أدت التطورات السياسية التي تشهدها فنزويلا، بسبب تخطيط التيار المعارض لإزاحة الرئيس الحالي نيكولاس مادورو، إلى نشوب خلاف حام بين دول اتخذت من القضية مواقف مختلفة، تألفت بين موقف مؤيد بوصف بروز الرئيس الجديد، خوان غايدو، أمرا مشروعا، وآخر معارض مؤمن بمشروعية صناديق الاقتراع الرئاسي، في حين أن دولا أخرى اختارت عدم التدخل في الموضوع، وطرف التزم الصمت، بدعوى أن أحداثا كهذه تدخل في نطاق الشؤون الداخلية التي تخص فينزويلا وحدها. وأعربت دول عديدة، وفي مقدمتها روسياوالصين وجنوب إفريقيا وغينيا الاستوائية، عن استنكارها لما وصفته ب"الانقلاب"، إذ قالت إن "من ورائه هيئات موالية للنظام الأمريكي تريد سحب البساط من تحت أقدام الرئيس الشرعي قسرا"، خصوصا بعد تنصيب غوايدو، زعيم المعارضة في فنزويلا، ورئيس البرلمان الفنزويلي، الأربعاء المنصرم 23 يناير، كرئيس انتقالي للبلاد، بدلا عن الرئيس الحالي، قبل أن يسارع دونالد ترامب، في خطوة غير مسبوقة، للاعتراف بدعم أمريكا للرئيس الجديد، ودعوة الدول الغربية إلى أن تحذو حذو واشنطن، مستمدا شرعيته بمقتضى الدستور الفنزويلي الذي يخول لرئيس البرلمان رئاسة البلاد عند وقوع أي مشكل، أو التشكيك في مصداقية الانتخابات الرئاسية، حسب تعبير أنصار غايدو. وفي الوقت الذي أعلن فيه غوايدو ضرورة تنظيم انتخابات رئاسية جديدة، كان لزاما على الجيش الفنزويلي أن يحافظ على ولائه للرئيس الحالي، رافضا الانتخابات ومقرا بأن "الرئيس الوافد الجديد لا يملك شرعية مادورو، وأي انتخابات جديدة ستعتبر لاغية"، في حين التحقت قيادات عسكرية وأمنية فنزويلية بارزة بصفوف أنصار غوايدو، مطالبة بإسقاط حكم مادورو بشكل نهائي. حرب باردة وقطبية ثنائية وانبثق عن المشهد السياسي في فنزويلا خلاف قطبي بين أمريكاوروسيا، اشتدت حدته السبت الفائت، في أعقاب اجتماع مجلس الأمن الطارئ والاستثنائي لبحث الأزمة السياسية التي أسهمت في بروز تيارين متضاربين. وأعلنت 13 دولة أمريكية لاتينية، بينها كندا والبرازيل والأرجنتين، خلال اجتماع لوزراء خارجيتها، في عاصمة البيرو ليما، أنها لن تعترف بشرعية رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو. وصوتت الصين وجنوب إفريقيا وغينيا الاستوائية مع الموقف الروسى لمنع عقد الاجتماع، إلا أن الدول الغربية الست الحليفة لأمريكا، إضافة إلى البيرو والكويت وجمهورية الدومينيكان، أيدت انعقاد الاجتماع لتدارس الملف. وخيبت روسيا، خلال الاجتماع المنعقد بطلب من الولاياتالمتحدةالأمريكية، مساعي واشنطن في الإطاحة بالرئيس الفنزويلي الحالي، حيث اتهمها مندوب روسيا فى الأممالمتحدة، فاسيلى نيبنزيا، بالمساهمة في عملية "الانقلاب على الشرعية"، من خلال الإشادة بغوايدو، وحث الرئيس الحالي على الانسحاب. واعتبرت موسكو موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية من القضية "تدخلا مباشرا في شؤون الدول الأخرى"، مقرة، بلسان رئيس لجنة الشؤون الدولية بروسيا، قسطنطين كوساتشيف، أن "الولاياتالمتحدة سبق لها أن فعلت الشيء نفسه في الشرق الأوسط فيما مضى". من جهته، أفصح وزير الخارجية الأمريكى، مايك بومبيو، عن موقف بلاده المعلن