اعتقالات النظام العسكري الجزائري، للصحفيين، ونشطاء حقوق الانسان، وصل صداها الى كبريات المنظمات الحقوقية الدولية، التي انتقدت اقدام كابرانات قصر "المرادية" على الزج بالنشطاء في غياهب السجون بتهم واهية. التقارير الأخيرة للمنظمات والهيئات الحقوقية الدولية، لم تخلو من انتقاد حاد للتضييق الذي يمارسه النظام العسكري الجزائري، على الحريات الأساسية، لا سيما حرية الإعلام والصحافة، من خلال سجن العديد من الصحافيين المعارضين لتوجهات النظام العسكري الممسك بتلابيب السلطة الحكم. شهر أبريل المنصرم، حذرت السفارة الأمريكية في الجزائر، من تدهور أوضاع حقوق الانسان في الجزائر، حيث أكدت في هذا الصدد أن " حرية التعبير حق أساسي معترف به من قبل الأممالمتحدة"، مشيرة الى أن " إدارة بايدن أوضحت وستواصل التوضيح أن حرية الصحافة وحرية التعبير من أولويات الولاياتالمتحدة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الجزائر". من بين الصحفيين الجزائريين، الذين تم الزج بهم وراء القضبان، الصحافي احسان القاضي، الذي أدانته محكمة سيدي امحمد بوسط العاصمة الجزائرية، أبريل الفارط، بالسجن خمس سنوات، منها ثلاث سجنا نافذا، بتهمة تلقي أموال من الخارج، من أجل "الدعاية السياسية" و"تعريض أمن الدولة للخطر". حكم جائر دفع منظمة العفو الدولية "أمنيستي" الى دعوة النظام العسكري الجزائري، إلى الإفراج عن الصحفي إحسان القاضي، مؤكدة أن " إحسان القاضي هو آخر صحفي تستهدفه السلطات الجزائرية وسط حملتها المستمرة ضد وسائل الإعلام المستقلة". بالنسبة لمنظمة "أمنيستي"، فان السلطات الجزائرية تتخذ خطوات متطرفة لخنق الأصوات الناقدة، بالرغم من أن الدستور الجزائري يحمي الحق في حرية التعبير وحرية الصحافة"، واعتبرت المنظمة الحقوقية الدولية أن محكمة جزائرية حكمت على صحفي جزائري بالإعدام غيابيًا بتهمة التجسس، ويواجه خمسة آخرين على الأقل المحاكمة بتُهم لا أساس لها، معظمها يتعلق ب "نشر أخبار كاذبة". وتراوحت أدوات قمع النظام العسكري الجزائري، للصحفيين، على مدى العامين الماضيين، بين الاعتقال و الاحتجاز، حيث حاكم أو احتجز ما لا يقل عن 11 صحفيًا وعاملًا آخرين في مجال الصحافة، اذ أدان قضاء الكابرانات في إحدى أكثر القضايا تطرفًا، في أكتوبر 2022، الصحفي عبدو سمار بالإعدام بتهمة التجسس و"نشر أخبار أو أنباء كاذبة أو مغرضة بين الجمهور يكون من شأنها المساس بالأمن العمومي أو النظام العام"، في ما يتعلق بمنفذه الإعلامي على الإنترنت ألجيري بارت (Algérie Part). و أدانت المحكمة على سمار، الذي يعيش كلاجئ في فرنسا، غيابيًا ودون تمثيل قانوني. وبعد الحكم على سمار، أصدر القاضي مذكرة توقيف دولية بحقه. ويعتقد سمار، الذي لم يتمكن من الوصول إلى ملف الاتهام، أنَّ الاتهامات تنبع من تحقيق أجراه في 2020 حول سوناطراك، الشركة الوطنية للنفط والغاز. وفي السابع من شهر فبراير الماضي، حكمت محكمة في بومرداس على فريد حربي، وهو صحفي ومؤسس وسيلة الإعلام الإلكترونية كل شيء عن بومرداس (Tout sur Boumerdes)، بالسجن