العبادة، التدين أو الالتزام بتعاليم الدين، كلها مرادفات تحيل على امتثال العبد للرب، حيث الديانات تختلف والمعتقدات تتعدد كما قد تتعارض، لتظل دور العبادة هي المكان أن الملجأ الذي يفر إليه الفرد للاحتماء بالدعاء من لظى الحياة، غير أن الأدوار التي تقوم بها دور العبادة سواء المساجد أو الكنائس تعتريها العديد من الالتباسات في ظل بروز الإسلام السياسي، وضبابية الأهداف التي تخدمها التبرعات الموجهة لهذه الدور. موقع "الدار يقربكم من الموضوع. قال عبدالكريم القمش الباحث في علم الاجتماع والناشط الحقوقي، أن مفهوم "دور العبادة"، تحيل على مجموعة من الديانات، لكنها في المغرب تقتصر فقط على تلك المخصصة للمسلمين وكذلك المسيحين، بمعنى المساجد والكنائس، أما بخصوص الدور المخصصة لليهود فهي غير موجودة، غير أن هذا لا يخفي التسامح الديني الملاحظ بالمغرب، مشيرا أنه بخصوص الشق المرتبط بالمسيحية فإن معتنقيها الذين دخلوا حديثا لهذا الدين يواجهون مجموعة من المضايقات، في حين أن الأجانب يتمكنون من الإعلان عن ديانتهم المسيحية بكل حرية، خصوصا وأنهم لا يتعرضون لأي مضايقات.
التسامح الديني… مكسب لا يتحقق إلا بمباركة الدولة وأضاف القمش أن التسامح الديني في المغرب، أمر لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تذييل الظروف التي تسهر على رعايتها الدولة، الأمر الذي يستلزم التعاون من قبل الشعب أيضا، لأن الأمر يخص قضية التعايش داخل المجتمع حيث العنصر البشري هو العامل الفاعل في هذا المحور.
المسجد لبنة أساسية… لكن في حاجة لأنسنة الوظائف وأشار إلى أن المسجد يشكل البنية الأساسية للتدين في المغرب، حيث السؤال المحوري الذي يطرح في هذا الصدد هو هل وظيفة المسجد تنحصر في مجموعة من الأدوار الرسمية من قبيل أداء الأذان، مع إغفال الجانب الأساسي المتمثل في أداء الدور الاجتماعي والتضامني، خصوصا وأن المسجد بالرغم من كونه مجالا للعبادة والتدين، إلا أنه يخضع لنظام مؤسساتي صرف، يشتغل وفق محدد زمني معين، مؤكدا أن المسجد لم يعد في الظرفية الحالية يستقبل الحالات الإنسانية المعوزة التي تحتاج المساعدة والتأييد، على خلاف الكنائس الكاثوليكية في أوربا التي تعكف على خدمة الجانب التضامني بالدرجة الأولى، ومن ثم فالجانب الإنساني الاجتماعي يظل حاضرا، ما يجعلها حضنا اجتماعيا يضم العديد من الأفراد من مختلف الديانات، ومن ثم أكد أن المساجد بدورها في فترة معينة كانت تقوم بالدور الإرشادي الاجتماعي، غير أنها لا ترقى للمستوى الذي تحظى بها دور العبادة الأخرى، خصوصا وأن المسجد لا يجب أن يركز على الجانب المرتبط بالتدين فقط، إنما يجب إقحام الجانب الإنساني لأنه الجزء الأساسي في الدين.
