في حديثه عن إخفاقات البيجيدي على مستوى قطاع التعليم، أشار الباحث الأنثروبولوجي، د. عياد أبلال، في دراسته المعنونة ب"العدالة والتنمية بين الوعود الانتخابية والواقع الحكومي: العجز الديمقراطي أو الإصلاح المعطوب" إلى أمر وصفه ب"الخطير"، يتعلق بتحول وظيفة المدرسة من النمط التقليدي المعروف إلى النمط التقليداني، عوض المساهمة في تطويرها، فضلا عن تسبب الحزب الإدسلامي يتراجع منظومة التعليم بالمغرب منذ تولي عبد الإله ابن كيران منصب رئيس الحكومة الإسلامية الأولى سنة 2011. في هذه الحلقة، سنتحدث عن أبرز إخفاقات الحكومتين في قطاع التعليم، فضلا عن سياستهما التهميشية المقصودة للطبقة المتوسطة التي انبثقت من رحم المدرسة العمومية، ومحاربتهما للمثقفين، وتهميشهما لرجال التعليم من خلال فرض التعاقد، وكذا مساهمتها في ارتفاع نسبة الأمية والهدر المدرسي في العالم القروي. ونظرا لغنى الدراسة وشموليتها في تسليط الضوء على مكامن الخلل في العمل الحكومي بشكل عام منذ إصدار دستور 2011 إلى الآن، من خلال إبراز تناقضات ومفارقات حكومتي ابن كيران وسعد الدين العثماني، بين شعارات الحزب الانتخابية وحصيلة سبع سنوات من التدبير الحكومي، يعمل موقع "الدار" على نشر أجزاء منها بشكل مفصل، في حلقات أسبوعية، وذلك كل يوم اثنين على الساعة الواحدة بعد الزوال. تكريس النمط "التقليداني" للمدرسة ومحاربة التحديث اعتبر د. أبلال، في هذا الجزء من الدراسة، أن "منظومة قيمية ذات نزعة ثقافية تعمل على كبح التغيير والحداثة والتجديد"، وبالتالي ستنسلخ المدرسة عن طبيعتها التربوية التعليمية، لتنتج أطرا إيديولوجية تعمل على إنتاج السلطوية وقيمها المهيكلة"، وأكد أن النخب هي التي تعمل على بناء مدرسة بهذه المعايير، إذ "لا تعمل على تعليم الأجيال النقد والتحليل، وتكتفي بتعليم الحقائق بشكل تعسفي، مادامت الحقيقة نسبية، ولا تربي في الناشئة قيم الجهد، والاجتهاد، المسؤولية والمحاسبة، الحرية والاختلاف والمساواة والعدالة"، بل تساهم في بناء "مدرسة فارغة إلا من أسوارها التي تتحول عندما تفقد رمزيتها في المخيال الجمعي إلى مؤسسة سجنية وعقابية، وهو ما يفسر مستويات العنف والهدر المدرسي التي تعرفها"، يبرز د. أبلال. وسجل الباحث المغربي أن السياسي التقليداني يخاف المدرسة الحديثة والمتجددة، ويخشى النخب المتعلمة والمثقفة المتشبعة بقيم الحرية والنقد، ولذلك يحاول صناعة مدرسة على مقاسه، وطمس الدور الحقيقي والتاريخي للمدرسة، "ومن هنا منشأ الاستبداد الذي بات يعيد إنتاج نفسه، وعبر المدرسة ذاتها من خلال تفكيك وظيفتها وعزل الحركية الاجتماعية الصاعدة عنها"، ما ساهم في "إفلاس منظومة التربية والتعليم بالمغرب". وفق د. أبلال، كان الحزب الإسلامي الحاكم لسبع سنوات، سببا في اندحار التعليم بالمغرب، "ويمكن استنتاج ذلك من خلال التدقيق في سياسة حكومة العدالة والتنمية مع عبد الإله بن كيران، وهو ما استمر مع