المغرب في المركز 90 عالميا في تقرير الحرية الاقتصادية.. والحكومة تحتفظ بدور كبير في الاقتصاد    النيابة العامة بالجديدة تأمر باعتقال إلياس المالكي بعد اتهامات من له طرف فعاليات أمازيغية بالتمييز والكراهية    مختل عقليا يسرق سيارة ويتسبب في حادثة سير مميتة بوسط الجديدة    اتحاد طنجة يتلقى خسارته الثانية هذا الموسم أمام السوالم بهدفين لهدف    العداء المغربي حمزة السهلي يتوج بلقب النسخة ال 15 من الماراطون الدولي للدارالبيضاء    النصيري يرد بقوة على منتقديه … ويحلق بفريقه عاليا    ترامب وهاريس ينظمان تجمعات إنتخابية في نيويورك وفيلادلفيا    نشرة إنذارية.. تساقطات مطرية قوية وأخرى ثلجية وطقس بارد مرتقب من الاثنين إلى الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    الرئيس ماكرون في زيارة دولة إلى المغرب لتعزيز العلاقات الثنائية    حادث مأساوي على الطريق بين الحسيمة وأجدير ينهي حياة رجل ستيني    مركب صيد بالجر يصطاد جثة آدمية بساحل الحسيمة    كلب مسعور يودي بحياة عشريني بأكادير    عضة بسيطة من كلب أليف "كانيش" تتسبب في وفاة شاب    قنصلية أمريكية في الداخلة.. واشنطن تبدأ التفعيل بخطوة استراتيجية لتعزيز السيادة المغربية    أسبوع إيجابي في بورصة البيضاء    تساقطات مطرية تبشر بإنطلاقة جيدة للموسم الفلاحي بمنطقة الريف    الصحة العالمية تحذر: أعراض ارتجاج المخ قد تتأخر في الظهور    المحامون يقررون المقاطعة الشاملة لجميع الجلسات إلى غاية تحقيق المطالب ابتداء من يوم الجمعة المقبل    الأسطوانة الذهبية «ليلي طويل» تعود للساحة الفنية بصوت نصر مكري    جمعية عبد المولى الزياتي لإبداعات بلادي تنظم ملتقاها الثقافي التاسع    في البيان العام للمؤتمر 12 للنقابة الوطنية للتعليم العالي    المغرب يتوج بالبطولة الإفريقية للملاكمة رجال وسيدات    أخبار الساحة    مقاييس الأمطار خلال 24 ساعة بالمغرب    تنظيم المهرجان الوطني للتمور من 9 إلى 11 نونبر المقبل    نتانياهو: الهجوم على إيران حقق أهدافه    الدمار الهائل في غزة "يصدم" غوتيريش    مجلس النواب يناقش "دعم القدرة الشرائية" و"جودة التكوين المهني"    لامين يامال يتعرض لإساءات عنصرية        تساقطات مطرية بالناظور تبشر بنهاية الجفاف    تقرير رسمي يتوقع جاهزية مشروع ميناء الناظور غرب المتوسط خلال السنتين القادمتين    المومني: مهرجان المسرح الدولي الجامعي منصة مبتكرة للشباب لعرض مواهبهم    عبد الوافي لفتيت يشرف على تنصيب الوالي الجديد لجهة الشرق    افتتاح المعلمة التاريخية "لاكازابلونكيز" بحلة جديدة وبمواصفات عالمية في الدار البيضاء        الشاعر البحريني قاسم حدّاد يفوز بجائزة الأركانة العالميّة للشعر    نحو آفاق جديدة لدعم القضية الوطنية.. انطلاق الجولة الدولية للمسيرة الخضراء بالدراجات النارية في دول الخليج    نقابة "البيجيدي" تحتج أمام البرلمان ضد غلاء الأسعار    المنتخب السعودي يضطر إلى معاودة التعاقد مع هيرفي رونار    فيلم "عصابات" يتوج بالجائزة الكبرى للدورة ال 24 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    وفاة طالب طب بسبب "ضغط المقاطعة" تعيد المطالب بحل عاجل.. وترقب لمخرجات أول لقاء مع الوزير الجديد    5 قتلى وعشرات الجرحى في عملية دهس شمال تل أبيب    افتتاح معهد البحرين للموسيقى في أصيلة    اختتام فعاليات مهرجان ليكسا للمسرح في دورته الخامسة عشرة بمدينة العرائش    ارتفاع حصيلة الضربات الإسرائيلية على إيران وإدانة واسعة للهجوم..    هذا هو الثمن الغالي الذي ستدفعه إسرائيل وأميركا    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أربعة جنود    البواري يطلق عملية الزرع المباشر من إقليم الحاجب    موثقو إفريقيا يشيدون بنظرائهم المغاربة    آلاف الأشخاص يتظاهرون في لشبونة احتجاجا على عنف الشرطة    بسبب ضعف الإقبال... سعيدة فكري تغيب عن سهرة لها بأكادير    ارتفاع عدد حالات التسمم الغذائي في "ماكدونالدز" بالولايات المتحدة الأميركية    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صورُ القوة والضعف في مرآة الماء
نشر في البوصلة يوم 19 - 08 - 2009


صورُ القوة والضعف في مرآة الماء
قراءة في قصيدة"جُرأة"*
للشاعر المغربي: محمد الأشعري
جرأة
لها الضوءُ يغسلُ جزءاً صغيراً بضَحكتها
ولها مطرُ الليل ِ
والشجرُ المتسابقُ نحْوَ الظلال ِ
و رقرقة الماءِ.
