الدين عنصر أساسي وحيوي في المجتمعات البشرية، والإسلامية جزء مهم منها. والدين يتعلق بمعتقدات الشعوب وقيمها ووجودها التي تستند عليها وتحدد سلوكها وتصرفاتها في كثير من مجالات حياتها وتطبيق ما يسمى العلمانية في المجتمعات التي تدعي فصل الدين عن السياسة إنما هو ادعاء غير صحيح ولا وجود له في الواقع، لأن الدين والقيم النابعة منه متغلغلة في حياة الشعوب وفي قوانينها وأعرافها وسياساتها ومن هذه القيم حرية المعتقد ومنع التمييز في الوظائف وفي تعامل السلطات مع المواطنين وبينهم من منطلق ديني ، بل إن القوانين في تلك البلدان المعروفة بالعلمانية تلزم حتى الشركات الخصوصية في حالة توظيفها أصحاب ديانة معينة أن تستجيب لمطالب تأدية طقوسهم الدينية واحترامها، وهي مجبرة بالقانون أن تلبي تلك المطالب وخير مثال على ذلك الحكم الصادر هذه الأيام من المحكمة العليا الأمريكية ضد الشركة التي رفضت توظيف محجبة على أساس أن حجابها يعكس تدينها، الأمر الذي ينبغى للشركة أن تحترمه لأنه تعبير لقيمها الدينية وأدينت الشركة بالقانون لرفض توظيفها أليس الدين مرتبط هنا بالقانون الوضعي في البلد العلماني؟ إن العلمانية التي بادر بها عصر الأنوار في الفكر الأوروبي والدعوة إلى استعمال العقلانية وإبعاد الإكليريوس واللاهوت عن السياسة وقيادة المجتمعات والتحكم في تصرفاته لا تنفي الدين ولا أهميته. ولقد كانت نخبة من المفكرين قد قدمت نظريات ترى من تدخل رجال الدين في أمور البشر صغيرها وكبيرها ضررا للتقدم ومصيبة لابد من الوقوف ضدها علاوة على أن هذه النخبة ‘المتنورة لديها الاعتقاد بأن زمن سيطرة القيم والعقلية الدينية المتحجرة قد ولى وأن تقدم البشرية رهبن باعتماد العلم والمنهجية العلمية المبنية على العقلانية ورفض كل ما لا يمكن إثباته علميا في الواقع الملموس بحيث أن ما وراء الطبيعة من الروح وغيرها من المعتقدات والخوارق والمعجزات والغيبيات تستعصي على الباحثين تبريرها وإثباتها وكثر فيها الجدال وتسببت في اختلافات عميقة وفي حروب مدمرة. على أن هذا لا يمنع عندهم إخضاع هذه القيم للدراسة والتحليل نظرا لأهميتها في فهم تصرفات وسلوك الناس في المجتمع. نشأت مدارس فكر في الغرب وظهرت نظريات في العلوم الإنسانية مثل علم الاجتماع وكان من بين رواد هذه العلوم إميل دورخايم وكارل ماركس وماكس فيبر وغيرهم ممن رأوا أن تطور البشرية ومجتمعاتها قد مر بمراحل ودخل في المرحلة العلمية الحتمية وأصبحت عندهم مرحلة سيطرة المعتقدات الدينية على الشأن العام من مخلفات الماضي التي لا بد للمجتمعات البشرية التي ما تزال منغمسة فيها أن تخرج منها لا محالة للالتحاق بالمدنية الحديثة المبنية على العلم والعقلانية الإيجابية والتي يرون فيها خلاص البشرية من الجهل والتخلف والاستغلال وذلك من أجل سعادة الإنسان ورفاهيته وهي أصلا حتمية في نظرهم. سنت القوانين وانتشرت المعرفة العلمية وظهرت الثورة الصناعية وخضعت المعتقدات للدراسات العلمية وظهرت الأفكار الالحادية وأنكر من أنكر المعرفة الدينية برمتها وتسامح من تسامح وهمش البعض الفكر الديني وأصبح عند البعض مسألة شخصية وإيمانا روحيا يخص الشعور الداخلي لكل فرد لا يثبته العلم الحديث ولا يمكن أن ينفي تأثيره على سلوك الأفراد والمجتمعات مع الحرية التامة في التعبير عنه بطقوس وممارسات تضمن القوانين الوضعية والدينية التعبير عنها وحرية تمويلها وتنظيمها من قبل منتحليها إلى درجة اعفاءها من تأدية الضرائب على أنشطتها ومداخيلها. وبالرغم من كل