رفيقنا في هذا الجزء كتاب ثنائي التأليف حول ظاهرة الإسلاموفوبيا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مرجعية مؤلفيه، محسوبة أو مقربة من المرجعية الإسلاموية، ومن نتائج ذلك، أن مضامينه التي تطرقت بالتحليل والنقد للظاهرة سالفة الذكر، تطبق الصمت كلياً عن إحدى مسببات الإسلاموفوبيا، بل إن الكتاب يكاد يُصنف في خانة تبييض وجه الإسلاموية الفرنسية، كما لو أنها غير معنية في تغذية الأسباب الخاصة بالمسلمين، والتي تساهم في صعود مؤشر الإسلاموفوبيا، موازاة مع الأسباب الخاصة بالمجال الثقافي الفرنسي. نتحدث عن كتاب "الإسلاموفوبيا: كيف تفبرك النخب الفرنسية المشكل الإسلامي"، للباحثين عبد العالي حجاط، ومروان محمد (2013)، وهما باحثان في علم الاجتماع، وسبق لهما الاشتغال على قضايا الهجرة والعنصرية وأزمات شباب ضواحي المدن الفرنسية، وبالتالي، من المفترض نظرياً، أن يكونا على علم بتأثير خطاب الإسلاموية على فئة الشباب في تلك الضواحي، وهذا أمر يعلمه الجميع اليوم في فرنسا، من العامة إلى النخبة، وأي صرف نظر عن هذا السبب لا يمكن أن يكون بريئاً. وقد اشتغل الكتاب على معالم الإسلاموفوبيا عند عدة فاعلين في الإعلام والسياسية واستطلاعات الرأي والجامعيين ورجال الدولة والخبراء الأمنيين ومن يصطلح عليهم مروان محمد في الكتاب في وتصريحاته الإعلامية ب"أنصاف العلماء"، وهو تقزيم متعمد يهم بالدرجة الأولى الأصوات البحثية التي تنتقد الخطاب الإسلامي الحركي في فرنسا، من قبيل جيل كيبل وعبد الوهاب المؤدب وعبد النور بيدار وأسماء أخرى. نتوقف في الفقرات الموالية عند مجموعة وقفات نقدية خاصة بالكتاب، وتحيلنا على هذا الاستقطاب الإيديولوجي القائم بين الخطاب الإسلاموفوبي والخطاب الإسلاموي في الساحة الفرنسية، وهو استقطاب يمتد إلى عدة مجالات في الساحة، وخاصة الإعلام والعالم الرقمي والفكر، ومنه هذا الكتاب، بل إن هذا الإصدار بالذات، يُعتبر عملاً مرجعياً في موضوع الاستقطاب، كما سيتضح ذلك من خلال عدة وقفات وإشارات تضمنها العمل. جاء الكتاب في 326 صفحة من الحجم الصغير، ومقدمة بعنوان "نحو سوسيولوجيا الإسلاموفوبيا"، وخمسة محاور، كانت عناوينها كالتالي: واقع الإسلاموفوبيا، تاريخ مصطلح الإسلاموفوبيا، بلورة "المشكل الإسلامي"، تكوين أرشيف مضاد للمسلمين، الإسلاموفوبيا بين النفي والاعتراف. أول ملاحظة نقدية على الكتاب، الإصرار على الاستشهاد بغلاة الإسلاموفوبيا، من الذين يتعرضون للنقد حتى في المجال الثقافي الأوربي، ولا يمثلون إلا أنفسهم، ومع ذلك، يستشهد المؤلفان بهم، كما لو أن أوربا تعج بها، ومن هؤلاء، الكاتبة والصحافية الإيطالية أوريانا فالاتشي، التي اشتهرت بآرائها العنصرية ضد المسلمين في حقبة التسعينيات، بل إن مقدمة الكتاب، تضمنت مقولة استهلالية صادرة عن فالاتشي. من الأسماء الأخرى التي يتوقف عندها كثيراً الكتاب، الباحثة والناشطة النسوية كارولين فوريست، وهي مؤلفة أول كتاب نقدي حول خطاب الداعية والباحث طارق رمضان، وعنوانه "الأخ طارق: الخطاب المزدوج لطارق رمضان" والصادر في سنة 2004، سنة بالضبط بعد تأسيس "التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في فرنسا" المحسوب على المرجعية الإخوانية، وسنة أيضاً بعد اعتراف باريس ب"اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، الذي يُعتبر الفرع الفرنسي للمشروع الإخواني، وهذه تفاصيل لا نجد لها أي أثر في الكتاب، وحتى النقد الموجه لكارولين فوريست، كما نعاين في الكتاب، يهم نقدها لطارق رمضان، ومعلوم الخلاف الإعلامي والبحثي بينهما منذ عقدين على الأقل، ولكن إدراج إسم باحثة لديها حسابات نقدية مع طارق رمضان، جاء في سياق الحديث عن الإسلاموفوبيا، بينما المواقف النقدية للباحثة المعنية تهم بالدرجة الأولى الخطاب الإسلامي الحركي في فرنسا، ولا تهم المسلمين، بصرف