يرى د. عياد أبلال، الباحث الأنثروبولوجي المهتم بالشأن الاجتماعي والسياسي، أن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لحكومتي عبد الإله ابن كيران وسعد الدين العثماني، لم تعتمد – في واقع الأمر- إلا على وعود وشعارات لم تجد طريقها إلى التحقق والتطبيق، بالنظر إلى كون حكومة ابن كيران التي عرفت فشلا دريعا على هذا المستوى، والذي استمر بشكل أعمق مع خلفه السيد سعد الدين العثماني، وهو ما جعل بن كيران نفسه يقر بذلك، ويحمل مسؤولية فشله إلى مجموعة من الفرقاء الحكوميين وغير الحكوميين، أبرزهم وزير الفلاحة، عزيز أخنوش، ورئيسة "الباطرونا" آنذاك، مريم بنصالح. وحسب الباحث الأنثروبولوجي، الذي أثبت فشل حكومتي حزب العدالة والتنمية بالمعطيات والأرقام، في دراسة له بعنوان "العدالة والتنمية بين الوعود الانتخابية والواقع الحكومي: العجز الديمقراطي أو الإصلاح المعطوب"، فإن اتهامات ابن كيران، التي وجهها إلى "خصومه"، في بث مباشر له على موقع "فيسبوك"، لا تصمد حقيقة أمام حجم الفشل الذي مني به في تنزيل وعوده الانتخابية، والحقيقة وراء هذا الفشل هي رؤيته الأحادية للإصلاح، وقراراته اللاشعبية التي يدافع عنها باستماتة، من قبيل فصل التكوين عن التوظيف في التعليم والتعاقد والتقاعد والرفع من عدد من الضرائب المباشرة وغير المباشرة التي تستهدف الطبقة الوسطى والفقيرة، والفشل في تحقيق التنمية في العالم القروي، حتى وإن كان يتحمل أخنوش مسؤولية حقيبتها الوزارية، فهذا لا يعفي ابن كيران من المسؤولية السياسية، باعتباره رئيسا للحكومة. وأكد د. أبلال أن "إصلاحات" حكومة ابن كيران استمرت بوثيرة متشابهة وبإيقاع يكاد يكون نفسه مع حكومة سعد الدين العثماني، التي ستعرف صراعات وخلافات وتناحرات متكررة ومتصاعدة مع الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي، وهي الإصلاحات التي بنيت على أنقاض برامج سابقة، من قبيل إحداث عدد من الصناديق الاجتماعية، ومن جملتها، صندوق التكافل العائلي، وصندوق دعم الأرامل، وصندوق الدعم الصحي "الرميد". وفَصَّل د. أبلال في هذه الإصلاحات ليثبت قصرها وثغراتها، ففيما يخص التكافل العائلي، فقد عجزت الحكومة، حسبه، في تطبيقه، بسبب بعض الشروط التعجيزية من قبيل عدم توفر الأم المطلقة على مِلْك، ناهيك عن عجز الحكومة تحصيل ما فاقت نسبته 76 في المائة من موارد هذا الصندوق. وبالنسبة إلى صندوق الأرامل، الذي كان يقتضي تمتيعهن ب1000 درهم، فيمكن القول، إنه مجرد استراتيجية انتخابية، تبتغي كسب المزيد من الأصوات الانتخابية، وإلا فكيف يمكن فهم تمتيع هؤلاء الأرامل بشرط وجود الأبناء، إذ ليس من حق الأرملة الاستفادة من أي دعم إن كانت بدون أطفال. أما المساعدة الصحية "الرميد"، فإنها بقيت حبرا على ورق، خاصة أمام تعقد مساطر الاستفادة من البطاقة، وعجز المستشفيات العمومية عن تلبية الطلب الصحي على العلاج والتطبيب لعدة اعتبارات ناتجة عن فشل حكومي تنفيذي رهيب في إصلاح ورش الصحة بالمغرب، حسب د. أبلال. ولم ينس د. أبلال التطرق إلى ارتفاع نسب البطالة في العالمين القروي والحضري، وتضخم هذه النسب في صفوف حاملي الشهادات، "إذ وصلت إلى 9.7 في المائة في النصف الثاني من 2015، بعدما انتقلت البطالة من 950 ألف شخص سنة 2012 إلى مليون و 41 ألف في