزيارة. وبعد أن أضحى الحصول على أي صفقة سلاح من موسكو بسبب حالة الحرب المفتوحة التي تعيشها البلاد في الجبهة الأوكرانية أمرا مستحيلا، فإن الوضعية الشاذة التي ستعيشها قوات شركة فاغنر المتمردة قد تدفع موسكو نحو السعي إلى التخلص من كتائب المرتزقة بتوجيههم نحو مواقع وبؤر توتر في القارة الإفريقية على الخصوص. ماذا لو كانت الجزائر مثلا وجهة من بين الوجهات التي ستحتضن هؤلاء المقاتلين؟ في الظرفية الحالية التي يعيشها نظام الكابرانات من غير المستبعد أن يكون هذا الخيار متاحا ومطروحا على الطاولة. أولا لأن الرئيس الجزائري أعلن رسميا باسم الكابرانات عن طلب الحماية من موسكو، ولم يخف ذلك أبدا بل طلبه على مرأى ومسمع من العالم كله. وثانيا لأن حالة الارتباك التي يعيشها نظام العسكر في الجزائر قد تدفعه إلى اتخاذ قرارات متسرعة ورعناء كيفما كانت فقط من أجل تحييد المخاوف الأمنية الكبيرة التي تخترقه، خاصة أن هذه القوات هي نفسها التي تنتشر في عدد من الدول الإفريقية المجاورة كما هو الحال في مالي وإفريقيا الوسطى وليبيا ودول أخرى في الشرق الأوسط ومنها سوريا. والعامل الثالث الذي يمكن أن يدفع نظام الكابرانات إلى الإقدام على حماقة استضافة كتائب من فاغنر هو الخوف الشديد الذي يجتاح هذا النظام اليوم من إمكانية انهيار النظام الروسي، واستسلام الجيش الروسي في الحرب الأوكرانية ما سيمثل هزيمة استراتيجية قاصمة لروسيا، ومن ثمة خسارة مفتوحة لكل حلفائها في العالم، وعلى رأسهم في منطقتنا المغاربية الجزائر، التي لا تخفي تبعيتها التامة لموسكو. فالرعب الذي يعيشه الكابرانات اليوم بعد حادثة التمرد التي عاشتها روسيا بالأمس لا حدود له، لأنهم يدركون جيدا أن نهاية الحليف الروسي تعني قرب نهاية النظام العسكري الذي يحكم الجزائر منذ عقود بدعم موسكو وتسليحها. هذا الرعب الذي نتحدث عنه يمكن أن يدفع نظام الكابرانات إلى اتخاذ أيّ قرار كان أو الاستجابة لأيّ تعليمات من موسكو بما في ذلك احتضان قوات فاغنر المتمردة التي يبحث فلاديمير بوتين جديا منذ الأمس عن الطريقة المناسبة للتخلص منها قبل أن تعيد محاولة التمرد مرة أخرى، وتضع نظامه على شفير الانهيار أو الانقسام. لكن إقدام الكابرانات على قرار كهذا لاستقبال قوات من المرتزقة في الظرفية الحالية لن يمكن تفسيره بشيء آخر غير أنه إعلان حرب وتهديد لاستقرار المنطقة التي تعيش أصلا على إيقاع النزاع المفتعل الذي كانت الجزائر سببا في اختلاقه وأججت من خلاله على مدى عقود من الزمن الخلافات السياسية والتهديدات الأمنية في المنطقة. فهل يغامر الكابرانات بالمنطقة ويستضيفون قوات فاغنر على أراضي المغرب العربي