لمدة ثلاث سنوات وغرامة بتهمة " نشر معلومات كاذبة من شأنها الإضرار بالأمن القومي أو النظام العام"، وكان الحربي قد انتقد طريقة الوالي في التعامل مع مشاريع التنمية في ولاية بومرداس شرق الجزائر. كما تم اعتقال ضابط الدراك، مصطفى بن جامع، رئيس تحرير صحيفة لو بروفنسيال (Le Provincial)، في 8 فبراير 2023/ وهي صحيفة جزائرية مستقلة، بتهم تتعلق ب "تلقي أموال من مصدر خارجي" مقابل أموال حصل عليها لمساعدة عائلة أحد المحتجزين، استنادًا إلى المادة 95 مكرر من قانون العقوبات، و"نشر وثائق مصنَّفة" استنادًا إلى المادة 38 من الأمر المتعلق بحماية المعلومات والوثائق الإدارية، الذي ينص على السجن لمدة تصل إلى عشر سنوات. وتنبع التهمة الأخيرة فقط من محادثات خاصة على هاتفه صادرتها السلطات بعد اعتقاله، وتتعلق بمعلومات تلقاها من كاشف عن التجاوزات من شركة خاصة. استهداف الصحفيين والنشطاء لم يتوقف عند هذا الحد، بل اعتقلت السلطات الجزائرية، في 4 فبراير الماضي، الصحفي، "سعد بوعقبة"، واحتُجز لمدة يومين، وفي 6 فبراير، أفرجت عنه محكمة في الجزائر العاصمة مؤقتًا، ولكنها أصدرت حظرًا على سفره وأمرته بالمثول أمام المحكمة كل أسبوعَيْن. وقد أُلقي القبض عليه بعد أن نشر على فيسبوك انتقادات لمشاريع الحكومة المحلية. وضع حقوقي سمته البارزة الاعتقال والصاق تهم واهية للمعارضين ومعتقلي الرأي، وهو ما حذا بمنظمة العفو الدولية الى التأكيد على أن " السلطات الجزائرية مطالبة بالإفراج عن جميع الصحفيين المحتجزين ظلمًا، وإسقاط جميع التهم ذات الدوافع السياسية الموجهة ضد ستة منهم على الأقل، وإلغاء إدانة الصحفي إحسان القاضي. التقرير السنوي للخارجية الأمريكية لعام 2022، لم يخلو من ادانة واضحة للنظام العسكري الجزائري، حيث تطرّق التقرير الى سجّل الجزائر الأسود في مجال حقوق الانسان، وتوقف عند عدم احترام سلامة الأشخاص على غرار الاختفاء القسري والتعذيب ووضع السجون والسجناء والحبس وإجراءات التوقيف ومعاملة الموقوفين، الاعتقال أو الاحتجاز التعسفي، إلى جانب المحاكمة العادلة وسجناء الرأي. وأكدت الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي أن السلطات الجزائرية استخدمت قوانين مكافحة الإرهاب والقوانين المقيدة لحرية التعبير والتجمع العام لاحتجاز النشطاء السياسيين والمعارضين، مبرزة أن أزيد من 250 شخصًا محتجزون تعسفيًا كسجناء سياسيين في الجزائر، كما أشارت الى أن هذا الرقم كان بزيادة تزيد عن 20 في المائة في عدد السجناء السياسيين عن عام 2021. كما كشف تقرير الخارجية الأمريكية أن عدد السجناء السياسيين قُدّر بما يزيد عن 300 شخص حتى نوفمبر 2022، من صحفيون ونشطاء ومحامون وشخصيات معارضة ومتظاهرو الحراك. ويرى مراقبون للوضع الداخلي المتأزم في الجزائر أن توالي الزج بالصحفيين والنشطاء الحقوقيين والمعارضين في السجون، بتهم واهية، مرده الى تردي الأوضاع الداخلية، وافتقاد الحاكمين بزمام السلطة الى المشروعية، مما جعل النظام "متآكلا" لا يستطيع الصمود أمام أبسط الانتقادات.