النصف الثاني من 2015، لتصل النسبة إلى 10.5 في المائة، في الربع الأول من 2018، و أن 4 من أصل 10 عاطلين حاملين لشواهد عليا، حسب مندوبية التخطيط". في ما يلي نص الحلقة السابعة من دراسة الباحث الأنثروبولوجي د. عياد ابلال بعنوان: "حكومتي العدالة والتنمية فشلتا في الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي وتسببتا في تفاقم البطالة" —– كان نصيب المغاربة من الإصلاحات التي قامت بها حكومة العدالة والتنمية على المستوى الاجتماعي، الشديد الارتباط بالمحدد الاقتصادي، في مجملها، مجرد وعود لم تجد طريقها للتطبيق، بحجة أن باقي الفرقاء في الحكومة كانوا ضد هذه الإصلاحات، كما جاء على لسان السيد عبد الإله ابن كيران، الذي صرح بذلك بشكل متكرر بعد مرور حوالي ثلاث سنوات من رحيله عن رئاسة الحكومة والأمانة العامة للحزب، وتحديدا في يناير الماضي من السنة الجارية، في بثته المباشر من بيته، حين استقبال شبيبة حزبه، أو بدعوته لعدد من صحفيي المواقع الالكترونية الموالية إليه، حيث أشار إلى أن وزير الفلاحة، عزيز أخنوش، مريم بنصالح رئيسة الباطرونا السابقة، كانا ضد الدعم المباشر للأسر المعوزة التي جاء من أجلها إصلاح صندوق المقاصة، وهي اتهامات لا تصمد أمام حجم الفشل الذي مني به في تنزيل وعوده الانتخابية، كما لا تصمد أمام تصريحاته نفسها، فكيف يقول أن ملك البلاد كان مع قراراته في إصلاح صندوق المقاصة وفي دعم الفئات المعوزة، في حين أن وزير الفلاحة ورئيسة الباطرونا، آنذاك، لا يمكنهما الوقوف ضد الإرادة الملكية؟، ولماذا لم يصرح بهكذا تصريح حين كان حينها على رأس الحكومة؟ إن الحقيقة الكامنة وراء فشله في تنزيل رزنامة إصلاحاته هي رؤيته الأحادية لهذا الإصلاح، وعدم إشراكه لباقي الفرقاء في ائتلافه الحكومي في تدبير المرحلة، خاصة أمام القرارات اللاشعبية التي قام بها والتي يدافع عنها باستماتة، من قبيل فصل التكوين عن التوظيف في التعليم، والتعاقد، والتقاعد، والرفع من عدد من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، والتي استهدفت الطبقة الوسطى بالدرجة الأولى، ومن خلالها الطبقات الفقيرة التي قال عنها صندوق النقد الدولي بأنها قد تصل إلى 25 في المائة من الشعب المغربي المهدد بالفقر. ولربما نجد في تفويت صلاحيات صندوق تنمية العالم القروي للإشراف المباشر لوزير الفلاحة ما جعل الشرخ في الائتلاف الحكومي يصل مداه، والذي عقبه البلولاكاج الحكومي بعد انتخابات شتنبر 2016 ولربما نجد في فشل الحكومة في تحقيق تنمية العالم القروي إلى حدود 2015، ما جعل الملف يحظى بمتابعة ملكية مباشرة، وهذا جزء من الفشل التنفيذي للحكومة والناتج بدوره عن القيادة التقليدية لرئيس الحكومة الذي لم يميز بين النجاح الانتخابي والنجاح الحكومي المفروض أنه مشكل من تحالف حزبي، يقتضي التنسيق والشراكة الحقيقية. وإذا كان السيد عزيز أخنوش يتحمل مسؤولية كبيرة في هذا الفشل على مستوى الفلاحة والإصلاح الزراعي، والتنمية القروية عموماً، فإن هذا الفشل مشترك، طالما أن السيد عبد الإله بن كيران هو رئيس الحكومة، وهنا يتحمل بدوره مسؤولية سياسية كبيرة. وبالرجوع إلى المجال الاجتماعي الذي يشكل عصب وجوهر الإصلاح في أي حكومة، كيفما كانت طبيعتها وخريطتها الحزبية وظروفها التاريخية، فإننا نجد