مع انطلاق إعادة هيكلة الحقل الديني في المملكة عقب الأحداث الإرهابية التي هزت الدارالبيضاء، تمت هيكلة عدد من المؤسسات الدينية، وتحيين اختصاصاتها مع ما تستوجبه رهانات المرحلة، علاوة على إنشاء أخرى. وتتوزع هذه المؤسسات كما سنرى، بين المنوط بها مهمة الإفتاء، وترشيد المواطنين في أمورهم الدينية، وبين التي يتمثل دورها في التدبير الإداري. إلى جانب ذلك تعمل أخرى في الجانب المتصل بتكوين العلماء، وتأهيلهم، وتنشيط البحث الأكاديمي في العلوم الإسلامية. والملاحظ أن مصطلح "التجربة المغربية في تدبير المجال الديني"، غالبا ما يرتبط بهذه المؤسسات الدينية، التي وان كانت مهامها واختصاصاتها تختلف من مؤسسة إلى أخرى، إلا أنها تصب في منبع واحد، تحت مظلة مؤسسة إمارة المؤمنين. وسنحاول من خلال هذه السلسلة الرمضانية، تقديم خريطة المؤسسات الفاعلة في الحقل الديني في المملكة، واختصاصاتها وهيكلتها، وكذا بعض الانتقادات التي توجها اليها، على أمل أن تتوضح هذه "الخريطة" في أذهان القراء وعامة المواطنين. توقفنا في الحلقات الماضية مع مؤسسات فاعلة في الحقل الديني، وهي وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، المجلس العلمي الأعلى، المجالس العلمية المحلية، الرابطة المحمدية للعلماء، دار الحديث الحسنية، معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات. في هذه الحلقة سنسلط الضوء على إحدى المؤسسات الفاعلة في معادلة تدبير المجال الديني في المملكة، المنوط بها تخريج العلماء والباحثين في مجال الدراسات القرآنية وهو معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية، الذي يوجد مقره بحي ديور الجامع بالرباط، المقر السابق لدار الحديث الحسنية. معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية تم احداث المعهد، بموجب الظهير الشريف رقم 1.13.50 الصادر في 21 جمادى الآخرة 1434 الموافق ل02 ماي 2013. وعهد إلى معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية -الذي اعتبر مؤسسة وطنية للتعليم العالي والبحث العلمي- بالتكوين في مجال القراءات والدراسات القرآنية العليا المتخصصة، وبتنمية البحث العلمي في علوم القرآن. يدير معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية السيد خالد الساقي. وأنيطت بالمعهد مهمة التكوين الأساسي المتخصص في مجال القراءات؛ و تأهيل المختصين في مجال علوم القرآن تأهيلا يمكنهم من اكتساب المناهج والمعارف اللازمة لإنجاز الأبحاث والدراسات والمشاركة في الحركة العلمية؛ فضلا عن العمل على نشر الأبحاث والدراسات التي تندرج ضمن اهتماماته. والى جانب ذلك، يسهر المعهد على تنظيم دورات للتكوين المستمر في مجال اختصاصه؛ إقامة شراكات وربط علاقات تعاون مع المؤسسات والهيئات العلمية الوطنية والأجنبية ذات الاهتمام المشترك؛ الى جانب تقديم استشارات وإنجاز خبرات في مجال اختصاصه بناء على طلب. تنقسم الدراسة في المعهد الى شعبتين :شعبة القراءات القرآنية، و شعبة الدراسات القرآنية. وتهتم شعبة القراءات القرآنية تهتم بتكوين علماء قراء و مقرئين، ذوي دراية في القراءات المتواترة و رواياتها وطرقها بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.، فيما تهتم شعبة الدراسات القرآنية فلها اهتمام مرتبط بشتى علوم القرآن و اللغة. ويهدف المعهد بشعبتيه إلى تكوين علماء متخصصين في الجوانب العلمية و الفكرية والفلسفية واللغوية و غيرها، حتى يكونوا قادرين على إخراج كنوز كتاب الله إلى الناس والمنافحة عن كتاب الله على الصعيد الكوني. وكلتا الشعبتين تمنح الطلبة تنوعا واسعا في العلوم و المعارف حتى يتم التكوين على أكمل وجه. ويتم التكوين في أربع سنوات للحصول على الإجازة، تتبعها سنتان للحصول على الماستر. ويشترط في الطالب الذي يريد الالتحاق بالمعهد أن يكون حاملا لكتاب الله كاملا، حاصلا على الباكالوريا، وألا يزيد عمره على ثلاثين سنة عند اجتياز المباراة. وتخصص حصة محددة من المقاعد لغير المغاربة. ومن أجل اجتياز المباراة الكتابية (التي تتكون من ثلاثة أجزاء : علوم القرآن والحديث، واللغة العربية، و الثقافة العامة) لابد من إثبات الحفظ الكامل للقرآن الكريم، ويكون ذلك في اختبار شفوي قبل المباراة.