كشف د. عياد أبلال، الباحث الأنثروبولوجي المهتم بالشأن الاجتماعي والسياسي، معطيات صادمة حول العجز الاقتصادي التي منيت به الحكومة، خلال الولاية السابقة والولاية الحالية التي تمثل استمرارا للنهج الاقتصادي نفسه، حيث وصف إنجازاتها ب"الكارثية"، على مستوى مجال الفلاحة وأثمنة المحروقات وكافة المواد الاستهلاكية وارتفاع الجبايات. وعزز د. أبلال طرحه، الذي قدمه في دراسة له بعنوان "العدالة والتنمية بين الوعود الانتخابية والواقع الحكومي: العجز الديمقراطي أو الإصلاح المعطوب"، بالأرقام والمعطيات التي استقاها من عدد من الهيئات الرسمية، وعلى رأسها المجلسين الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وتقارير وزارة المالية، وكذا المجلس الأعلى للحسابات، وهو ما دفع بإدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، أمام البرلمان بمجلسيه، سنة 2016، لتحدير الحكومة من خطورة تفاقم المديونية التي تسبب فيها حكومة عبد الإله ابن كيران. وأكد د. أبلال، بلسان جطو، أن حكومة "البيجيدي" الأولى ساهمت في ارتفاع حجم الدين العمومي من 743 مليار درهم سنة 2014 إلى 807 مليار درهم سنة 2015، أي بنسبة 81,3 في المئة من الناتج الخام، كما سجلت تقصيرا كبيرا في تحصيل متأخرات الضريبة على القيمة المضافة المستحقة لفائدة مؤسسات ومقاولات عمومية دون القطاع الخاص، والتي انتقلت من 8,7 مليار درهم سنة 2010 إلى 25,18 مليار درهم سنة 2015. وهو ما تواصل مع حكومة السيد سعد الدين العثماني، بحيث وصل حجم الدين العمومي 1046 مليار درهم. وأمام العجز الحكومي في تدبير القطاع الاقتصادي، لجأ ابن كيران إلى سد العجز في الميزانية عبر آليتين شكلتا خطرا على السيادة الاقتصادية للبلاد، وهما الرفع من حجم الضرائب، فضلا عن الاقتطاعات التي تمس أجور ورواتب البسطاء من الموظفين، عبر إصلاح صندوق المقاصة بشكل أضر كثيرا بالقدرة الشرائية للشعب المغربي، و"هي المقاصة نفسها التي استفادت منها الشركات الكبرى، خاصة على مستوى شركات توزيع المحروقات"، حسب تعبير د. أيلال. وأكد الباحث الأنثروبولوجي أن حكومة "البيجيدي" الأولى لم تحقق لا سلما اجتماعيا ولا إقلاعا اقتصاديا، ولا ثورة على مستوى التصنيع الذي طالما نادت به لا كحكومة ولا كأحزاب في حملاتها الانتخابية، مما تسببت في المقابل في ارتفاع الدين الخارجي والداخلي، وهو ما يشكل أحد آليات تعميق التبعية المالية والاقتصادية بلغة اقتصاد التنمية. في هذا السياق استحضر الباحث تصريحات السيد عادل الديوري، الوزير الاستقلالي الأسبق، الذي اعتبر أن حكومة عبد الاله بن كيران قد أرجعت الاقتصاد الوطني لما قبل حكومة عبد الرحمن اليوسفي، وذلك "لافتقادها لرؤية اقتصادية شاملة ومتكاملة، وغياب التنسيق والتناسق بين مكوناتها. وبالرجوع إلى الحوار الذي أورده د.أبلال، قارن الديوري بين حكومة ابن كيران وحكومتي ادريس جطو وعباس الفاسي، حيث أوضح أن حكومتي جطو والفاسي اعتمدتا عمليا على أسس علمية في تعاملهما مع الظروف الاقتصادية، سواء المواتية بالنسبة لجطو، أو غير المواتية كما حدث في عهد حكومة عباس الفاسي، على عكس حكومة "البيجيدي" الأولى. تفاصيل أخرى يطلعنها عليها د. عياد أبلال، في الحلقة السادسة من دراسته التي تحمل عنوان: "العجز الاقتصادي للحكومة بالأرقام والمعطيات الصادمة ساهم في تفاقم الديون وتعريض السلم الاجتماعي للخطر. ** استندت حملات