يبدو أن أعمدة النظام الجزائري بدأت تنهار تدريجياً مع توالي المشاكل الداخلية والصراعات حول السلطة في هذا البلد الجار؛ إذ بات أكبر دخل يقوم عليه الاقتصاد الوطني الجزائري مهدداً بعد الإعلان رسمياً عن وجود أزمة بين الجزائر وأوروبا بشأن تجديد عقود الغاز. وشرعت الجزائر قبل يومين في مفاوضات مع كل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا من أجل مراجعة عقود الغاز الطبيعي، غير أنه لم يقع أي اتفاق بين الطرفين؛ إذ وصفت الجزائر الشروط الأوروبية ب"التعجيزية"، ما دفع عددا من الأطراف إلى التهديد بفسخ الاتفاقية، خصوصا مع تقاطر دعاوى قضائية بالمحاكم الإيطالية ضد الجزائر بسبب اتهام شركة "سوناطراك" المملوكة للدولة بالتلاعب بعقود الصفقات عبر تقديم رشاوى لأطراف إيطالية. يُشار إلى أن الجزائر تعد من أكبر الممونين لأوروبا بالغاز الطبيعي؛ إذ تحتل المركز الثاني بعد روسيا، وترتبط مع القارة العجوز بثلاثة أنابيب غاز عابرة للقارات بعقود طويلة الأمد، من بينها أنبوبان يربطان الجزائر بإسبانيا، وهما "بيدرو دوان فاريل" و"ميدغاز"، وأنبوب ثالث يربط الجزائر بإيطاليا هو "أنريكو ماتي"، ما يضمن للأوروبيين 30% من احتياجاتهم الغازية من الجزائر منذ دخول الأنابيب حيز الخدمة. ومع قُرب انتهاء العقود في 2019، كشفت وسائل إعلام جزائرية عن وقوع أزمة بين القادة الجزائريين والأوروبيين، موردة أن "الجزائر أعربت عن رفضها للشروط الأوروبية ووصفتها "بالتعجيزية"، ودعت الأوروبيين إلى مراعاة مصالح الجزائر، وتحديد موقفها ما بين علاقات طويلة الأمد لضمان التوريد أو تحرير السوق، وقررت في المقابل دخول الأسواق الآسيوية، في خطوة رأى فيها المراقبون تحدياً للطرف الأوروبي، وورقة ضغط من الجزائر. ويتجلى الخلاف بين الجزائر وأوروبا حول الأسعار الجديدة للغاز؛ إذ يُصر الطرف الأوروبي على أسعار تنافسية وعقود قصيرة الأمد عوض العقود الحالية التي تنتهي ما بين 2019 و2021. ومنذ العام الماضي، تحولت عقود تصدير الغاز الجزائري نحو أوروبا إلى أزمة بين الجانبين. الموساوي العجلاوي، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة محمد الخامس بالرباط باحث في معهد الدراسات الإفريقية، يرى أن المشروع الاستراتيجي الضخم لأنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب، وإن كان يتطلب نحو 25 سنة، إلا أنه سيشكل بديلاً للغاز الجزائري، خصوصا وأن روسيا بدورها لديها مشاكل مع القارة العجوز. وأوضح العجلاوي، ضمن تصريح لهسبريس، أن أنبوب الغاز الإقليمي الرابط بين الموارد الغازية لنيجيريا ودول غرب إفريقيا والمغرب، لديه أهمية كبيرة في ظل الأزمة القائمة بين الجزائر وأوروبا؛ "الأمر الذي سيدفع عددا من الدول الأوروبية إلى تشجيع هذا المشروع والعمل على تسريعه". وأشار الباحث المغربي إلى أن "الغاز الجزائري بدأ يفقد قوته بعد ظهور اكتشافات جديدة ما بين مصب نهر السينغال وموريتانيا، ناهيك عن النتائج الإيجابية التي يجري الحديث عنها بالمغرب عقب الإعلان عن حقول جديدة للغاز". وخلص العجلاوي إلى أن خط الغاز بدأ يتحول من المنطقة التي توجد فيها الدولة الجزائرية إلى غرب المحيط، مشيرا إلى أن كل هذه التطورات تعطي امتيازات للمغرب. وقال: "المرور إلى السرعة القصوى في أنبوب الغاز المغربي الجزائري يرد على الذين شككوا في إمكانية قيام هذا المشروع"، ولفت إلى أن الاتفاقية تطرقت إلى الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية والقانونية أيضاً، لتحصين هذا المشروع في حالة الطعن فيه قضائياً إذا ما مر من الصحراء المغربية، خصوصا في ظل الحملة المعادية التي تشنها أطراف نيجيرية على الرئيس محمدو بوهاري نظراً لعلاقته الجديدة مع المغرب. وكان الملك محمد السادس، مصحوبا بولي العهد الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد، ورئيس جمهورية نيجيريا الفدرالية، محمدو بوهاري، قد ترأسا، الأحد بالقصر الملكي بالرباط، مراسيم التوقيع على ثلاث اتفاقيات للتعاون الثنائي، واحدة منها مرتبطة بالمشروع الاستراتيجي لأنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب.