يوما بعد يوم يتأكد للجزائريين والمغاربة بل ولكل دول المنطقة أن النظام الجزائري يفتقد كل ما يمت إلى صفة السلطة الراعية لمصالح شعبها ومستقبله، ويؤكد بممارساته الانتحارية أنه لا يعدو أن يكون تشكيلة من العسكريين العُصابيين الذين يتصرفون انطلاقا من ردود أفعال أكل عليها الدار وشرب مستمدة من قاموس بومدياني مهترئ ومتجاوز. وبسبب هذا "النيف" وذاك "الراس الخشين" تُقدم السلطة العسكرية في الجزائر من جديد على اتخاذ خطوة تكاد تكون انتحارية للاقتصاد الجزائري المختنق والمتأزم أصلا. فها هو ذا نظام العسكر يلوح على لسان وزير خارجيته أن الجزائر قد تتخلى عن أنبوب غاز المغرب العربي الذي يمر بالأراضي المغربية ليصل إلى الجنوب الإسباني. هذا الأنبوب الذي يعتبر قصة نجاح نادرة للتعاون بين المغرب والجزائر وإسبانيا يمثل حلا اقتصاديا عالي التنافسية للغاز الجزائري بالنظر إلى أنه يمكّن شركة "سوناطراك" المصدرة للغاز من الوفاء بالتزاماتها مع الزبناء الإسبان والبرتغاليين بالكميات المطلوبة وفي المواعيد المتفق عليها. وعلى الرغم من أن الجزائر تمتلك أنبوبا آخر، معروف ب"ميد غاز" يربطها مباشرة بالتراب الإسباني عبر البحر الأبيض المتوسط، إلا أنه من الصعب الاعتماد عليه وحده للوفاء بكل الالتزامات مع الحفاظ على تنافسية عالية من حيث الأسعار، مقابل الغاز الروسي على سبيل المثال. لكن في ظل قرار سياسي مرتهن للعقلية العسكرية فكل شيء ممكن. النظام الجزائري مستعد فقط في إطار إرضاء "الراس الخشين" والعناد والكيد للمغرب أن يضحي بمنشأة طاقية هائلة كالتي يمثلها أنبوب المغرب العربي، ويتخلى عن كل المكاسب التنافسية التي يحققها بالاعتماد عليه في التصدير. وهذا ليس جديدا بالنسبة لعسكر الجزائر، فقد سبق أن ضحوا بسنوات وعقود طويلة من التنمية والتطوير في إطار اتحاد المغرب العربي المُجهض فقط لأجل إثبات زعامة وهمية وفرض أطروحة انفصالية متجاوزة، وكسر هيبة المغرب ووحدته الترابية. ومن غباء هذه القرارات أن يعتقد الجنرالات أن توقيف الغاز الجزائري يمكن أن يشكل ورقة ضغط على المغرب يمكن من خلالها تحقيق الأحلام القديمة. ويروج إعلام العصابة العسكرية في هذا الإطار بعض الخرافات والنكات المضحكة عن اعتماد المغرب على الغاز الجزائري في إنتاج 89 في المائة من إنتاجه الكهربائي. نريد أن نخبر إخواننا في الجزائر بأن هذه الورقة ذابلة ولا أثر لها. لا داعي للتذكير هنا بالأرقام المهمة التي تحققها الطاقات المتجددة بالاعتماد على الشمس والرياح باعتبار المغرب بلدا رائدا في هذا المجال، ولا داعي للتصحيح لخبراء العسكر بأن غاز الجزائر لا يساهم في الكهرباء المنتجة في المغرب إلا بنسبة لا تتعدى 17 في المائة، من السهل الاستغناء عنها وتعويضها ببدائل حرارية أخرى. ولكن من الضروري أن نؤكد للعصابة العسكرية أن الدول التي تمتلك الشرعية التاريخية والقانونية تنظر أولا وقبل كل شيء إلى مصالح شعوبها ولا تتلاعب بمقدراتهم ومواردهم فقط لإرضاء نزوات هذا الجنرال أو ذاك، لا تضحي بتنافسية اقتصادية أساسية يعتمد عليها الاقتصاد الوطني عنادا فقط، ومحاولة للانتصار في معارك دونكيشوتية خاسرة. لكن من جانب جبهتنا المغربية الداخلية فإن أهم شيء ينبغي التأكيد عليه في هذا الإطار، وهو حتى إن كانت أوهام العصابة صحيحة وممكنة، فما الذي ستجديه أمام مغرب موحد ومتماسك بكافة مكوناته السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية؟ بل إننا نكاد نجزم أن إيقاف التزويد بالغاز الجزائري يكاد يكون فرصة جديدة للاقتصاد الوطني من أجل السير قدما في تطوير برامج النجاعة الطاقية والوصول في أقرب الآجال إلى الاستقلالية الطاقية الكاملة.