سعد الدين العثماني، ويمكن بذلك أن نفهم رؤية الحزب الإسلامي للتعليم من جهة، والطبقة المتوسطة من جهة أخرى، بحكم أن المدرسة هي المولد التاريخي معرفيا واجتماعيا لهذه الطبقة". تهميش الطبقة المتوسطة لتشويه التعليم وفصل التكوين عن التوظيف إلى ذلك، أوضح د. أبلال فكرته قائلا إن حزب العدالة والتنمية "يعمد عن قصد إلى تهميش الطبقة المتوسطة وتفقيرها، لكونها في العمق خصم سياسي على مستوى وعييها الثقافي، حتى وإن كان جزء كبير منها يقاطع العملية الانتخابية"، ومن هنا، وحسب استنتاج د. أبلال، تتضح سياسة الحزب الاقتصادية والاجتماعية التي تعمل على كبح حركية هذه الطبقة، حتى تظل محايدة انتخابيا، ومن ثم سيسهل عليه كبح حركية رجال التعليم سياسيا، ثقافيا واجتماعيا. وعزز د. أبلال طرحه بإملاءات صندوق النقد الدولي، التي تشرح إلى حد كبير كيف تماهى الحزب مع السياسيات "النيوليبرالية"، التي تهدف إلى جعل المغرب مختزلا في وظائف المناولة، وهو ما يقوي حدة العنف الرمزي داخليا بين الفئات الاجتماعية، وخارجيا بين المغرب والعالم، بحيث يصبح من المستحيل أن يتحول المغرب إلى بلد مصدر للمعرفة والكفاءة. في سياق آخر، يرى د. أبلال أن سياسة عبد الإله اين كيران، رئيس الحكومة الإسلامية الأولى، وهي السياسة التي امتدت إلى حكومة سعد الدين العثماني، المتمثلة في فصل التكوين عن التوظيف "كانت سببا في الإجهاز، بشكل مقصود، على المدرسة العمومية، بشكل يتنافى مع البرنامج الانتخابي الذي وضعه خلال الحملة الانتخابية التي ضجت بالوعود المثيرة"، فضلا عن اتخاذه قرار إلزام رجال التعليم بالتعاقد كتجل من تجليات المناولة، مع التخفيض من قيمة منحة التكوين، وسن سياسة الاقتطاع من أجور المضربين، في ضرب خطير للدستور، ومقتضى الحق في الإضراب والاحتجاج المعترف به عالميا. تراجع جودة التعليم ومساهمة "البيجيدي" في انتشار الأممية وقد عاد د. أبلال إلى البرنامج الانتخابي للعدالة والتنمية الذي قدمه الحزب في الاستحقاقات التشريعية لسنة 2011، ليقوم بمقارنة بين الوعود المطروحة في الحملة ااثنتخابية لسنة 2011، وما تم بعد ذلك، ما يكشف حسبه "زيف الخطاب السياسي للحزب، حيث تعهد الحزب بتقليص نسبة الأمية العامة إلى 20 في المئة في 2015، وإلى 10 في المائة في 2020، والقضاء على أمية الفئة العمرية 15-24 سنة في أفق 2015، وها نحن في 2019، ونسبة الأمية العامة تتجاوز 30 في المئة". يسجل د. أبلال. بالإضافة إلى ذلك، تراجعت، حسب د. أبلال، جودة التعليم بمختلف أسلاكه، وهو ما جعل الملك محمد السادس، في خطاب 20 غشت 2013، يقر بأن "الوضع الحالي للتعليم أصبح أكثر سوءا، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة"، ولعل ترتيب المغرب ضمن 21 أسوأ دولة في التعليم إلى جانب الدول الأفريقية الأكثر فقرا، حسب تقرير للأليكسو سنة 2014، خير دليل على ذلك، وهو ما استمر في التراجع والتخلف مع حكومة سعد الدين العثماني.