العدالة والتنمية الانتخابية في انتخابات 25 نونبر 2011، وكذا في تشريعيات شتنبر 2016 على السند الاقتصادي بالدرجة الأولى، وإذا ما انطلقنا من وعود رفع نسبة النمو الاقتصادي إلى 7 في المئة سنة 2011، بالرغم من حظ حكومة عبد الاله بن كيران التي صادفت مواسم فلاحية مزدهرة، وانخفاض تاريخي في أسواق النفط، فإن ما حققته هذه الحكومة على الجانب الاقتصادي يكاد يكون كارثياً بالنظر للظرفية غير المسبوقة فلاحيا، أثمنة المحروقات، ارتفاع الجبايات…إلخ، إذ بعد مرور ثلاث سنوات على الربيع المغربي/ الخريف الذي حمل العدالة والتنمية إلى سدة الحكومة سوف تتفاقم المديونية، في مقابل انخفاض نسبة النمو إلى أرقام مخجلة، مقارنة بالوعود القزحية التي استندت عليها العدالة والتنمية، وهو ما جاء على لسان رئيس المجلس الأعلى للحسابات السيد إدريس جطو يوم 4 ماي 2016، والذي حذر أمام البرلمان بمجلسيه من خطورة تفاقم المديونية، حين عرضه أعمال المجلس الأعلى برسم سنة 2014، حيث كشف ارتفاع حجم الدين العمومي من 743 مليار درهم سنة 2014 إلى 807 مليار درهم سنة 2015، أي بنسبة 81,3 في المئة من الناتج الخام. موجها انتقاداته أيضا لعدد كبير من الاختلالات التي شابت أداء الخزينة ومؤشرات المالية العمومية، مع تقصير كبير في تحصيل متأخرات الضريبة على القيمة المضافة المستحقة لفائدة مؤسسات ومقاولات عمومية دون القطاع الخاص، والتي انتقلت من 8,7 مليار درهم سنة 2010 إلى 25,18 مليار درهم سنة 2015، بمعنى ما يقارب من 48 في المئة من ميزانية الدولة، وهو ما استمر للأسف مع حكومة السيد سعد الدين العثماني، كونها سارت على النهج الاقتصادي والسياسي نفسه، بحيث بلغ الدين العمومي مع نهاية 2018، ما قدره 1046 مليار درهم. مع فشل مخطط المغرب الأخضر الذي لم يصل إل تحقيق الأهداف والغايات الكبرى منه، وهو ما تناول الاقتصادي نجيب أقصبي بتفصيل في الكثير من المناسبات. ولسد عجز الميزانية منذ بداية حكومة السيد عبد الاله بن كيران، وأمام عجز الحكومة الحالية على جلب الاستثمارات والدفع بعجلة الاقتصاد الوطني وفق خطط مبتكرة، وآليات تترجم حجم الوعود التي قدمها العدالة والتنمية للمغاربة، وعلى رأسها إضافة نقطتين في نسبة النمو عبر محاربة الفساد والريع وتخليق الحياة الإدارية والسياسات العمومية، والتي انتهت بقانون عفا الله عما سلف، سوف لن يجد السيد رئيس الحكومة سوى اللجوء إلى سد هذا العجز في الميزانية عبر آليتين لا شعبيتين، وخطيرتين على مفهوم السيادة الاقتصادية والسياسة في الوقت نفسه، وهي الرفع من حجم الضرائب والاقتطاعات التي تمس أجور ورواتب البسطاء من الموظفين، عبر إصلاح صندوق التقاعد بالرفع من الاقتطاعات، وإصلاح المقاصة بشكل أضر كثيرا بالقدرة الشرائية للشعب المغربي، وهي المقاصة نفسها التي استفادت منها الشركات الكبرى، خاصة على مستوى شركات توزيع المحروقات، والتي استفادت منها شركات توزيع المحروقات بأزيد من 17 مليار درهم بشكل ريعي، وفي الوقت نفسه اللجوء إلى المؤسسات المالية الدولية للاقتراض، وهو ما جعل المغرب على مستوى السيادة الاقتصادية، باعتبارها أساس السيادة السياسية ضحية لإملاءات صندوق النقد الدولي، وعلى رأسها فصل التكوين عن التوظيف، وادخال نهج التعاقد في التشغيل العمومي، كما حدث في قطاع التعليم وما سيليه من قطاعات حيوية أخرى كالصحة مثلا. ضمن هذا السياق، تعمقت تبعية وارتهان الاقتصاد