النظر عن بعض التقاطعات التي قد تبزغ بين الفينة والأخرى، بخصوص نقدها للإسلاميين ونقد مسلمي فرنسا، ولكن الشاهد هنا أن شهرتها هناك عند نسبة من مسلمي فرنسا، مرتبطة بنقدها للخطاب الإسلامي الحركي، حتى إننا لا نجد أي إصدار ألفته كارولين فوريست، يستهدف بالنقد المسلمين في فرنسا، بقدر ما نجد كتب ومقالات وتصريحات إعلامية تصب في نقد الإسلاموية في فرنسا. لم يقتصر الأمر في الكتاب الصادر في سنة 2013 على توجيه النقد لفوريست في عدة فصوله، وإنما نجد نقداً موجهاً إليها على هامش تفاعلها مع صدور الكتاب، كما نقرأ في للطبعة الثانية الصادرة في سنة 2016، حيث اتهمها المؤلفان بأنها صنفت صدور العمل ضمن السياق الإيديولوجي الذي يقوده تأسيس "التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في فرنسا" سالف الذكر (ص 275). كانت هذه الوقفة فرصة لتوجيه النقد لكل الأسماء الفكرية والبحثية الفرنسية التي تنتقد الحركات الإسلامية. تضمن الفصل السابع من الكتاب عنواناً فرعياً يتحدث فيها المؤلفان عن "العلماء وأنصاف العلماء والخبراء"، وكانت هذه الوقفة فرصة لتوجيه النقد لكل الأسماء الفكرية والبحثية الفرنسية التي تنتقد الحركات الإسلامية، وفي مقدمة هؤلاء، جيل كيبل، الذي اشتهر منذ حوالي أربعة عقود بالاشتغال على ظاهرة الحركات الإسلامية، وغالباً ما يأتي اشتغاله من منظور نقدي. ومعلوم أن أول كتاب سيطرق عبره جيل كيبل بوابة الاشتغال على الإسلاموية، هو كتاب "النبي وفرعون"، والصادر في سنة 1984، ولكن حسب كتاب "الإسلاموفوبيا: كيف تفبرك النخبة الفرنسية المشكل الإسلامي"، كتاب كيبل هذا مجرد "تجميع لمعلومات مصاحبة بقدرات متواضعة في التحليل، ويبقى كتاباً سطحياً" (ص 123). توقف الكتاب ملياً عند "التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في فرنسا"، والتجمع كما هو معلوم، يهتم بالأعمال المرتبطة بمعاداة الإسلام وإحصائها سنوياً، والتي يعرفها كمجموعة أعمال التمييز والعنف ضد المؤسسات أو الأشخاص، بسبب انتمائهم الحقيقي أو المفترض للإسلام. ولكن لا نقرأ أي إشارة أو إحالة في الكتاب على المرجعية الإيديولوجية لهذا التجمع، لأنه محسوب على المرجعية الإسلامية الحركية. صحيح أنه لا أحد يعترض على أي مرجعية إيديولوجية، كأن تكون إيديولوجية إخوانية أو يسارية أو قومية أو ماركسية أو غيرها، على إطلاق مؤسسة هدفها متابعة الأعمال المرتبطة بظاهرة الإسلاموفوبيا، ولكن في المقابل، كان حرياً الإحالة على مرجعية التجمع حتى يكون القارئ على بينة. صحيح أنه لا أحد يعترض على أي مرجعية إيديولوجية، كأن تكون إيديولوجية إخوانية أو يسارية أو قومية أو ماركسية أو غيرها، على إطلاق مؤسسة هدفها متابعة الأعمال المرتبطة بظاهرة الإسلاموفوبيا. ليس هذا وحسب، فأثناء الاشتغال على التعريف بالتجمع، اعتبر المؤلفان أن الشكوك التي تصدر عن مجموعة من الفعاليات الفكرية والإعلامية، منها جيل كيبل، والتي تدور حول مرجعية التجمع بخصوص ولاءه للإسلاموية، ومنها اتهامات بالانتماء لهذا المشروع، أصبحت "سلاحاً فتاكاً ضد التجمع" (ص 206)، معتبرين أن الجمعية لا علاقة بتلك المرجعية، وليس صدفة أن مضامين الجزء الثالث من الفصل الأول، خلصت إلى أن التصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا، يتطلب التفرقة بين اتجاهين في العنصرية: اتجاه عنصري موجه ضد العرب، واتجاه عنصري آخر موجه ضد المسلمين، دون أدنى حديث عن دور الخطاب الإسلامي الحركي في تغذية هذه العنصرية القائمة منذ عقود، ولكنها استفحلت خلال العقد الأخير على الخصوص. وقد توقف الكتاب كثيراً عند تاريخ وأداء التجمع، والذي تأسس في سنة 2003، في سياق التفاعل الفرنسي مع التداعيات الدولية التي تلت أحداث 11 سبتمبر 2001، كما شرحا استراتيجية التجمع، والموزعة على اتجاهين في العمل: إحصاء الممارسات ذات الصلة بالإسلاموفوبيا، وتفعيل