هذا، والصراعات المريرة والتجاوزات التي عانى منها الكثير، فالفكر الديني في تلك المجتمعات لم ينقطع بل ازدهر وانتشر حتى أصبح فيه رجال الدين والمؤسسات الدينية تملك من المقومات المادية والإعلامية ما مكنها من التأثير البالغ، بطرق مباشرة وغير مباشرة في السياسة و في حياة مجتمعات تواجدها سواء على صعيد الأفراد أم على صعيد المنظمات السياسية التي تتقرب إليها للاستفادة من تعبئة الجماهير لتزكيتها في الفوز بالتربع على مقاليد الحكم وتولي السلطة التي تعد بعدم المساس بمصالحهما وتحقيق مآربهما في استمرار المحافظة على تأثيرها وشملها بالرعاية اللازمة لوجودها. الدولار الأمريكي يجسد دور القيم الدينية والإيمان بالله في الكتابة الموجودة عليه إلى يومنا هذا: "نثق في الله" هي العبارة التي يراها كل المتعاملين بالعملة في جميع أنحاء العالم. ولم يذكر الدين في دستورها. الكنائس ودور العبادة والمدارس الديني منتشرة في كل هذه المجتمعات، بل إن معظم الجامعات الخاصة في الولاياتالمتحدةالأمريكية،مثلا، قد أنشأت من قبل رجال الدين : المسيحية واليهودية، وتوجد في كثير منها كليات اللاهوت يتخرج منها القساوسة والأحبار والرهبان وهو البلد العلماني على الإطلاق بحيث لم يرد كما مر أعلاه في دستورها الأساسي أي ذكر للدين حتى نص التعديل الأول لاحقا على ان: "لا يصدر الكونغرس أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان أو يمنع حرية ممارسته، أو يحد من حرية الكلام أو الصحافة، أو من حق الناس في الاجتماع سلمياً، وفي مطالبة الحكومة بإنصافهم من الإجحاف." أمثلة البلدان والمجتمعات التي يعتقد الكثير أنها علمانية ولا دينية، مثل فرنسا وغيرها كثيرة، غير أن الدين وقيمه ما زال لها تأثير بالغ في جميع مرافق حياتها بالرغم من القوانين الوضعية التي تحكمها وإجراءات تدبير شئونها من قبل ساسة تلك المجتمعات ورجال الدين فهيا. والحزب الحاكم في ألمانيا حزب مسيحي، ودور المسيحيين واليهود في المجتمع الأمريكي لا يمكن لأي سياسي تجاهله والتقرب منهم لكسب تعاطفهم، بل ولتلبية بعض مطالبهم المنبثقة من قيمهم التوراتية. ملكة المملكة المتحدة هي رئيسة الكنيسة الأنجليكانية ولا يوجد في العالم كيان سياسي منفصل تمام الانفصال عن قيم شعوبها، لأن القيم جزء لا يتجزأ عنها. أمام هذا الوضع بدأ كثير من المفكرين في طرح تساؤلات حول معنى العلمانية وتداعياتها ويشككون من صحة ما هذب ويذهب إليه البعض ويتخيله من فصل الدين عن الدولة الأمر الذي لا يطابق أصلا الواقع الذي يلاحظ وتعيشه تلك المجتمعات التي يدعي البعض أنها علمانية. وبالإمكان استحضار ما يجري في اسرائيل الدولة التي قامت على الايدولوجيا الصهيونية التي يعرف الجميع بأنها لا دينة في طبيعتها السياسية لكن أهمية دور المنظمات والحركات الدينية ورجال الدين لا ينكره إلا جاهل بمجريات الأمور في الكيان الصهيوني، فلا هو ديني محض ولا هو علماني محض. أما بالنسبة للإسلام، فلقد قلت مرارا بأن الإسلام دين جماعي ومفتوح للتدبير من قبل كل المسلمين ولا وجود فيه لمكان البابا بالعمامة وبدونها مع وجود منظمات عالمية وإقليمية وحركات تسعى إلى احتكار المعرفة الدينية وتطبيق مفهومها بل وإجبار كل المسلمين على اتباع ذلك المفهوم وإن اقتضت الظروف إرغام الجميع بقوة السلاح، وما داعش عنا ببعيدة. ويتناسى بل يتجاهل الكثير من الناس أن العالم كما نعرفه اليوم يتكون من دول وكيانات سياسية مستقلة تدير جميع شئونها الداخلية وجميع مرافق حياة شعوبها تحت