أن الإصلاحات التي قامت بها حكومة 25 نونبر 2011، والتي استمرت بوثيرة متشابهة وبإيقاع يكاد يكون نفسه مع حكومة سعد الدين العثماني، التي ستعرف صراعات وخلافات وتناحرات متكررة ومتصاعدة مع الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي، وخاصة حزبي الأحرار والاتحاد الاشتراكي، بعد رحيل إلياس العماري، أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، العدو اللدود للعدالة والتنمية، سياسيا وانتخابيا، (نجدها) بنيت على ضوء برامج وضعها الملك من جهة، وعلى ضوء برامج حكومية سابقة، من قبيل إحداث عدد من الصناديق الاجتماعية، ومن جملتها، صندوق التكافل العائلي، وصندوق دعم الأرامل، وصندوق الدعم الصحي "رميد". ففيما يخص صندوق التكافل العائلي، والذي طالما يفتخر به حزب العدالة والتنمية دونا عن باقي الأحزاب السياسية، والذي كان يقضي بتقديم مبلغ 350 درهم عن كل طفل، في حدود 1050 درهم لصالح كل أسرة، فقد عجزت الحكومة على تطبيقه، بسبب بعض الشروط التعجيزية من قبيل عدم توفر الأم المطلقة على مِلك، وكأن من يملك بيتا دون مورد رزق لا يستحق الدعم، ناهيك عن عجز الحكومة تحصيل ما فاقت نسبته 76 في المائة من موارد هذا الصندوق حسب تصريح وزير العدل والحريات، حينها السيد مصطفى الرميد نفسه. أما صندوق الأرامل، والذي كان يقتضي تمتيعهن ب1000 درهم، فيمكن القول أنه مجرد استراتيجية انتخابية، تبتغي كسب المزيد من الأصوات الانتخابية، وإلا فكيف يمكن فهم تمتيع هؤلاء الأرامل بشرط وجود الأبناء، إذ ليس من حق الأرملة الاستفادة من أي دعم إن كانت بدون أطفال، بدعوى أن باستطاعة الأرامل الخروج للعمل وكسب قوتهن اليومي، ناسيا ومتناسيا أن معظمهن بلغن من السن ما لا يسمح لهن بالعمل، وهي نسبة كبيرة من الأرامل، ناهيك عن عجز سوق الشغل عن امتصاص أفواج الشباب العاطل عن العمل، فما بالك بالأرامل المسنات. أما المساعدة الصحية "الرميد"، فإنها بقيت حبرا على ورق، خاصة أمام تعقد مساطر الاستفادة من البطاقة، وعجز المستشفيات العمومية عن تلبية الطلب الصحي على العلاج والتطبيب لعدة اعتبارات ناتجة عن فشل حكومي تنفيذي رهيب في إصلاح ورش الصحة بالمغرب، أبرزها قلة الأطباء والأطر الطبية وشبه الطبية مقارنة بعدد المرضى، ولنا في عدد الأطباء لكل ألف مواطن مغربي خير مثال على هذا العجز في إصلاح ورش الصحة العمومية، إذ يكفي أن نعلم أن المغرب يتوفر على ما نسبته 6,2 لكل 10 آلاف نسمة، وهو معدل دون مستوى عدد من الدول المجاورة من قبيل الجزائر وتونس اللتان يتوفران على 12 طبيب لكل 10 آلاف نسمة، أو إسبانيا التي تزخر ب 37 طبيب لكل 10 ألاف نسمة، للمثال لا الحصر. وهو ما جعل أصحاب بطاقة "الرميد" ينتظرون مواعد طبية تتجاوز السنة، ناهيك عن عدم قدرة البطاقة نفسها كفالة العلاج بالمجان، خاصة في جانب الأدوية التي لم تشملها البطاقة، فأي إصلاح هذا، وما فائدة بطاقة "الرميد" في ظل وضع صحي كهذا؟ وإذا أضفنا كل هذه الأعباء الناتجة عن القرارات اللاشعبية للحكومتين، إلى ارتفاع نسب البطالة في العالمين القروي والحضري، وتضخم هذه النسب في صفوف حاملي الشهادات، فإن افتخار عبد الإله ابن كيران برفع رواتب المتقاعدين البسطاء إلى 1500 درهم لن يشفع له إطلاقا في قراراته تلك، خاصة إذا علمنا أن البطالة استمرت في الارتفاع، إذ وصلت إلى 9.7 في المائة في النصف الثاني من 2015، بعدد انتقل من 950 ألف شخص سنة 2012 إلى مليون و 41 ألف في النصف الثاني من 2015، ليصل إلى نسبة 10.5 في المائة في الربع الأول من 2018، و أن 4 من أصل 10 عاطلين حاملين لشواهد عليا، حسب مندوبية التخطيط. فماذا تحقق من 2012 إلى 2018 يا ترى؟ لعل الأرقام والنسب كافية للجواب. وإذا انتقلنا إلى أهم آلية من آليات تدبير الأزمات الاجتماعية، وترشيد السلم الاجتماعي وتثمينه، فإننا نكتشف بجلاء لا يطاله شك أو غموض أو لبس، أن حكومة العدالة والتنمية في صيغتيها المكررتين، وإن اختلفت السياقات والظروف، قد فشلتا في الحفاظ على السند المدني للحكومة مع باقي مؤسسات الوساطة، وهو السند الذي يمنح شعبية لأي حكومة كيفما كانت، والمتمثل في الحوار الاجتماعي لما له من أهمية استراتيجية كبرى في دعم الاستقرار وتوفير شروط العمل والإصلاح، وذلك بسبب تفرد العدالة والتنمية وبقرار أحادي من عبد الإله ابن كيران، في عدد من القرارات التي لم تكن بمباركة ولا مساندة القطاعات النقابية، بل والحزبية، والتي بدورها تتحمل المسؤولية في الكثير من الملفات التي طغى على حلحلتها الصراع السياسوي، ومن جملتها قرارات الاقتطاع من أجور المضربين التي بالرغم من ذلك، لم تصل إلى الحد من الإضرابات القطاعية والعامة التي شملت كل القطاعات: التعليم، الصحة، الجماعات المحلية، الوظيفة العمومية، بل شملت حتى صغار التجار… إلخ. وكل ذلك في ضرب لحق أساسي من الحقوق الدستورية، إذ لجأت الحكومة إلى الاقتطاع من الأجور دون أن تجرأ على إخراج القانون التنظيمي للإضراب لحيز الوجود. وبالمقارنة مع باقي الحكومات السابقة، والتي إن عجزت عن تحقيق أشياء ونجاحات في كل القطاعات، فإنها على الأقل كانت تحافظ على وثيرة الحوار الاجتماعي، والذي استفاد من خلاله عموم الموظفين من زيادات في الأجور تارة، وتخفيضات في الضريبة على الدخل تارة أخرى، إذ يكفي مقارنة حكومة عباس الفاسي مع حكومتي ابن كيران والعثماني لمعرفة ما حصل من تراجعات اجتماعية وإجهاز على القدرة الشرائية للمغاربة، فحكومة عباس الفاسي وعبر حوار تشاركي مع باقي النقابات والأحزاب السياسية وصلت إلى زيادة مبلغ 600 درهم صافية كل الأجراء، و10 في المائة في القطاع الخاص، بالإضافة إلى ضمان الحقوق النقابية ومن جملتها الحق في الإضراب نفسه، فإن حكومة ابن كيران والعثماني في استمرار للخط المنهجي نفسه لتقويض الطبقة المتوسطة والقدرة الشرائية، اقتطعت 4 في المائة من أجور الوظيفة العمومية، بحيث تراوحت مجموع الاقتطاعات حسب الأجور ما بين 400 درهم و 1150 درهم، بهدف إصلاح صندوق التقاعد الذي تم استنزاف مقدراته واحتياطاته لصالح مؤسسات وأشخاص لم يجرأ لا ابن كيران ولا العثماني من الاقتراب إليهم، خاصة بعد منحهما صك الغفران ب"عفا الله عما سلف". أضف إلى ذلك الانخفاض الملحوظ في رواتب التقاعد بقرار احتساب معدل ثمان سنوات الأخيرة من الراتب، واستمرار الاقتطاعات حتى من رواتب التقاعد، وهي سياسة غير موجودة حتى في البلدان الأكثر تخلفا في العالم. أما إذا شملت المقارنة حكومة التناوب، بقيادة عبد الرحمن اليوسفي، فحتما سوف نقف على الحجم المهول للخسارة التي مني بها المغرب على كافة الأصعدة والمجالات منذ 25 نونبر 2011 إلى اليوم.