المساطر القانونية المضادة للعنصرية من أجل الدفاع عن ضحايا من جهة، والمساهمة في إنتاج تشريعات مضادة لتلك العنصرية (ص 251). تغييب الإحالة على الإسلاموية والتقزيم من الانتقادات التي تصدر عن بعض الفاعلين بخصوص إسلاموية بعض المنظمات في فرنسا، خيار صريح في الكتاب، فإضافة إلى أن الإحالة على الإسلاموية أساساً كان نادراً، فإن أي نقد يوجه إلى منظمة أو تجمع أو تيار بالإسلاموية، يواجه من قبل المؤلفين بالتقزيم والتهميش، كأنه نقد لا مصداقية له، أو كأنه نقد يستهدف المسلمين ولا يستهدف الجمعية المعنية، مع أن السائد عند أغلب الأقلام البحثية والإعلامية الفرنسية التي تنتقد الإسلاموية، كونها تحيل بالتحديد على مرجعية إسلامية حركية، ولا تحيل على المسلمين، أي تحيل على عدد أتباع يناهز حوالي 100 ألف فاعل، ما بين إخوان وسلفيين وتبليغيين.. إلخ، ولا تحيل تلك الانتقادات على عدد مسلمين يتراوح بين 6 و7 ملايين مسلم في فرنسا، لا علاقة لهم بخطاب الحركات الإسلامية، وحساباتها الإيديولوجية والسياسية وغيرها. ومن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، ما جاء في الوقفات النادرة مع الفرع الفرنسي للمشروع الإخواني، أي "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، الذي أسسه قياديون إسلاميون من الإخوان منذ ثلاثة عقود، حيث اعتبر الكتاب أن اعتراف السلطة بهذا الاتحاد ابتداءً من سنة 2003، أي السنة التي ستشرع فيها باريس في إعادة هيكلة المؤسسات الإسلامية، كان مبادرة رسمية تصب من وجهة نظر أتباع المشروع، في التصدي لتلك الاتهامات بالإسلاموية أو الطائفية (ص 235). "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، الذي أسسه قياديون إسلاميون من الإخوان منذ ثلاثة عقود، حيث اعتبر الكتاب أن اعتراف السلطة بهذا الاتحاد ابتداءً من سنة 2003. وحتى إذا افترضنا أن الأقلام التي تنقد الإسلاموية في فرنسا، كان مصيرها في الكتاب هو النقد والتقزيم، لأنها فرنسية الأصل والهوية والمرجعية، فإن الكتاب لم يتوقف عند هذا الصنف من النقاد، بل توجه بالنقد إلى أسماء عربية ومسلمة، معروف عنها تسليط الضوء على المعضلة الإسلاموية، وتبني النقد العلني الصريح، نذكر منها اسمان اثنان على الأقل: عبد الوهاب المؤدب وعبد النور بيدار: اشتهر الأول بكتابه "أوهام الإسلام السياسي" (2002) بالنسبة للقارئ العربي، في ترجمة أحد أعماله الصادرة بالفرنسية، حيث تعامل مع الحركات الإسلامية على أنها معضلة يعاني منه المسلمون اليوم؛ واشتهر الثاني باشتغاله على التعريف بأعمال المفكر الهندي محمد إقبال للجمهور الفرنسي، واشتهر أيضاً بدفاعه عن قضايا المشترك الإنساني، وهي قضايا لا تخدم المشروع الإسلامي الحركي بسبب مرجعيته الإيديولوجية، وبسبب انغلاقه الإيديولوجي في التعامل مع المسلمين، وغير المسلمين. أعمال عبد الوهاب المؤدب وعبد النور بيدار من وجهة نظر الكتاب لا تساعد في قراءة أسباب الإسلاموية والتطرف والإرهاب، لأنهما "يصرفان النظر عن سياسة حلف الناتو والفوارق الاجتماعية والعرقية في المجتمعات الغربية" (ص 283)، على عادة الخطاب الإسلامي الحركي في التفاعل مع الأسباب المركبة التي تقف وراء الإسلاموية، والتي تتداخل فيها عدة محددات دينية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، وأحياناً حتى المحددات النفسية، كما خلصت إلى عدة إصدارات بحثية سواء صدرت في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، أو في فرنسا وأوربا [وهذا ما أكده أيضاً جيل كيبل أيضاً في كتابه "الانكسار" (2016)]، ولكن هذه الصورة المركبة لقراءة الظاهرة لا نجدها قط في الكتاب، ولا نجدهاً أيضاً في الإصدارات والأبحاث والدراسات الصادرة عن الأقلام الإسلاموية في المنطقة وفي أوربا، وخاصة في فرنسا، مع تيار "يسار الإخوان"، الذي يقوده الباحث فرانسوا بورغا.