انتقد عادل الدويري، وزير السياحة السابق والخبير الاقتصادي ورئيس رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، الأداء الاقتصادي لحكومة عبد الإله بنكيران، واعتبر أن الحكومة الحالية تفتقد إلى رؤية اقتصادية شاملة ومتكاملة من شأنها بث الثقة في أوساط رجال الأعمال والمجموعات الاقتصادية والصناعية في المغارب والخارج. وقال القيادي بحزب الاستقلال في حواره مع هسبريس، إن الجميع كان ينتظر بلورة سياسة اقتصادية تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي المغربي، لكن كل ما فعله بنكيران هو إرجاع الاقتصاد المغربي إلى نفس مستوى نهاية التسعينات قبيل اضطلاع حكومة التناوب بتسيير الشأن الحكومي. وفيما أثني على العمل الذي يقوم به مولاي حفيظ العلمي، اعتبر عادل الدويري أن بعض الوزراء القطاعيين يعملون على مواصلة جهودهم، لكن بمردودية معاقة بسبب ما قال عنه إنه غياب لقيادة شاملة للاقتصاد من طرف الحكومة وغياب قائد ومنسق في مجال الاقتصاد.. كما قال إنه لا يمكن اعتبار مقايسة أسعار المحروقات، بل وحتى إصلاح صناديق التقاعد إستراتيجية اقتصادية تنموية. وجهتم في حزب الاستقلال مجموعة من الانتقادات بعد انسحابكم من الإئتلاف الحكومي، الذي يقوده حزب العدالة والتنمية، وشرعتم في انتقاد العمل والأداء الحكوميين. وطالت انتقاداتكم في الحزب مشروع قانون المالية، الذي كنتم من المكونات التي ساهمت في إعداده.. ما هو رأيكم في هذا الشأن؟ لقد كان موقفنا ولا يزال، موقفا واضحا يتسم بالواقعية وبعيد كل البعد عن المزايدات. فانتقادنا لطبيعة أداء الحكومة في المجال الاقتصادي يتم بطريقة علمية وتعكس نبض الأوساط الاقتصادية المعنية، والأوساط الشعبية التي تتأثر بالقرارات الحكومية والسياسة التي تعتمدها في المجال الاقتصادي.. فنحن عندما نقول إن هناك غيابا واضحا لاستراتيجية ورؤيا اقتصادية حكومية واضحة فنحن لا نطلق كلامنا على عواهنه. الحكومة الحالية، لم تتمكن منذ انطلاق عملها بقيادة عبد الإله بنكيران سواء تعلق الأمر بالنسخة الأولى للحكومة أو الثانية الحالية، من بث الثقة داخل أوساط رجال الأعمال والمجموعات الاقتصادية والصناعية في المغرب والخارج، لسبب بسيط وهو افتقادها لرؤيا اقتصادية شاملة ومتكاملة. (مقاطعا) اسمحوا لي من فضلكم لأثير انتباهكم إلى أن حزب الاستقلال كان مشاركا في النسخة الأولى من حكومة بنكيران، وقد كنتم تضلعون بمسؤولية وزارات حيوية من بينها وزارة المالية على سبيل المثال. ألا يتناقض هذا ما صرحتم به للتو بشأن عجز الحكومة في بث الثقة في أوساط رجال الأعمال مثلا، وأنتم كنتم أحد مكوناتها الأساسية؟ أبدا، لأنه ببساطة كان لغياب ذلك التنسيق بين مكونات الحكومة، وأعني هنا تناسق العمل بين الوزارات وتناغمه، الذي يشكل أحد مفاتيح نجاح حكومتي إدريس جطو وعباس الفاسي في عملهما على أرض الواقع. هذا التناسق، أو التنسيق إن صح التعبير، فيما بين الوزارات انعدم بشكل كلي في الحكومة الحالية، وقد أثرنا انتباه رئيس الحكومة إلى هذا الأمر غير ما مرة، لكن من دون جدوى وهو ما حدا بنا إلى مغادرة الحكومة حتى لا نحاسب على أخطاء يتسبب فيها الآخرون. عكس حكومة بنكيران الحالية، التي يسود فيها غياب التنسيق بين