مظلة قوانينها وأعرافها والقوانين الدولية ويعترف لها بالسيادة الكاملة في ذلك على أرضها. لا أحد ينكر،طبعا، المآسي والويلات التي قاستها البشرية باسم الدين وتسلط رجاله على رقاب العباد وتدخلهم في كل كبيرة وصغيرة بادعاءاتهم القدسية والاتصال المباشر والتفويض الإلهي، ويدرك من له قسط من التعليم أن البشرية تألمت كثيرا وخاضت صراعات وحروبا ومآسي وقدمت تضحيات جليلة عبر تاريخها المديد على هذه البسيطة، لكن أيضا تقدمت العلوم والمعارف وتنورت العقول إلى حد ما،وهي ما تزال مستمرة في التطور والتنوير فوصل الواقع إلى ما هو عليه اليوم من التنظيمات الاجتماعية للشعوب المختلفة التي تشترك في الحياة على الأرض كدول تنعم بالاستقلال. يشهد الواقع الحالي بوجود دول مستقلة داخل كيانات سياسية يعترف بعضها ببعض تصبو إلى تحقيق أماني وأحلام شعوبها في سعادة الإنسانية وتآخيها وضمان عيشة كريمة كما أدت الظروف التاريخية الحديثة (لا يسع المجال لشرحها) إلى إنشاء منظمة الأممالمتحدة كمظلة عالمية للسهر على السلم والتعاون بين هذه الكيانات كما تم إقرار مجموعة من الاعترافات والمبادئ تخص كل واحد من البشر تمثلت في منظومة ما يعرف بحقوق الإنسان الكونية. على أن كل كيان يضل مستقلا ويملك السيادة في تدبير شئونه الداخلية وتنظيم علاقاته مع الكيانات الأخرى على ضوء القوانين والأعراف في التعامل المتعارف عليه بين الشعوب. ونتيجة لترابط الدول، مع استقلالها في تدبير شئونها الداخلية، أخذت مسالة الدين طابعا جديدا إذ اختص بها كل كيان وبقيت شأنا داخليا بين أفراد وجماعات الكيانات البشرية، بحيث أخذت كل دولة مسئولية تدبيره باستقلال تام عن بقية الدول، فمنها من قامت الشرعية السياسية على مفهومه من قبل أهلها ومنها من يدبره كنشاط فردي أو جماعي، لكن رعاية الدولة بالمفهوم السياسي الحديث، تضل هي القاعدة وسلطتها هي القاهرة. الدولة الفرنسية تتدخل في الشأن الديني باستمرار، تمنع الحجاب "الإسلامي"، تسمح وتشرف على المدارس الدينية وتحرسها من باب حرية الإديان، تتدخل في شئون المساجد وهي في طور ارسال بعض أئمتها إلى المغرب قصد التكوين وهذا وغيره شأن ديني من بلد العلمانية. وقد منعت سويسرا بناء المآذن وتدخلت ما يسمى الدول العلمانية في منع رفع الأذان عبر مكبرات الصوت وذبح الأضاحي في الأزقة والأماكن العامة ومنعت سلطات مدينة نيويورك السماح ببناء مجمع ثقافي إسلامي كبير بالقرب من مكان البرجين التوأمين في المركز التجاري العالمي اللذين تم تدميرهما في أحداث سبتمبر 2001 ، ولا ينكر أحد الحرية الدينية إلا أنها تخضع لعوامل سياسية وضغوطات اجتماعية وسمح في الأخير ببناء مسجد كمكان عبادة للمسلمين بالقرب من المركز. والأمثلة كثيرة في تدخل سلطة الدول وتشابك الشأن الديني والسياسي والاقتصادي مما تثبت ويبين عدم صحة فصل الدين عن الدولة في الدول التي تنعت بالعلمانية، والجمهورية التركية مثال حي في نفوذ الدين الإسلامي وتغلغله في دولتها العلمانية. وتبقى دعوة العلمانيين من المسلمين إلى فصل الدين عن السياسة حلما في اليقظة. وبالرغم من كل هذه الأمثلة، فإن البعض ما زال يعتقد ويقدم مبررات بأن العلمانية هي الحل لأنها كما قال الأستاذ عبد الكريم القمش على ‘هسبريس' "ليست ضد الدين بالمطلق بل هي تحاول إعادته إلى مكانته القدسية الطبيعية وعدم تدنيسه بأهواء السياسيين وأوساخ السياسة التي يمكن تعريفها (بحق) بكونها "فن تدبير المصلحة" (وليس الممكن) " وأتوا أخيرا بآراء الخبراء من الخارج لإثبات