لم يعد مجلس التعاون الخليجي بالنسبة للمغرب مجرد شريك يعبر عن علاقات التاريخ والجوار والثقافة فقط، لقد أصبح اليوم أكثر من أي وقت مضى شريكا استراتيجيا وسندا دبلوماسيا وسياسيا في مجال الترافع عن مغربية الصحراء ووحدتنا الترابية. هذا ما لمسناه مجددا عقب اجتماع المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج الذي انعقد يوم الثلاثاء بالرياض. فقد البيان الختامي للقمة الخليجية مواقف مجلس التعاون وقراراته الثابتة الداعمة لمغربية الصحراء والحفاظ على أمن واستقرار المملكة المغربية ووحدة أراضيها. وأشاد البيان الختامي للقمة، الذي تلاه نايف بن فلاح الحجرف الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، بقرار مجلس الأمن رقم 2602 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 2021 بشأن الصحراء المغربية. كما أكد المجلس الأعلى على أهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة المغربية وتنفيذ خطة العمل المشتركة. هذا الوقوف عند العلاقة بين المغرب وبين دول مجلس التعاون الخليجي والحرص باستمرار في شتى المناسبات على دعم الوحدة الترابية للمغرب يؤكد أن بلادنا عززت موقفها الدبلوماسي الدولي في السنوات الأخيرة بشركاء أقوياء وفاعلين دوليا وإقليميا مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. لقد أصبح الموقف الخليجي من قضية الصحراء المغربية ثابتا من ثوابت اللقاءات والمؤتمرات التي يعقدها الأشقاء الخليجيون لمناقشة القضايا العربية والإقليمية. فعلى الرغم من الانشغالات الاستراتيجية الكبيرة التي كانت تغطي على أشغال اللقاء الأخير بالرياض مثل الملف الإيراني والوضع الملتهب في بعض الدول العربية القريبة من الخليج كاليمن ولبنان إضافة إلى الملفات الأمنية الساخنة، إلا أن القادة الخليجيين الذين اجتمعوا خلال هذا اللقاء لم ينسوا أبدا أن يعبروا عن مساندتهم للمغرب في مواجهة كل المؤامرات التي تستهدف وحدته الترابية. وإذا كان هذا الموقف يعكس العلاقات التاريخية بين الطرفين إلا أنه أيضا جاء نتاجا للتحول الكبير الذي عرفه ملف الصحراء المغربية في السنتين المنصرمتين وبالضبط منذ اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه وافتتاح سلسلة من القنصليات والتمثيليات الدبلوماسية في الأٌقاليم الجنوبية كان من أهمها قنصلية دولة الإمارات العربية المتحدة. إن هذا الموقف يستحق أولا وقبل كل شيء الشكر للإخوة الخليجيين على إخلاصهم للموقف السياسي الذي تم بلورته وحرصهم الشديد والدائم على اعتبار المغرب جزء من منظمة التعاون الخليجي على الرغم من أنه لم يستجب في وقت سابق لطلب الانضمام كعضو رسمي بهذه المنظمة. إن ما عبرت عنه دول الخليج العربي رغم انشغالاتها الإقليمية الساخنة لا يمكن إلا أن يجد صدى طيبا ومهما في المغرب، وحتى في الأوساط الدولية بما تمتلكه دول الرياض وأبو ظبي والكويت والمنامة من علاقات دولية متشابكة مع مصالح العديد من الدول الكبرى، وبما يمكنها أن تعبئه من ضغوط وتأثير دبلوماسي وازن في مواقف العديد من القوى. لقد كان المغرب بدوره وفيا لعلاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي عندما قبل المشاركة في التحالف العربي وفي عاصفة الحزم، ولم يبخل يوما على دول الخليج بالدعم السياسي والعسكري عندما يتطلب الأمر ذلك. ومن هنا فإن ما تقدمه اليوم دول مجلس التعاون من دعم للقضية الوطنية ينسجم تماما مع طبيعة العلاقات المتينة التي تربط الطرفين. كما أن هذا الموقف يمثل بما لا يدع مجالا للشك بشارة خيرة لمستقبل هذه العلاقات القابلة للتطور نحو آفاق هائلة في المستقبل القريب. فانتعاش الاقتصادات الخليجية وعلى رأسها الاقتصاد السعودي وانفتاح المغرب على الاستثمارات الخليجية خصوصا في الأقاليم الجنوبية يؤكد أن ما هو آت في مجال العلاقات بين الطرفين سيكون بالضرورة أفضل بكثير مما مضى. وفي ظل نكران الجيران لجميل المغرب التاريخي فإن جوار الشرقي الحقيقي أصبح اليوم على بعد آلاف الكيلومترات هناك في ضفاف الخليج والمحيط الهندي.