حول أزمة الرئاسة الفنزويلية، حيث قال: "لدينا الآن قائد فنزويلى جديد هو خوان جوايدو، وهو الأجدر برئاسة البلاد" مبرزا أن الانتخابات الأخيرة مشكوك في ديمقراطيتها ونزاهتها، وأن انتفاضة الشعب ضده تفضح ذلك بجلاء. وعطلت روسياوالصين، مشروع إعلان لمجلس الأمن الدولي اقترحته الولاياتالمتحدة، يهدف إلى تقديم "دعم كامل" للبرلمان الفنزويلي بقيادة المعارض غوايدو، ما أدى لبروز حرب باردة خفية بين الطرفين. المغرب يرفض التدخل على عكس معظم الدول التي أعلنت موقفها من الأزمة الفنزويلية، اختار المغرب عدم التدخل، واتخذ موقف حيادي شأنه بذلك شأن مجموعة من الدول الأخرى التي فضلت عدم الخوص في الشؤون الداخلية للبلاد، غير أن المغرب، حسب ملاحظين، ملزم بطرح موقفه حول القضية، خصوصا وأن فنزويلا من إحدى أكبر القلاع اللاتينية المعروفة بمساندة الأطروحات الانفضالية لجبهة البوليساريو. ولم يترجم بعد موقف المغرب في قرار رسمي، على عكس ما قامت به بعض الدول العربية، وفي مقدمتها الكوبت التي أعلنت، صراحة، دعمها للرئيس المؤقت، حيث قال مندوب دولة الكويت الدائم لدى الأممالمتحدة، منصور العتيبي، إن "الأزمة السياسية التي تعيشها فنزويلا تتطلب من جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية أو الحزبية، والالتزام بإجراء حوار سياسي شامل لمعالجتها". وبسبب مساندة الرئيس مادورو المحسوب على الصف الاشتراكي الماركسي للطرح الانفصالي، يبدو أن مصالح المغرب ستتباين في خضم الصراع الجيوسياسي الذي تتخبط فيه فنزويلا، خصوصا وأن العلاقة بين البلدين تعرف نوعا من الصراع والتذبذب منذ إغلاق السفارة المغربية فنزويلا سنة 2009، والتي تم فتحها فيما بعد، فضلا عن الصراع الدائم بين ممثلي البلدين بسبب مشكل الصحراء. الأحزاب المغربية تكشف عن موقفها وعلى الرغم من صمت الحكومة المغربية ورفضها التدخل، فضلت بعض الأحزاب السياسية المغربية الدخول على خط الأزمة في فنزويلا والتعبير عن موقفها الرسمي بخصوصها، ومنها حزب النهج الديمقراطي الذي حضر كاتبه الوطني، مصطفى البراهمة، حفل تنصيب الرئيس الفنزويلي مادورو، ضمن مشاركته في اللجنة التحضيرية للقمة العالمية للشعوب، بحضور الأحزاب الشيوعية واليسارية من العالم، ومنها أيضا حزب فديرالية اليسار الديمقراطي الذي أعلن على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عن مساندته للزعيم مادورو ورفضه لما سماه ب"الإمبريالية الأمريكية". في اتصال هاتفي مع موقع "الدار"، عبرت معظم الأحزاب السياسية عن مساندتها للرئيس مادورو، وإن ضمنينا، بينما امتنع بعضها الآخر عن الإدلاء بموقف صريح ودقيق، بحجة أن المكتب السياسي للحزب "لا بد له أن يجتمع قبل أن يعلن موقفه في الموضوع"، أو بدعوى أن الأزمة السياسية في فنزويلا شأن داخلي لا يجب الخوض فيه. لشكر يتساءل: كيف تشكك الأغلبية البرلمانية التي انتخبت مادورو في مصداقيته الآن؟ تساءل إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كيف تشكك الأغلبية البرلمانية التي انتخبت مادورو رئيسا لفينيزويلا، في مصداقية الانتخابات التي أسفرت عن فوزه بنسبة عالية من الأصوات، "وفي هذا إطار أؤكد أنه لا يجب التسرع" يسجل إدريس لشكر. وأضاف الكاتب الأول للحزب، في تصريح لموقع "الدار"، "من غير المعقول أن تجرى الانتخابات الديمقراطية في البلاد التي لم يطعن في مصداقيتها أحد، لتأتي انتخابات أخرى أياما بعد ذلك تكذب نتائج الانتخابات الأولى". يشرح لشكر. وفي هذا السياق، سجل لشكر أن حزبه، وبصفته حزبا اشتراكيا، يتابع الواقع والتطورات في فنزويلا عن كثب، "سيدلي بتصريحه في الموضوع قريبا، فنحن الآن في مرحلة المتابعة، وسنتخذ موقفنا بعد أن تكتمل لدينا جميع المعطيات" على حد تعبيره. وأفاد لشكر أن مجلس الأمن "أعطى أجل 8 أيام لتتبع ما يجري في فنزويلا، قبل السماح للدول الكبرى بإعطاء موقفها في الموضوع"، مبرزا أن حزبه لن يدلي بدلوه كذلك إلا بعد تجميع المعطيات الكافية، يقول: "نحن لحد الساعة نتابع الوقائع والتطورات، وفي القريب سنعبر عن رأينا في الموضوع" مشيرا أن الموقف أكيد سيكون لصالح الديمقراطية. بن عبد الله: الأزمة في فنزويليا شأن داخلي وليس من حق الدول الأخرى الخوض فيه "لا يمكن للحزب أن يدلي بموقف صريح حول ما يحدث الآن في فنزويلا"، هكذا عبر نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، عن موقف حزبه في الموضوع. وتابع موضحا، في اتصال هاتفي بموقع "الدار"، أن الحزب يعتبر دائما أن قضايا الشعوب "تحل داخليا فقط، وكما لا نريد أن يتدخل أي كان في شؤون بلادنا، فلا يجب علينا أن نتدخل في الشؤون السياسية للآخرين"، مشيرا أن الحزب لن يعثد أي اجتماع لتدارس هذخ الأوضاع بحكم أنها لا تهم المغرب بشكل مباشر. وعن مسألة تعاطف الحزب مع التيار الاشتراكي، قال المتحدث نفسه "هذاك ماشي شغلنا، يضبروا لراسهم" أفتاتي: المغاربة يساندون الشرعية الديمقراطية ويصعب على الأحزاب تحديد موقف صريح من جانبه، أكد عبد العزيز أفتاتي، القيادي في حزب العدالة والتنمية، أن حزبه "لم يتخذ بعد موقفا صريحا بخصوص التطورات السياسية بفنزويلا"، معتبرا أن "ذلك صعب بحكم أن العلاقات بين المغرب وفينزويلا مضطربة بسبب مساندتها للطرح الانفصالي". وأوضح أفتاتي، في تصريحه لموقع "الدار"، أنه "الأحزاب السياسية ستحتاج بعد الوقت لتكوين فكرة في الموضوع بإنصاف، لكن المغاربة عموما مع المشروعية الانتخابية التي أفرزها صوت الشعب وصناديق الاقتراع، كما أنهم لا يتدخلون في شؤون الدول الأخرى مهما كان" على حد قوله. وزاد أن المغاربة عموما ضد كل ما من شأنه أن يزعزع استقرار الدول وأوضاع البلدان "فالمغرب يثق في المشروعية الديمقراطية، ويؤمن بالانتخابات والحرية والنزاهة والمصداقية". وعلى الرغم من أن النظام الفنزويلي له نزعة اجتماعية وإنسانية، وهذه أمور محمودة، لكنه في بعض الأحيان "ينزلق النظام ويساهم في قضايا مغلوطة، كما هو الشأن بالنسبة لقضية البوليساريو" على حد تعبير أفتاتي. منيب: المد الإمبريالي هو سبب الأزمة بفنزويلا ومن حق الشعب تقرير مصيره دون ضغوطات من جهتها، عبرت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، ضمنيا، عن رفضها لمشروعية الرئيس الجديد الذي تدعمه أمريكا، معتبرة أن هذا الدعم "هو مد إمبريالي يستهدف المناطق الغنية بالثروات الطبيعية من غاز وبيترول، ورأينا كيف دمرت الإمبريالية العراق وقبلها أفغانستان وأشعلت النيران في الشرق الأوسط، هي الآن تحاول كسب موطئ قدم في أمريكا اللاتينية" على حد قولها. وزادت منيب، في تصريح ل"الدار"، توضح "البلدان اللاتينية تحاول تأمين خيراتها، لكن التدخل الأجنبي يتحكم من أجل السيطرة على منابع الطاقة في العالم، باعتماد سياسة النيولبرالية المتوحشة". وبالنسبة لموقف الحزب، وكذا موقف فيديرالية اليسار الديمقراطي، التي تتزعمها منيب "نحن مع عدم التدخل في سيادات الدول، هذا من جهة، كذلك نحن مع تقرير الشعوب لمصيرها وتبني ديمقراطياتها وتستفيد من خيراتها دون ضغوط، ثم نحن لا نقبل التدخل ولا العنف لا باسم الإمبريالية، ولا باسم الصهيونية ولا باسم أي متسلط غاشم" على حد تعبر الأمينة العامة لحزب "الشمعة". وعبرت منيب عن تضامنها مع الشعب الفنزويلي، "فله كامل الحق في تقرير مصيره بنفسه والحفاظ على خيراته" حسب قولها، معتبرة أن مشكل الصحراء بين المغرب وفنزويلا "لا علاقة له بموضوع الأزمة، ولا يجب علينا أن نخلط الأمور، وإن كانت الحكومة الفنزويلية ضدنا، فيجب أن نعمل بجدية حتى نستميل إلى رأينا الدول كلها في العالم، وحتى تساندنا جميعها في قضية الصحراء". وزادت "إذا كانت فينيزويلا اليوم لا تساندنا في قضية الصحراء، فلأننا لم نفتح معها النقاش الواجب، ولم نقم معها بالديبلوماسية الرسمية ولا الديبلوماسية الموازية بالشكل المرغوب فيه". البراهمة: غايدو خاض انقلابا ضد مادورو وثورة المواطنين بفنزويلا تحترم الانتخابات أعلن مصطفى البراهمة، الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي، في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، عن زيارته لفنزويلا على خلفية الحضور لاجتماع لجنة تحضيرية بها ممثلين يساريين من مختلف دول العالم. وفي هذا الصدد، قال البراهمة، في تصريح لموقع "الدار"، إنه "حضّر، خلال هذه الزيارة، مع مجموعة من القادة اليساريين، لقمة الشعوب التي ستعقد في فبراير المقبل، والهدف منها هو التضامن والتآزر بين الشعوب، وستنهقد هذه الحركة في إطار الدعم للثورة البوليفارية الفينزويلية". وأشاد البراهمة بالتظاهرات التي قادها مجموعة من المواطنين للمطالبة بعودة الرئيس مادورو، معتبرا أنه "الرئيس الشرعي الذي حصل على أكثر من 65 في المائة من الأصوات"، على عكس الرئيس غايدو "الذي لم يحصل إلا على أصوات البرلمانيين، ودعم الإمبريالية الأمريكية، والشركات المتعددة الجنسيات". وزاد "الثورة التي يقودها المواطنون تحترم الانتخابات الرئاسية، وترد على المحاولة الانقلابية لغايدو الذي أراد الاستحواذ على السلطة بدون موجب شرع، أما مادورو فلديه دعم شعبي وعسكري، وعلى الرغم من التجويع الذي مارسه النظام الإمبريالي من إلى إضعاف العملة وتفشي الفقر، فإن الثورة صامدة لردع ضربات أمريكا وحلفائها" على حد قول البراهمة. وحول مقتضى الدستور الذي يسمح لرئيس البرلمان بتولي منصب رئيس البلاد عند التشكيك في مصداقية الانتخابات، قال البراهمة "لا يتم ذلك إلا أذا كان منصب الرئيس شاغرا أو مات أو فقد قواه العقلية"، وأردف "اليوم الرئيس كاين، ويجي واحد آخر يعلن راسو رئيس، هذا انقلاب لا يملك أي مشروعية".