المكونات الوزارية والإدارية المركزية، فقد كانت سياسة حكومتي ادريس جطو وعباس الفاسي واضحة تعتمدان أسسا علمية في تعاملهما مع الظروف الاقتصادية، سواء المواتية بالنسبة لجطو أو غير المواتية كما حدث في عهد حكومة عباس الفاسي. بالنسبة لحكومة جطو مثلا، فقد أسست إستراتيجيتها المتعلقة بالنمو على تسريع وتيرة تجهيز المغرب فيما يخص البنيات التحتية من جهة، كما قامت هذه الحكومة بقطيعة تامة فيما يرتبط بإيقاع إنتاج السكن، خصوصا السكن الاقتصادي ، كما وضعت استراتيجيات لتوسيع النسيج الإنتاجي في العديد من التخصصات الدولية للمغرب على اعتبار أنها قطاعات يسهل تطويرها للمهن الدولية بالمغرب. أما بالنسبة لحكومة الفاسي، فقد واجهت هذه الحكومة ثلاث أزمات ترتبط بأزمة النفط الذي ارتفعت أسعاره والأزمة المصرفية العالمية، ثم الربيع العربي وتبعاته الاقتصادية السيئة.... وقد ركزت حكومة الفاسي على إعطاء الأولية للحفاظ على مستوى النمو الاقتصادي والقدرة الشرائية للأسر المغربية والشغل. مقابل ذلك، ضحت هذه الحكومة بتوازن ميزان الأداءات وميزانية الدولة. قلتم إن حكومة عباس الفاسي كانت تحرص على خلق التناسق والتناغم في أداء الوزارات. من كان يشرف على هذا الأمر. هل هو عباس الفاسي شخصيا أم شخصية وزارية أخرى؟ في الحكومة التي قادها عباس الفاسي، كان نزار بركة هو من يشرف عمليا على التنسيق فيما بين الوزارات خاصة فيما يتعلق بالمشاريع الكبرى التي تستدعي سرعة في اتخاذ القرارات. صحيح أن هذا التكليف لم يكن بشكل رسمي، لكنه قرار طبق عمليا، وسمح بتسريع وثيرة قرارات حكومية تهم مجموعة من المشاريع الحكومية. سأضرب لكم مثلا بمولاي حفيظ العلمي، الذي يؤدي عملا جيدا، في حالة ما إذا وجد نفسه أمام مجموعة اقتصادية كبرى تخطط للاستثمار في منطقة المتوسط مثلا، والمغرب واحد من الدول التي تتنافس على استقطابها مثلا، هل يمكنه الحسم في قرارات معينة أو منح تسهيلات معينة في وقت قياسي، يحدد في مثل هذه اللقاءات بالدقائق والساعة الواحدة أو الساعتين. من هنا يمكن أن نقول أن بعض الوزراء القطاعيين يواصلون جهودهم، لكن بمردودية معاقة بسبب غياب قيادة شاملة للاقتصاد من طرف الحكومة وغياب قائد ومنسق في مجال الاقتصاد، كما أنه لا يمكننا اعتبار مقايسة أسعار المحروقات، بل وحتى إصلاح صناديق التقاعد إستراتيجية اقتصادية تنموية. وبالتالي فالجواب بطبيعة الحال هو "لا" لأن السيد بنكيران يشتغل وفق منهجية تقليدية، تدفع كل الوزارات إلى الاشتغال بشكل منفرد، وهو ما يفوت العديد من الفرص الاقتصادية والاستثمارية الكبرى. هل هذا يعني أنكم غير راضين على النتائج الاقتصادية التي يقول بنكيران إنه قد حققها لفائدة المغرب؟ بطبيعة الحال، نحن غير راضين بتاتا على ما نشاهده اليوم وما نعايشه ويعايشه الشعب المغربي. فالجميع كان ينتظر بلورة سياسة اقتصادية تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي المغربي، لكن كل ما فعله بنكيران هو إرجاع الاقتصاد المغربي إلى نفس مستوى نهاية التسعينات قبيل اضطلاع حكومة التناوب بتسيير الشأن الحكومي. إننا نرى أن بنكيران قد أجهز على كل المكتسبات الاقتصادية والتنموية التي حققها المغرب خلال الخمس عشرة سنة الماضية، بسبب غياب