في الوقت الذي يتوالى الانهيار السريع للصحافة الورقية عبر العالم وتعلن الكثير من المنابر الصحفية إفلاسها، فإن هناك بصيصا من الأمل من إمكانية تحول النسخ الإلكترونية إلى صحف مدرة للربح لا يطالعها القراء بالمجان، بل يؤدون مقابل ذلك سعرا رمزيا. هذه التجربة جرت في بقاع كثيرة من العالم، حيث أثبتت فشلها في مناطق معينة، وأكدت نجاحها في مناطق أخرى، بينما لا يزال الوقت بعيدا من أجل أن يقتنع قراء المواقع الإلكترونية بأن تقديم الأخبار بالمجان ليس عادلا، وأن هناك جيوشا من الصحافيين والعاملين ينتظرون أجورهم نهاية كل شهر، بينما يتصرف القراء وكأنهم يجدون الأخبار على قارعة الطريق. وفي إسبانيا، تعرضت أقوى الصحف لانتكاسة قوية عندما نزلت مبيعاتها إلى مستويات قياسية، على رأسها صحف تاريخية عريقة مثل "أ ب س" و"إيل باييس" و"إيل موندو" وغيرها، والتي وجدت نفسها فجأة تسرح مئات الصحافيين والعمال، وتجنح أكثر نحو الاهتمام بنسخها الإلكترونية، التي لقيت على الفور إقبالا كبيرا. غير أن هذا الإقبال على نسخها الإلكترونية دفع هذه الصحف إلى التفكير بعقلانية أكبر، عوض الاستمرار في الخدمة المجانية، حين عرضت على قرائها أداء مبالغ رمزية من أجل الاشتراك الأسبوعي أو الشهري أو السنوي، وهي مبالغ لا تتجاوز في أغلب الأحيان 60 أورو (قرابة 650 درهما) في السنة. التجربة الإسبانية كانت مشجعة، ففي ظرف بضعة أشهر حصلت صحيفة "إيل موندو"، وهي ثاني أوسع الصحف الورقية انتشارا، على ما يزيد عن 50 ألف مشترك في نسختها الإلكترونية، أي أنها رفعت نسبة مشتركيها بنسبة 170 في المائة بعدما كانت النسبة لا تتجاوز 13 في المائة. ويعترف مسؤولو "إيل موندو" بأن ظروف الحجر الصحي كانت عاملا مساعدا جدا من أجل رفع عدد مشتركيها بالأداء، غير أنها اعتبرت الارتفاع الكبير مؤشرا على بزوغ مستقبل مختلف للصحافة الإلكترونية، خصوصا إذا رافق ذلك احترافية أكبر في العمل، وجعل القارئ مقتنعا بأنه العمل الجاد والمحترف لا يمكن أن يكون بالمجان.