صار مؤكدا، لدى العديد من البلدان الأوربية، أن الموجة الثانية التي طالما تحدث عنها الخبراء، صارت واقعة فعلا، وأن هذه الأعداد المتصاعدة من المصابين بفيروس كورونا لا تمثل سوى هذه النظرية، التي تعني أن العالم دخل نفقا جديدا، لا أحد يعرف كيف ومتى يتم الخروج منه. ويبدو أن بصيص الأمل الذي ظهر مؤخرا، مع تخفيف واسع لإجراءات الحجر الصحي في مختلف مناطق العالم، عاد ليصبح ظلمة من جديد، وبدأت بلدان كانت تعتقد أنها تخلصت من الفيروس، تقرع أجراس الخطر مجددا. في ظل هذه الظروف لا أحد يمكنه أن يتصور أن يعود العالم إلى إجراءات الحجر الأولى، لأن ذلك يعني شللا تاما في الاقتصاد، ووصول البشرية إلى نقطة الصفر في كل شيء، لذلك يستحيل العودة مجددا إلى الالتزام بمقاييس الحجر الصحي التي كان معمولا بها من قبل. لكن أسوأ ما في الموضوع هو أن الخروج من الحجر، وأحيانا بطرق غير محسوبة، تم في وقت متزامن مع وصول الفيروس إلى موجته الثانية، وهي موجة تسمى "ثانية" اعتباطا، لأن لا أحد يدري إن كانت ثالثة أو رابعة أو عاشرة أو أخيرة. لكن في أوج ما يسمى الموجة الثانية، بدأ الحديث، بجدية هذه المرة، عن ظهور لقاحات للفيروس، من دون التأكد إن كانت لقاحات فعالة أم أنها تشبه تنويما مغناطيسيا للبشرية المتعبة من الفيروس، حتى تستعيد بعض صحتها النفسية التي قد تعينها على استعادة صحتها الجسدية. وربما يكون أفضل ما في هذه الموجة الثانية من تفشي الفيروس هو أن الكثيرين توقفوا عن الاعتقاد بنظرية المؤامرة التي تنفي وجود كورونا من الأصل، فالإصابات لم تعد نادرة، والأموات لم يعودوا من الغرباء فقط، فكل واحد صار بإمكانه الآن أن يتحدث عن مصاب من عائلته أو جيرانه أو معارفه، فيما نسبة الأموات في تصاعد. ولم يعد مبدأ التعايش مع الفيروس، الذي تحدث عنه الخبراء طويلا، بعيدا عن الواقع، حيث أن الناس صاروا مصرين على خوض غمار حياتهم اليومية، مع التزام معين بإجراءات الوقاية، في الوقت الذي تتوالى الأخبار كل ساعة حول ارتفاع معدلات الإصابات، وهذا يمثل أقصى درجات التعايش الذي كان يبدو مستحيلا قبل بضعة أشهر.