رؤيا واضحة وتبنيه لإجراءات انعكست سلبا على الأداء الاقتصادي في المغرب. كما أن هذه الحكومة أقدمت على خفض وتيرة الإنفاق من خلال تقليص مستوى الاستثمار العمومي، خصوصا في قطاع البنى التحتية والأشغال العمومية، وعجزتيضا عن تحفيز إنتاج السكن وسيادة الانتظارية في أوساط المقاولات المغربية والأجنبية على حد سواء بسبب افتقادهم للثقة في مستقبل تطور الاقتصاد المغربي. وقد أشرنا في دراسة أنجزناها في رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين أنه في نهاية سنة 2012 التي لم تكن مشجعة، كان فيها عجز ميزانية الدولة بلغ ناقص 7 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وقد استفادت هذه الحكومة على الخصوص من تدني أسعار المواد الأولية كالبترول والسكر الخام، وهو ما ساهم سنة 2013 في الخفض من تكاليف المقاصة في الميزانية. إلى جانب ذلك، فقد أشرنا في رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين أن سنة 2013 شهدت استقبال المغرب لهبات دولية عكس سنة 2012. وأخيرا، لم تتردد الحكومة في حذف 15 مليار درهم من ميزانية الاستثمار، وبهذه الطريقة تم الخفض من عجزالميزانية سنة 2013. أما بالنسبة لسنة 2014 فقد ساهم التخفيض الجديد لميزانية الدولة للاستثمار، وحدف الدعم عن المحروقات والفيول بالنسبة للشركات من جديد في تقليص العجز . ورغم ذلك، فإننا نرى أن غياب سياسة تنموية إضافة إلى عجز الميزانية المرتفع ما بين سنوات 2012- و2014 عاملان ساهما بقوة في رفع نسبة المديونية والرفع من كلفة التمويل بالمغرب. (مقاطعا) هل ينطبق هذا الأمر على الدين العمومي؟ هذا أمر بديهي، ففي ظل حكومة بنكيران، انتقل دين الخزينة من 54 في المئة نهاية 2011 إلى 68 في المئة نهاية 2014، كما ارتفعت فوائد الخزينة ب1.4+ في المئة منذ نهاية سنة 2011 وإلى غاية اليوم. كما أن نسبة النمو التي يحققها حاليا الاقتصاد المغرب التي تتراوح ما بين 3 و3.5 في المئة هي نفسها المستويات الأدنى التي يحققها اقتصادنا الوطني، وذلك في غياب إستراتيجية اقتصادية واضحة، وهو ما عاشه المغرب أيضا خلال سنوات التسعينات. لقد وجهتم مجموعة من الانتقادات، التي تصفونها بالموضوعية والواقعية، إلى حكومة بنكيران تهم القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع الأسعار. هل هذا يعني أنكم لو كنتم مكان العدالة والتنمية ما لجأتم لهذه الإجراءات، التي يقول بنكيران إنها ضرورية ويقوم بها حتى لو كلفته شعبيته على أرض الواقع؟ لقد تسبب بنكيران في ضرب القدرة الشرائية للمواطنين، من خلال تطبيق مجموعة من الزيادات غير المعقولة، كما ضرب تنافسية النسيج الاقتصادي والخدماتي والصناعي المغربي، وهو ما بدأ يؤثر سلبا على الأداء الاقتصادي العام للمغرب. غياب إستراتيجية تنموية واختناق الاقتصاد بسبب عجز ميزان الأداءات وانكماش القروض الذي ينتج عن ذلك كلها عوامل ساهمت، ولأول مرة منذ 12 سنة، في قلب منحنى البطالة بشكل واضح مما تسبب في عودة مؤشر البطالة على الصعيدين الحضري والوطني إلى الارتفاع.. وبالتالي فإن غياب إستراتيجية بسيطة وواضحة تخلّف مؤشر نمو لن يتحرك، في حين سيواصل معدل البطالة، الذي تتحمل الحكومة الحالية مسؤولية انعكاس التطور، ارتفاعه.