أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد ناصر بوريطة، أمس الأربعاء بالرباط، أن المغرب يمتلك رؤية واضحة تجاه مستقبل القارة الإفريقية. وأبرز السيد بوريطة، في كلمة بمناسبة حفل "يوم إفريقيا"، الذي احتضنته المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، أن هذه الرؤية أرسى معالمها صاحب الجلالة الملك محمد السادس على ضوء التحولات الجيو-استراتيجية التي تشهدها القارة والتي تفرض عملا دؤوبا على المستويين الثنائي والقاري، مشددا على أنه يتم تنفيذ هذه الرؤية الملكية من خلال دبلوماسية مبادرة واستباقية وجريئة، الى جانب جهود متعددة الأبعاد تتجاوز الجانب الدبلوماسي لتشمل كل القوى الحية، العامة والمدنية والخاصة. وأشار الوزير، في هذا الصدد، إلى أن "الزيارات الملكية لبلدان القارة الإفريقية شكلت المرجعية الأساسية لهذه السياسة القارية للمملكة، والتي لم تكن اعتباطية بل كانت خيارا استراتيجيا ونابعا من القلب". وأبرز أن المحاور المهيكلة للسياسة الإفريقية للمغرب تبلورت على أساس ثلاثة خطب ملكية من ثلاث عواصم إفريقية كبرى، ويتعلق الأمر بكل من أبيدجان في 24 فبراير 2014، ودكار في 16 نونبر 2016، وأديس أبابا في 31 يناير 2017، مشيرا إلى أن هذه السياسة تقوم على التفاؤل والثقة في إمكانيات القارة، والشراكة المتكافئة، والتضامن الفعال، وخلق القيمة، ومركزية البعد الإنساني. وتابع السيد بوريطة أن هذا البعد الإنساني يتعزز من خلال العلاقات التي تنسجها الجاليات الإفريقية المتواجدة بالمغرب، والمغاربة المقيمين بمختلف البلدان الإفريقية الشقيقة، باعتبارها قوى ضامنة للتقارب والتلاحم داخل الأسرة الإفريقية. من جهة أخرى، أكد الوزير على أن القارة الإفريقية تواجه تحديات متسارعة لا يمكن الصمود أمامها سوى بالاعتماد على التضامن والقدرات الجماعية لبلدان القارة، مشيرا إلى أن موضوع يوم إفريقيا الذي يحتفل به هذه السنة تحت شعار "تعزيز القدرة على الصمود فيما يتعلق بالتغذية والأمن الغذائي بالقارة الإفريقية" يبرز هذه الحقيقة. ونوه في هذا السياق إلى أن الأمن الغذائي يعد أحد المجالات التي يتجلى من خلالها التضامن المغربي تجاه القارة، مشيرا إلى إبرام المملكة أزيد من 38 اتفاقية تهم المجال الفلاحي مع 18 دولة إفريقية، وإطلاق المغرب لمبادرة تأقلم الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية (Triple A)، وانخراط مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في تطوير وحدات لإنتاج الأسمدة في كل من إثيوبيا وغانا ونيجيريا وزامبيا ورواندا والغابون، علاوة على برامج تكوين لفائدة الفلاحين. وخلص إلى أنه يتعين على القارة الافريقية الاستثمار الفعال للفرص الهائلة التي تمتلكها، وذلك من أجل الاستجابة لتطلعات دولها وشعوبها، مؤكدا على الحاجة إلى انبثاق "إفريقيا جديدة" وقوية ومبادرة ومصممة على الدفاع عن مصالحها. من جهته، ذكر سفير الكاميرون وعميد السلك الدبلوماسي في المغرب، السيد محمدو يوسيفو، أن الاحتفال بيوم إفريقيا يعد مناسبة للتأكيد على القدرة الفردية والجماعية لبلدان القارة على بناء "إفريقيا" التي حلم بها الآباء المؤسسون، وللتأمل في المشوار الذي قطعته بلدان القارة والتحديات التي تغلبت عليها وتلك التي فشلت في تجاوزها منذ استقلالها. ودعا إلى مواجهة التحديات العديدة التي تواجهها القارة في محيط عالمي متغير باستمرار، والتي تتعلق بالسلم والاستقرار والأمن والوحدة والإدماج الاقتصادي للقارة، فضلا عن التحديات الجديدة المتعلقة بتحقيق الأمن الغذائي، لاسيما بعد جائحة كوفيد-19، والحرب في أوكرانيا، لهذا، يضيف السفير، اختار الاتحاد الإفريقي شعار "تعزيز القدرة على الصمود فيما يتعلق بالتغذية والأمن الغذائي بالقارة الإفريقية" للاحتفال بيوم إفريقيا لهذه السنة. وفي هذا الصدد، شدد عميد السلك الديبلوماسي على ضرورة التفكير والالتزام الجماعي لدول إفريقيا بإيجاد السبل والآليات الكفيلة بمواجهة تهديد انعدام الأمن الغذائي الذي تواجهه القارة، مشيرا الى الأهمية التي يكتسيها تعزيز أنظمة الزراعة الغذائية والصحة والحماية الاجتماعية من أجل تسريع وتيرة التنمية البشرية والاقتصادية. من جانبه، قال مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، السيد محمد الفران، إن المغرب شكل عبر تاريخه نموذجا حيا للمحبة والإخاء، والتعايش بين الثقافات والأعراق واللغات، مضيفا أن المملكة كانت ولا تزال الوجهة المثلى لاحتضان التعدد والتنوع والإرث المشترك بفضل قيم الاعتدال والوسطية التي مكنته من الاضطلاع بدور محوري في حل جل القضايا القارية. وأشار في هذا الصدد إلى أن زيارات جلالة الملك إلى مختلف بلدان القارة أعطت دينامية جديدة وزخما قويا لأواصر علاقات الود والتعاون مع الأشقاء بالقارة الإفريقية، معتبرا أن عودة المملكة إلى حظيرة الاتحاد الإفريقي تمثل عودة إلى حضن الانتماء واستشراف المستقبل، مع الانفتاح على الفضاءات الأخرى كالفضاء الأوروبي والمتوسطي والعربي- الإسلامي. وأبرز السيد الفران أن الرؤية الملكية الشاملة تجاه القارة الإفريقية تلقي بظلاها على كل المجالات وتؤسس لفهم جديد للمسألة الثقافية، حيث تعتبر صيانة الهوية والموروث الثقافي المادي واللامادي للشعوب من أهم أركان التعاون الثقافي الثنائي ومتعدد الأطراف، مشيرا إلى أن البعد الثقافي يحضر أكثر من أي وقت مضى في استراتيجية وتوجهات المكتبة الوطنية للمملكة المغربية التي تسعى باستمرار إلى التعريف بالثراث الثقافي الإفريقي عبر تنظيم ملتقيات ومنتتديات فنية وثقافية تحتضن مبدعين من القارة. حضر "يوم إفريقيا"، الذي عرف تنظيم عروض فلكلورية قدمها طلبة أفارقة مقيمون بالمغرب، وحفل تذوق أطباق من الطبخ الإفريقي، عدد من رؤساء الوفود المشاركة في أشغال الاجتماع الوزاري الأول للدول الإفريقية الأطلسية، علاوة على ممثلي عدد من البعثات الدبلوماسية المعتمدة بالرباط. المصدر: الدار-وم ع