بدا أسود الأطلس اليوم وهم يخترقون شوارع سلاوالرباط بحافلتهم المضمّخة بألوان العلم الوطني وكأنهم فرسان نبلاء وسط جيش من المحبّين، يُطلون من سماء المجد التي ارتقوها في مونديال قطر 2022 يُلقون تحيات النصر ويواصلون زرع ورود السعادة والفرح والحبور في وجوه المغاربة. خرجت العَدْوتان، الرباطوسلا، عن بكرة أبيهما لاستقبال الأسود واحتضان صنّاع التاريخ، لِشكر هذا الجيل والتعبير عن الامتنان لكل ما قدّموه للكرة المغربية والعربية والإفريقية. وكأن مشهد انتصارات ملاعب قطر أمام منتخبات بلجيكا وإسبانيا والبرتغال كان يعاد نقله على المباشر في شوارع عاصمة المملكة الشريفة اليوم يستحضرها الواقفون في جنبات الطريق وهم يرشقون عناصر المنتخب الوطني بزهور الحب والعرفان. وتكتمل صورة الاستقبال التاريخي في رحاب القصر الملكي العامر بالرباط، عندما أبى جلالة الملك محمد السادس إلا أن يحفّ أسود الأطلس باهتمامه واستقباله الخاص بكل ما يعنيه ذلك من مهابة الرعاية وحدب العناية الملكية. الاستقبال الملكي كان غاية في العمق والرمزية، ودفقة من التكريم التي لن ينساها عناصر المنتخب الوطني وطاقمه التقني ما حيوا. استقبال حشد كل مقومات الهوية المغربية وقيمها ورسائلها البليغة التي ظهر بعضها في منافسات كأس العالم بقطر واكتمل بعضها الآخر في صور التضامن والالتحام الجماهيرية التي شهدتها شوارع الرباط. تكريم الأسود بأوسمة مليكة رفيعة فردا فردا كان تعبيرا من جلالة الملك محمد السادس عن حرصه الشديد على وضع هذا الإنجاز الذي حقّقه أسود الأطلس ببلوغهم نصف نهائي كأس العالم في مكانته وقيمته الحقيقية. هذه الأوسمة من درجة ضباط التي منحت للاعبي المنتخب تؤكد الاهتمام البالغ الذي أعطاه جلالة الملك لهذا المنتخب ولأدائه منذ بداية المنافسات، ولا أدل على ذلك خروج جلالته في سيارته الخاصة لتقاسم الفرحة مع المواطنين المغاربة في الشوارع بعد التأهل إلى الدور الثاني. ولقد كان فعلا أسود الأطلس نعم الضباط الذين دافعوا بشرف وتفانٍ عن الراية الوطنية على ميادين المنافسة والفخر والعزة في ملاعب قطر. ولعلّ مظاهر التخفيف من البروتوكول الرسمي في استقبال الأسود الذي ظهر بجلاء خلال توشيحهم بالأوسمة يُظهر هذه الروح الأبوية الجارفة التي أحاط بها الملك محمد السادس أسود الأطلس وكل أفراد الطاقم التقني للمنتخب إضافة إلى كتيبة الأمهات المكافحات اللواتي أنجبن وربّين هذا الجيل. الحرص على استقبال اللاعبين رفقة أمهاتهم ينطوي أيضا على إشارة ملكية سامية تؤكد أن المشاهد التي برزت أمام الكاميرات العالمية خلال مونديال قطر لتقبيل رؤوس الأمهات والرقص معهن في الملاعب ليست مجرد مصادفة أو حركة مصطنعة بقدر ما هي جزء لا يتجزأ من منظومة القيم الوطنية التي تعطي الأولوية للأصول وللمرأة/الأم القادرة على تحدي كل الصعاب من أجل صناعة الرجال/الأسود. هذه المشاهد المشحونة بعواطف الولاء والرعاية المتبادلة بين الملك وأسود الأطلس ستظل بارزة في الصورة التاريخية التي جمعت جلالة الملك باللاعبين وأمهاتهم، حيث مظاهر الاعتزاز بالأسرة المغربية المتماسكة والمتضامنة، هي نفسها التي ظهرت بين أفراد المنتخب الوطني في علاقتهم بالمدرّب وليد الركراكي، الذي كانت تميّزه مرتكزا على الروح العائلية التي بثها في هذا المنتخب بعد رحيل المدرّب السابق. لم تكن إذن صورة الإنجاز الكروي التاريخي الذي حققه الأسود لتكتمل في أذهاننا وتترسّخ في ذكرياتنا دون أن يحظوا بهذا الاستقبال الشعبي والملكي الذي وضعهم في رعاية ملك يكرّم الإنجازات وأحضان شعب يعترف بالفضل لمن رفع الراية الوطنية خفاقة. سيظل إذن مشهد هذا الاستقبال الشعبي والملكي جزء من ذكريات النجاح الباهر الذي تحقّق في مونديال قطر، وسيتذكر المغاربة كل لقطة من تفاصيله الدقيقة بعد أن استعادوا مع هذا الجيل الكروي طعم الانتصارات ولذة الفوز، وحقّ لهم أن يفخروا عربيا ومغاربيا وإفريقيا بأول منتخب يضع قدميه في المربع الذهبي لكأس العالم.