عصيد: الدولة ترتكب المحظور في تدبير المساجد من جهته، قال الناشط الحقوقي أحمد عصيد، أن الطريقة التي تدبر بها الدولة اليوم دور العبادة، تعتبر طريقة شخصية، لأنها تحدد أوقاتا معينة لأداء الصلاة وبعدها تبادر إلى إغلاقها حيث ينصرف كل إلى حياته الخاصة، ومن ثم فهي لا تفتح المجال أمام القيام بالأنشطة التضامنية التي تنفتح على الجانب الاجتماعي وتقتصر فقط على المستوى الشخصي، موضحا أن الدولة تمنع وجود التمظهرات الأخرى التي يجب أن يحتضنها المسجد، غير "أن الخطأ يكمن في كون الدولة في حد ذاتها تقع في الخطأ الذي تعتبره محظورا وتوظف خطب الجمعة لخدمة لمجموعة من التوجهات السياسية". وأوضح الباحث أن الدولة تحرم التيارات الإسلامية لكنها نفسها لا تتورع في توظيف المساجد في الكثير من الحالات لأداء وظائف بعيدة كل البعد عن اختصاصاتها الأساسية، مشيرا إلى أن المساجد تنفق على نفسها وتعتمد على التبرعات، لكن هذا لا يمنع من وجود نوعا من الاهتمام الفلكلوري في زخرفة المساجد وتجهيزها، في الحين الذي يجب الاهتمام بالجانب التضامني، أما بخصوص الكنائس فقد أشار أن وظيفتها الأساسية هي المتمثلة في الانتقال من الوظيفة الدينية إلى مرحلة العلمنة والتي اقتضت التركيز على الجانب الخدماتي الذي يحرص على رعاية الجانب التضامني والاهتمام بانشغالات الأفراد وما يؤرق اهتماماتهم الأساسية.
الكنائس ترعى ما تهمله المساجد في السياق ذاته، أوضح عصيد أنه عندما تأسست العلمانية أصبحت للكنائس وظيفة أساسية، تتمثل في الوظيفة الخيرية، حيث توظف التبرعات في رعاية المعوزين كما تحرص على عملية الإيواء، وهو الأمر الذي يقول أنه يكاد ينتفي في المساجد لأنها لا تركز على الجانب التضامني بل تقتصر فقط على ما هو رسمي متمثل في الطقوس الدينية الرسمية.
"الفقيه مجرد موظف لدى وزارة الأوقاف" وأكد عصيد أنه لا يمكن الحديث عن المساجد بالمغرب، دون الحديث عن الدور الذي يضطلع به رجل الدين، معتبرا أن التحولات الاجتماعية والتطور نحو الدولة الحديثة جعل دور الفقيه يتقلص، ليصبح مجرد موظف لدى وزارة الأوقاف يتقاضى أجرا معينا، وترسم له الدولة حدود العمل، الأمر الذي يحتم عليه عدم التدخل في السياسات العامة التي تحكم توجهات الدولة، خصوصا وأن الأفراد يلجؤون للفقيه بهدف معرفة الحكم الشرعي من بعض الأحداث والأمور التي تعترض حياتهم اليومية، موضحا أن الأمر لا يخص الفقيه أو رجل الدين فقط، إنما يشمل، أيضا، مرشدات دينيات يعكفن على نشر مجموعة من الأفكار التي لا تخدم المجال الديني.
الإسلام السياسي سيد الموقف… والوظيفة التضامنية فقيدة المساجد وقال الناشط الحقوقي حسن كوجوط، في تصريح خاص لموقع "الدار"، إن الهدف الأساسي الذي يتحتم على دور العبادة القيام به بما فيها المساجد هو الجانب التضامني، باعتبار أن الدين لا يقتصر على أداء الطقوس التعبدية الرسمية، إنما يجب أن ينفتح على البعد الإنساني، الذي لا يقتصر على الجانب الشخصي فقط إنما من المفترض أن ينفتح على الشأن العام للأفراد داخل المجتمع، معتبرا أن المسجد في السابق كان يركز على هذا الجانب، بينما الظرفية الحالية تشهد انحدارا قويا لهكذا مبادرات، وفي مقابل ذلك يؤكد أن الجانب الحاضر وبقوة حاليا هو الجانب الربحي الذي ينطلق أساسا من الإسلام السياسي الذي يخدم من خلاله الدعاة مصالحهم السياسوية الخاصة التي تعكس انشغالاتهم.