ما تركه انتصار أسود الأطلس وتأهلهم إلى الدور الثاني من آثار بليغة على وجدان الإنسان العربي يبدو أعمق بكثير مما نتصوره ومما كنا نتخيله. لم يعد المنتخب الوطني المغربي يعتمد على ثلاثين مليونا من المشجعين المغاربة، بل أصبح عدد الجماهير التي تشجعه وتسانده أكثر من 300 مليون عربي. لقد نجح أشبال وليد الركراكي وفي ظرف أسبوع واحد من المشاركات في مباريات كأس العالم في نسج لُحمة وانسجام ووحدة عربية لطالما تغنّى بها الساسة وسعى إليها القادة من كل الأقطار العربية دون جدوى. اليوم فقط يكتشف الشعب العربي من المحيط للخليج أن أحلامه وطموحاته وانفعالاته واحدة في الأصل وأن ما يجمع العرب أكثر مما يفرّقهم. ما يجمعهم هو هذا البحث عن التألق والنجومية والنجاح في المحافل الدولية. ما يوحدهم هو هذا التعطّش إلى رؤية بلد عربي واحد على الأقل يقف في مصاف الكبار وينافس العمالقة ويقارع سادة الكرة في العالم. ما يجمع الشعوب العربية هو الحلم بأن يكون لبلدانهم يوما ما شأن في مجال من المجالات أو رياضة من الرياضات وأن يعتلوا منصات التتويج على غرار باقي شعوب الدنيا. ما ينقصهم هو تذوق لذة الانتصار بعد كل الانتكاسات والهزائم التي أصبحت جزء من تاريخنا العربي بل حتى من توقعاتنا وانتظاراتنا، من كثرة ما حصدت هذه الأمة العربية من صدمات وتخلّفت عنه من مواعيد ولحظات تاريخية. أسود الأطلس جمعوا اليوم كل الشعوب بما في ذلك الجالية اليهودية في إسرائيل التي خرجت تحتفل في الشوارع بانتصار المنتخب المغربي وتأهله. أسود الأطلس هم أمل قطر اليوم في أن تتحوّل النكهة العربية لمونديال 2022 من الطابع التنظيمي فقط إلى النتائج الكروية. القطريون يحتفون في كل مباراة بانتصارات المغرب، لأنهم يريدون أن يستمر الحضور العربي على أرضية الملاعب أيضا، وقد ظهر ذلك جليا حتى في فرحة العائلة القطرية المالكة في المدرجات وإصرارها على رفع العلم المغربي في كل مباراة. المنتخب المغربي إذن يحقق آمال الجميع دونما استثناء، يفرح بهم القطريون والمصريون والفلسطينيون وتخرج الاحتفالات بهم في غزة ورام الله وتل أبيب، هذا هو سحر كرة القدم، وهذا هو سحر كرة القدم عندما تتحرك في أقدام أسود الأطلس. المعلّقون التلفزيونيون العرب يلهجون كل يوم بذكر المنتخب المغربي ويرفعون الدعوات بالمزيد من الانتصارات، والمحلّلون الرياضيون الذين كان بعضهم تجرأ على توقّع الإقصاء المبكر للمغرب، أصبحوا اليوم يقرون ويعترفون بتميز هذا المنتخب، ويتنبؤون له بالذهاب أبعد من الدور الثاني. عندما يصبح العالم العربي كله، قادة وشعوبا ورياضيين وإعلاميين وفنانين يرفع صوتا واحدا وراية واحدة وشعارا واحدا "ديما مغرب" فهذا يعني أن ما يصنعه أسود الأطلس ليس تاريخيا على مستوى المباريات والنتائج فقط بل على المستوى القومي بعد أن تحوّل إنجازهم إلى مصدر تعزيز لروابط الأخوة العربية وتجاوز الخلافات وإشاعة روح جارفة من الفرح والسلام والاستقرار في المنطقة. لهذا سنواصل ومعنا كل الشعوب العربية والإفريقية تشجيع هذا المنتخب الذي لن يتوقف بالتأكيد عند محطة الدور الثاني، بل سيكمل مسار النجاح الكروي والإنساني والقومي في الوقت ذاته. وستكون مباراة المغرب أمام إسبانيا يوم الثلاثاء المقبل أكثر مقابلة تحظى بالمتابعة الجماهيرية العربية في تاريخ كؤوس العالم. وسيبقى رفاق حكيم زياش قادرين مرة أخرى على أن يزرعوا الأمل والفرح والسعادة الغامرة في وجوه العرب، في القصور والمخيمات، في ناطحات السحاب وفي المداشر، في العواصم وفي القرى، وسترتفع بذلك أعلام المغرب خفّاقة في كل أقطار الوطن العربي الممتد محطمة كل الخلافات والنزاعات التي سيذيبها سحر أسود الأطلس.