الوطني للمؤسسات الدولية، الشيء الذي يتضح بقوة من خلال وصول نسبة الدين الخارجي للخزينة إلى نسبة 14,6 في المائة من الناتج الداخلي الخام في 2013، بحيث واصل الدين الخارجي العمومي تصاعده الذي بلغ في السنة نفسها 26,5 من الناتج الخام، مقابل 25,7 في 2012، بحيث سوف تستمر هذه الوثيرة التصاعدية بشكل مخيف ليصل حجم المديونية (الداخلية والخارجية) إلى 65 في المئة من الناتج الوطني الخام، وهو ما وصل في نهاية 2017 إلى 82,3 في المئة، متابعا ارتفاعه مع نهاية 2018، حسب نشرة لوزارة الاقتصاد والمالية، بمديونية خارجية تجاوزت كل الحدود المقبولة في اقتصاد لبلد نامي مستقر وغني بالموارد الطبيعية (فلاحة، سيد بحري، معادن، فوسفاط…إلخ) كالمغرب، بعدما كان الدين الخارجي سنة 2012 في حدود 28 مليار دولار، ليصل سنة 2016 إلى 31 مليار دولار، متابعا ارتفاعه ليصل سنة 2018 إلى 36 مليار دولار. وإذا كان المغرب تاريخياً يلجأ الى الدين الخارجي، في حالة الأوراش الكبرى، وتحقيقا للسلم الاجتماعي عبر الرفع من الأجور وتحسين القدرة الشرائية للمغاربة، خاصة في حالة الأزمات، والتي لم تصل إلى هكذا مستوى، فإن حكومة عبد الإله بن كيران، قد أتت على الأخضر واليابس، ولم تحقق لا سلما اجتماعياً ولا اقلاعا اقتصاديا، ولا ثورة في التصنيع ولا شيئا من هذا القبيل. إذ مقابل ارتفاع الدين الخارجي، تابع الدين الداخلي ارتفاعه لتسديد فوائد وأقساط الدين الخارجي، وهو ما يشكل أحد آليات تعميق التبعية المالية والاقتصادية بلغة اقتصاد التنمية، وبهذا الشكل يمكن اعتبار هذه الحكومة، الخادم الوفي والمطيع للمؤسسات الائتمانية والمالية الدولية، إذ يكفي أن نعرف أن حجم الدين الخارجي في نهاية 2009 كان لا يتجاوز 19 مليار دولار، إذ يشير كشف لوزارة الاقتصاد والمالية أن حجم الدين الخارجي للمغرب بلغ 8 .19 مليار دولار في نهاية الربع الثالث من 2010 مرتفعا من 19.4 مليار دولار في نهاية 2009 ومسجلا أعلى مستوى له منذ عام 2005 على الأقل . وفي هذا السياق أظهر الكشف ذاته أن المغرب بات ملزما بدفع 2.1 مليار دولار لسداد أقساط وفوائد الدين الخارجي في 2011 ومبلغ 2.2 مليار دولار سنة 2012 وحوالي ملياري دولار سنويا في 2013 و2014 و1.9 مليار دولار في 2015 . بشكل عام يمكن القول مع عادل الديوري الوزير الاستقلالي الأسبق، " أن حكومة عبد الاله بن كيران قد أرجعت الاقتصاد الوطني لما قبل حكومة عبد الرحمن اليوسفي، إذ يؤكد في حواره مع جريدة هيسبريس أن حكومة العدالة والتنمية لم تتمكن منذ انطلاق عملها بقيادة عبد الإله بنكيران سواء تعلق الأمر بالنسخة الأولى للحكومة أو الثانية الحالية، من بث الثقة داخل أوساط رجال الأعمال والمجموعات الاقتصادية والصناعية في المغرب والخارج، لسبب بسيط وهو افتقادها لرؤية اقتصادية شاملة ومتكاملة(…)، لأنه ببساطة كان لغياب التنسيق بين مكونات الحكومة، وأعني هنا تناسق العمل بين الوزارات وتناغمه، الذي يشكل أحد مفاتيح نجاح حكومتي إدريس جطو وعباس الفاسي في عملهما على أرض الواقع. هذا التناسق، أو التنسيق إن صح التعبير، فيما بين الوزارات انعدم بشكل كلي في الحكومة الحالية، وقد أثرنا انتباه رئيس الحكومة إلى هذا الأمر غير ما مرة، لكن من دون جدوى وهو ما حدا بنا إلى مغادرة الحكومة حتى لا نحاسب على أخطاء يتسبب فيها الآخرون، فعكس حكومة بنكيران، التي يسود فيها غياب التنسيق بين المكونات