ودعم نظرياتهم هذه، وكمثال: تلك التي وصفوها بالباحثة في قضايا العالم الإسلامي، جاكلين شابي التي اقترحت في حوار مع جريدة لوفيجاروا الذي نقلته "هسبريس" أيضا، "أن الحلّ الوحيد للخروج من دوامة العنف التي يتخبط فيها العالم الإسلامي حاليًا، هو أنسنة الإسلام كخطوة أولى، وبعدها إقناع المسلمين بالعلمانية." ويتساءل المرء عن معنى الإنسانية عندهم وبعد ذلك معنى العلمانية التي لا وجود لها عندهم. ويتجاهلون بأن الإسلام إذا كانت فيه الإنسانية ناقصة مثل ما يدعون، فألإسلام ليس دينا جديدا بل هو نفس الوحي إلى كل أنبياءهم الذين يومن بهم المسلمون، وما محمد إلا مذكر "إن هذا في الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى". وما تقوم به ‘داعش'(الجميع يستنكر أعمالها الةحشية) من الأعمال الوحشية لا يقارن بما تقوم به فرنسا وبرطانيا وأمريكا وإسرائيل وكل الدول التي تعتبر نفسها علمانية ومتقدمة من العبث والفساد في الأرض من القتل والإبادة والدمار وبالملايين(60 مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية) أهذه الإنسانية التي قد تقود إلى العلمانية، وما أدراك ما العلمانية؟ أما بالنسبة للمغرب الغالي والغني، فأعيد القول بان الواقع الذي لا يمكن تجاهله ولا إنكاره ،هو أن المغرب دولة إسلامية يرأسها أمير المؤمنين يحكمها دستور صوت عليه من المغاربة من شارك في التصويت ويعتبر فيها أمير المؤمنين ، بالقانون، حامي الملة والدين الذي يخضع لتنظيم وتدبير تقوم به أجهزة متخصصة ومعقدة وضعت الدولة، بالقانون الوضعي المنبثق من قيم المجتمع، إمكانيات هائلة عبر العصور للاعتناء بشأن يخص جميع المغاربة تقريبا بشتى أطيافهم لأنه يجسد تاريخهم وتراثهم الفكري والحضاري، ولا يمنع أي قانون وضعي أو سماوي تدبير هذا الشأن من قبل المغاربة ولا ينتظرون من أحد أن يتدخل في إفتائهم عن كيفية تدبيره كما أن المغاربة، على العموم، يدركون أحوال الدول الأخرى ومجريات الأمور فيها ومنها الدينية. ومن المنطق والتعقل وضع الأمور في نصابها ودراسة الواقع الذي يقود إلى النتيجة الحتمية بعدم واستحالة تطبيق ما يسمى بالعلمانية التي هي أصلا لا وجود لها في المجتمعات التي تنتشر فيها الديانات السماوية، مع أنني لا أرى إلا دينا سماويا واحدا، دين الأنبياء والرسل منذ الأزل. وهذه قناعة لم يملها علي أحد بل الواقع والتاريخ المغربي يثبت ذلك. معظم المغاربة مسلمين ولا يتخيلون عير ذلك من الدعاوي الدينية، الدولة اسلامية والشعب مسلم، ويستحيل اتباع ما قد يفهمه البعض من الذين يأخذون أمثلتهم من فرنسا ومن الدول والكتابات التي تدعي فصل الدين عن الدولة في المجتمعات التي ينعتونها بالديمقراطية مع أن الدين ونظام الكنائس وأفكار رجال الدين فيها تؤثر في السياسة إلى درجات كبيرة في بعض الأحيان نظرا لجهود الناشطين في الحقل الديني والسياسي والمكاسب الدنيوية وشبه حرية المعتقد التي يتباهون بها فيها وبالرغم من ضمان هذه الحرية في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان. فما هي العلمانية وما أدراك ما هي في الكيان المغربي الذي تستوطنه أغلبية المتدينين؟ مع العلم أنه أيضا يسعى لبناء نظام ديمقراطي حديث من وحي أبنائه وبناته وتصورهم. ويجهل كثير من الناس أن ما يسمى بالعلمانية ما هو إلا تصور فكري وليس بنظام سياسي وأسلوب تدبير الشأن العام مثل الديمقراطية التي يخضع لها أيضا الشأن الديني مثل ما تخضع له كل الشئون في المجتمع التي يتم فيها اتخاذ القرارات من قبل المجتمع عن طريق ممثليه الشرعيين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والسياسية. بعض رجال الدين قد يصعب عليهم أن يدركوا بأن الناس سئموا الاستبداد الفكري و خطابات الذين يريدون أكل الدنيا بالدين وينكرن على غيرهم قدراتهم العقلية وتكويناتهم العلمي الاكاديمية بل إن لقب العلماء إنما يرونه في أنفسهم واختصوا به واحتكروه في المجتمعات الإسلامية. ولا غرو أن الديمقراطية ليست عندهم في شيء وأنها من الخزعبلات التي يلهينا بها الغرب والذين يدعون إلى فكرة العلمانية قصد ابعادهم عن الفتاوي واحتكار الأمور الدينية واتباع آرائهم وفهمهم لمقاصدها. ولقد تأتي الأمثلة من فشل ممارستها(الديمقراطية) في البلدان التي تدعي الديمقراطية وينسون أن النظام الديمقراطي ليس نظاما مثاليا أبدا وليس يتطوبيا جاهزة وقابلة للتطبيق بل إنه مبدأ في الحكم غير كامل وإنساني يخدمه البشر ويطورونه للحد من الظلم فيما بينهم ولتنظيم شئونهم المعاشية ومراقبة تصرفات حكامهم والحد من تجاوزات بعضهم للبعض. ويجب أن يعلم كل من ينتقد النظام الديمقراطي أن كل الانظمة المتقدمة والمعروفة بالأنظمة الديمقراطية تواجه أيضا معضلات الحكم وتدبير الشأن العام، لكنها لا تلجأ إلى البابا ولا القديس أغوستين(مازيغي) وغيره للبحث عن أحكام لإنقاذها من هفوات السياسة ومطباتها، لأنها في الغالب تتوجه إلى حكمة ممثليها الشرعيين والذين يحيلون بدورهم إشكاليات همومهم وغموض تصوراتهم إلى الباحثين والعلماء المتخصصين في تلك القضايا والمتواجدين في المراكز العلمية والجامعات المجهزة والممولة بخيرات المجتمع ومن قبل الذين يقدرون البحث العلمي ذوي العقول النيرة وقلوب إنسانية. إن علماء السياسة لا يجهلون قصور الديمقراطية وسلبياتها فهي عند الإغريق لم تنصف كل المواطنين: فلا النساء ولا العبيد ولا الفلاحين لم يتمتعوا بأدنى الحقوق التي يحظى بها اليوم أبسط المواطنين حتى في السعودية مثلا. لكن مسيري هذه الأنظمة لا يلجئون إلى تصورات من سبقهم ويعتبرونها الحقيقة المطلقة التي يجب اتباعها في تسيير شئونهم التي تختلف عن شئون من قبلهم بل ينتقدونها ويخضعونها للمنهجية العلمية على ضوء المعارف والعلوم الحديثة التي يتوصل إليها علمائهم ومفكروهم في المعاهد والمراكز والجامعات التي تعج بالباحثين والمفكرين من الطراز العالي. العلمانية وما أدراك ما العلمانية؟ إنها لو تعلمون فكرة لا وجود لها، الدين شأن اجتماعي يخضع لسياسة البشر ولا ينفصل عنها غير أن احتكاره ليس خاصا بفئة مميزة غير أخرى من مكونات المجتمع. ولكل هذه الأسباب دعوت لوضع حدا للمتطفلين على الدين، كما دعوت إلى إلغاء الأحزاب الإسلامية والتي تدعي أن مرجعيتها إسلامية كأن المسلمين في المجتمعات الإسلامية ليست الديانة الإسلامية مرجعيتهم. وكون العلمانية، كما تقدم، مستحيلة التطبيق فإن هذا لا يعني شرعية سيطرة وانفراد الفقهاء والملالي بتدبير سياسة مجتمعات المسلمين لأن الشأن الديني وكل شئون المجتمع تعتبر من خصوصيات كل المواطنين والمواطنات يتشاركون في المسئوليات والواجبات فيها ويتعاونون عليها في ظل العدالة والمساواة والاحترام وحب الخير لبعضهم البعض وللبشرية جمعاء كخلفاء الله في الأرض وأكرر بأن الحل عندي يبدأ بالثورة العلمية في التعليم وفي اللغات التي هي آية من آيات الله العظمى. مع فائق الاحترام لكل من يسعى بإخلاص لإنقاذ البشرية من الجهل والفقر والظلم. الدكتور عبد الغاني بوشوار باحث وأستاذ العلوم الاجتماعية-اكادير، المغرب الآمن.