تحتاج كل حكومة جديدة في كل بقاع الدنيا إلى أجل زمني أولي لوضع أسس عملها وإرساء هياكلها وتثبيت مسارها السياسي والتنفيذي، من أجل الشروع في تنفيذ برامجها ومشاريعها ومخططاتها. وقد قدمت حكومة عزيز أخنوش في بداية الأسبوع تصريحات حكوميا تضمن برنامجا طموحا ومتطلعا للغاية حاول الاستجابة لمختلف انتظارات واحتياجات المغاربة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. كانت لحظة التصريح الحكومي لحظة ديمقراطية بامتياز عبرت فيها كل الأطراف بما في ذلك بعض الأصوات المتبقية في المعارضة عن اعتراضها على بعض النقاط أو تأييدها لأخرى. لكن هذا التمرين الديمقراطي لا يمثل سوى بداية الاختبار الحقيقي لهذه الحكومة. لكن ما يميز الجهاز الحكومي الحالي أنه جاء في سياق وطني مختلف وحساس، نحن نعيش في المغرب فترة غير مسبوقة تحت ضغط العديد من المؤامرات الخارجية من بعض الأصدقاء والأشقاء معا، ونواجه منذ أكثر من عام موجة من الضغوطات الدبلوماسية من دول أوربية وأخرى في الجوار في محاولة بائسة لابتزازنا وإفشال مشروع وحدتنا الترابية. هذا هو الوضع الإقليمي الذي يعيشه المغرب وبتحدي منذ فترة طويلة. أما داخليا فقد تزامن انتخاب هذه الحكومة وتشكيلها مع إطلاق العديد من الأوراش والبرامج الكبرى، كان من أهمها الإعلان عن تفاصيل النموذج التنموي الجديد ومشروع تعميم الحماية الاجتماعية وقبل كل هذا مواجهة شرسة مع ظرفية وبائية غير مسبوقة بسبب جائحة فيروس كورونا. ما الذي ننتظره إذن من حكومة تبدأ عملها في مثل هذه الظروف الصعبة؟ وما الذي تنتظره منا الحكومة أيضًا في مثل هذه الظرفية؟ إن آخر شيء تحتاجه منا هذه الحكومة هو الدخول في المهاترات السياسوية الهادفة إلى المعارضة من أجل المعارضة فقط. لا بد أن نلاحظ أن نغمة التراشق الكلامي والحروب النفسية قد خفتت تماما منذ إعلان نتائج اقتراع 8 شتنبر. لقد تعودنا خلال الولاية السابقة والتي قبلها على رئيس الحكومة ووزرائه وهم يدخلون في صراعات كلامية لا جدوى من ورائها، وتبادل للاتهامات بشكل مجاني، وأحيانا الوصول إلى مستويات متدنية من السباب والشتم. أولى حسنات هذه الحكومة أنها على ما يبدو تريد القطع مع هذه الثقافة التواصلية السيئة السمعة. فما ينتظره المواطن أكبر بكثير من الحسابات الحزبية الضيقة. وإلى جانب نبذ هذا التراشق والتنابز العقيم، تنتظر الحكومة من الأحزاب السياسية الأخرى أن تمارس نقدا منصفا وبناء. من حق أحزاب المعارضة أن تنتقد وتعاتب الحكومة، لكن من الإنصاف أن يكون هذا النقد في صميم المنطق والمعقول، خصوصا أن جل الأحزاب التي تنتمي اليوم إلى الصف المعارض كانت إلى حدود الأمس مشاركة في الائتلاف الحكومي السابق وعلى رأسها أحزاب العدالة والتنمية والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي. كما أن هذا النقد يجب أن يخرج من دائرة الشخصنة التي طبعت المرحلة السابقة قبل الانتخابات وعبرت عنها بقوة الحملات التي كانت تنظم على شبكات التواصل الاجتماعي. لا يجب النظر إلى الحكومة الحالية باعتبارها عزيز أخنوش، ولا النظر إلى عزيز أخنوش باعتباره هو الحكومة، فالأغلبية قائمة على تحالف بين ثلاثة أحزاب لكل منها دوره وتصوره. ينبغي إذن الخروج من هذا الهوس المبالغ فيه في محاولة الربط بين نتائج العمل الحكومي ورئاسة الحكومة إلى أن تظهر الخلاصات بعد 100 يوم على الأقل. لكن الحكومة لا تنتظر هذا التفاعل الإيجابي مع عملها ومسارها فقط من أحزاب المعارضة البرلمانية. هناك أيضا هذا المجتمع المغربي التواق إلى التغيير، والذي صوت على الأحزاب المشكلة للحكومة من أجل الحصول عليه. لقد وعدت الحكومة ببرامج مدققة من حيث الجدول الزمني ومن حيث التمويل، وستفي بذلك. ولهذا فإن الذين ينتظرون أولى عثرات الحكومة ليحاولوا التقليل من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها لا يريدون الخير لهذا البلد، وإنما يبحثون فقط عن خلق أجواء الأزمات وحشد المناخ السياسي المتشنج، مثلما هو الحال بالنسبة لبعض الفئات الاجتماعية التي شرعت في إضرابات شاملة حتى قبل أن تعرف مصير ملفها ومقاربة الحكومة لمطالبها. إن الشارع المغربي يعي جيدا أنه أوكل الأمور في 8 شتنبر إلى من يستحقها، وهو يمتلك من التأني والتريث ما يكفي لانتظار الثمار التي لا شك أنها لا يمكن أن تقطف قبل أوانها.