كل يوم يمر بعد تخفيف إجراءات الحجر الصحي، يبدو أن الناس ينسون بالتدريج الهلع الذي عانوه عندما كان فيروس "كورونا" يشبه بعبعا مخيفا، حتى لو لم يروه، حين كان الناس يلتزمون بالحجر ويلبسون الكمامات ويحافظون على مسافة الأمان عن اقتناع. اليوم يسير أغلب الناس في الشوارع من دون كمامات، ونصف الذين يحملونها يضعونها تحت ذقونهم لاستعمالها في حالة الطوارئ، وهي ليست حالة طوارئ صحية بالتأكيد، بل فقط عندما يرون سيارة أمن تمر من قربهم فيخشون تعرضهم للتأنيب. الإصابات والوفيات لا تزال مرتفعة في مختلف مناطق العالم، لكن تخفيف الحجر كان لا مناص منه لكي يقدر الناس على كسب لقمة عيشهم، وإلا فإن الفيروس كان سيقتل الناس فقرا وغبنا، ومع ذلك كان ينبغي ألا نحاول النسيان بسرعة، فالحديث عن موجة ثانية ليس خرافة. بعد مائة يوم في العزلة صار الناس يتوقون إلى حياة بإيقاع أسرع وكأنهم ينتقمون من زمن الحجر. يريدون أن يذهبوا إلى البحر كل يوم ويسهرون الليل كما لم يفعلوا من قبل ويتسامرون في المقاهي ويدخنون الكثير ويتصافحون في محاولة لإقناع بعضهم البعض بأن الفيروس كان مجرد وهم وأنهم كانوا "مشموتين". في بداية الفيروس كان الخوف كبيرا من المجهول، من فيروس لا نعرف عنه شيئا، من عدو يحار الخبراء في تفسير طباعه، فكيف ببسطاء الناس. أما اليوم فإننا نخاف من شيء نعرفه إلى حد ما، نعرف أنه فيروس لم يقتل بما فيه الكفاية، وأغلب المصابين يشفوْن، وأن تبعاته الاقتصادية والاجتماعية أسوأ بكثير من تبعاته الصحية. بعد مائة يوم من العزلة عاد الناس إلى الشوارع وأماكن العمل والمقاهي والمتنزهات، ولم يعودوا ملحين على وضع المعقمات في جيوبهم ولا حمل الكمامات التي تكاد تغطي عيونهم. صاروا يتعاملون بألفة اكبر مع الفيروس، ربما يستهينون به، ربما كانوا في حاجة إلى جرعة أكبر من الخوف. ما توقعه الكثيرون من كون الفيروس سيغير طباعنا إلى الأبد قد لا يتحقق. سيتعايش الناس مع الفيروس كما يتعايشون مع أي جار مزعج، لا هو سيرحل، ولا هم سيرحلون.. وكل واحد سيصر على الاحتفاظ بسلوكاته وطباعه.