الوزارية والإدارية المركزية، فقد كانت سياسة حكومتي ادريس جطو وعباس الفاسي واضحة تعتمدان أسسا علمية في تعاملهما مع الظروف الاقتصادية، سواء المواتية بالنسبة لجطو أو غير المواتية كما حدث في عهد حكومة عباس الفاسي. بالنسبة لحكومة جطو مثلا، فقد أسست استراتيجيتها المتعلقة بالنمو على تسريع وتيرة تجهيز المغرب فيما يخص البنيات التحتية من جهة، كما قامت هذه الحكومة بقطيعة تامة فيما يرتبط بإيقاع إنتاج السكن، خصوصا السكن الاقتصادي، كما وضعت استراتيجيات لتوسيع النسيج الإنتاجي في العديد من التخصصات الدولية للمغرب على اعتبار أنها قطاعات يسهل تطويرها للمهن الدولية بالمغرب. أما بالنسبة إلى حكومة الفاسي، فقد واجهت هذه الحكومة ثلاث أزمات ترتبط بأزمة النفط الذي ارتفعت أسعاره والأزمة المصرفية العالمية، ثم الربيع العربي وتبعاته الاقتصادية السيئة…. وقد ركزت حكومة الفاسي على إعطاء الأولية للحفاظ على مستوى النمو الاقتصادي والقدرة الشرائية للأسر المغربية والشغل. مقابل ذلك، ضحت هذه الحكومة بتوازن ميزان الأداءات وميزانية الدولة(…)، ففي الحكومة التي قادها عباس الفاسي، كان نزار بركة هو من يشرف عمليا على التنسيق فيما بين الوزارات، خاصة فيما يتعلق بالمشاريع الكبرى التي تستدعي سرعة في اتخاذ القرارات. صحيح أن هذا التكليف لم يكن بشكل رسمي، لكنه قرار طبق عمليا، وسمح بتسريع وثيرة قرارات حكومية تهم مجموعة من المشاريع الحكومية". إذا كنا نتفق مبدئيا مع عادل الديوري، فإننا وبدون أن نحمل كل الإخفاقات الماكرو اقتصادية لحكومة عبد الاله بن كيران، ولا لخلفه سعد الدين العثماني، فإننا نجد أنفسنا ملزمين برد جزء كبير من المسؤولية لرئاسة الحكومة في قيادتها للائتلاف الحكومي، وهي قيادة تقليدية تعرضت مع ابن كيران للكثير من الشخصنة والمركزية الذاتية الأحادية، وهو ما جعل عددا كبيرا من الوزراء لا من حزبه ولا من الأحزاب الأخرى المشكلة للتحالف الحكومي لا ينضبطون لقراراته وتوجيهاته، وهو ما اعترف به نفسه في آخر تصريحاته، وهو أيضاً ما عبر عنه الديوري بقوله: "من هنا يمكن أن نقول أن بعض الوزراء القطاعيين يواصلون جهودهم، لكن بمردودية معاقة بسبب غياب قيادة شاملة للاقتصاد من طرف الحكومة وغياب قائد ومنسق في مجال الاقتصاد، كما أنه لا يمكننا اعتبار مقايسة أسعار المحروقات، بل وحتى إصلاح صناديق التقاعد استراتيجية اقتصادية تنموية. وبالتالي فالجواب عن سبب الإخفاق بطبيعة الحال هو أن السيد بنكيران يشتغل وفق منهجية تقليدية، تدفع كل الوزارات إلى الاشتغال بشكل منفرد، وهو ما يفوت العديد من الفرص الاقتصادية والاستثمارية الكبرى. في حين أن رئاسة الحكومة مع السيد سعد الدين العثماني، عاشت وماتزال ضعفا في التنسيق وعجزاً في القيادة لعدة اعتبارات لا تخرج عن غياب رؤية واضحة لحزب العدالة والتنمية مبنية على دراسات ومعطيات مقنعة، ولكونه لم يستطع الفصل بين الانتخابي السياسي، والسياسي الحكومي، من جهة، ولتنافر مكونات الأغلبية الحكومية التي أمعنت جل مكوناتها في الصراعات السياسوية الضيقة، وعلى رأسها حزبي التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي. وهو ما جعل حدة الاحتجاجات والحراك تشتد وتتضخم بشكل غير مسبوق. نتيجة فشل الحوار الاجتماعي والتوافق السياسي بين الأغلبية الحكومية نفسها وباقي أحزب المعارضة والنقابات، مما عرض وما يزال السلم الاجتماعي للخطر.