أذان العِشاءْ
وكل الذي يرفُل الآنَ في السرِّ
وبيني وبين أناملها
إذ أحرِّرُ نفْسي عميقاً
وأمسكُ مبتهلا ببياض ترددها العذبِ...
ما الذي سوف تتركه خلفها في الممرِّ
إذا انتفضتْ
أو مضتْ
أأكون أنا من سيَمكُث ُ في رجفة القبلة المطفأة ْ.
أم يكون الذي خلتهُ
ضوءَ ضحكتها
بينما تأخذ ُالريح ُ كلَّ براءتنا،
ويموتُ كلانا بنفس السذاجة ِ
مفتعلا ًجرأًة ًمترفة ْ.
من ديوان: (مائيات) ص.ص82/83
1 تمهيد
الشاعر محمد الأشعري (من مواليد سنة1951)صوت شعري مغربي، بدأ الكتابة منذ سنوات السبعينات ، وهو من المجموعة الشعرية التي تعرف في الشعر المغربي باسم (جيل السبعينات) وهي تسمية قابلة للنقاش ، إذ لم يعد مقبولا هذا التحقيب الذي إنما لجأ إليه النقاد في مرحلة لهدفٍ إجرائي ، ولا يجب أن يستمر بعد أن فقد دلالته أو كاد، ويمكن القول إن الشعر المغربي خلال مرحلة السبعينات بلغ مرحلة النضج الفني ، بحيث يمكن تحديد ملامح فنية ومعنوية خاصة به، على مستوى اللغة والرؤيا، فنيا ومعنويا، ويعتبر جيل هذه المرحلة هو الجيل الشعري الثاني ، في القصيدة الشعرية المغربية المعاصرة التي بدأت بمن يمكن تسميتهم بجيل الرواد ، وهم تلك المجموعة التي درسها الشاعر الناقد محمد بنيس في كتابه ( ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب)، وللشاعر محمد الأشعري عدة إصدارات شعرية نذكر منها (صهيل الخيل الجريحة)1978 و(عينان بسعة الحلم)1982و(يومية النار والريح)1983 و(سيرة المطر)1988 و(مائيات ) 1994 وبعد هذا الديوان أصدر الشاعر مجموعتين شعريتين أخريان، هما: سريرٌ لعزلة السنبلة1998وحكاياتٌ صخرية2000 وبعض هذه العناوين باعتبارها عتبات نصوص تنطق بمضامين، وتقدم لنا صورا تتحاور، أو يكمل بعضها الآخر، أو يقول بعضها العالم على نحو مختلف، مثلما تتصادى أصوات ديوانيه (مائيات) و(حكايات صخرية ) فليس النهر نهر الكلام إلا ما يرويه ماءٌ وصخر ،(والصخر كالماء) (حين يكون الماء ، خميرة ً أو صاعقاً أو ناراً) كما يعبر أدونيس،(والصخر كالماء) إن جاز لي أن أتذكر في هذا السياق شيئا من شعري و تلك خلاصة سياق صراع وتجاذب بين إنسان يمسك (مبتهلا ببياض ) أحلام يتردد في الأنامل بعذوبة ، مع صرامة زمن لا تعرف الرحمة. ولا ما سوف تتركه (إذا انتفضتْ أو مَضَتْ ) وانطفأت الأمنيات وساد الخوف والظلام بفناء الحياة. فالزمان والماء يقهران كل قوة، مهما قستْ فكانت (كالحجارة أو أشد قسوة)، (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، وإن منها لما يَشَّققُ فيخرجُ منه الماء)
ومن ديوانه الخامس (مائيات) هذا، نتناول أحد نصوصه، ألا وهو قصيدة (جرأة) التي تقع على الصفحتين (8283) منه.
2 دراسة الصيغ والعبارات:
اشتملت هذه القصيدة على عدة صيغ تعبيرية كان لها دور في تكوين صور شعرية رائعة، ومن تلك الصيغ ( الضوء يغسل مطر الليل والشجر المتسابق نحو الظلال والماء الذي يترقرق ) وشيءٌ ما (يرفل في السر ) بين جسد الشاعر وجسد من يخبر عنها، و( أحرر نفسي عميقا )و( أمسك مبتهلا)و(بياض التردد العذب) كما اشتملت القصيدة على أسلوب إنشائي هو أسلوب الاستفهام الذي استغرق منها عدة أسطر، لتتوالى أساليب خبرية في صيغ مثل (رجفة القبلة المطفأة ضوء ضحكتها الريح التي تأخذ كل براءتنا الموت الساذج بافتعال الجرأة المترفة) وقد اعتمد الشاعر على هذه الصيغ والعبارات في توليد الدلالات التي احتاجها لتركيب صوره الشعرية، وبناء المعاني التي أرد التأثير في متلقي شعره بإبرازها للتراجيدي (le tragique) كصنف جماليٍّ يتجاوز الجميل والسامي، فيما يثيره لدى المتلقي من مشاعر متضاربة تملأ عليه نفسه بالحيرة والارتباك إزاء أحوال القوة والضعف، وقد تماسكت أجزاء النص بأكثر وسائل الاتساق التركيبية بروزا مثل حرف العطف ( الواو وأم المتصلة بالاستفهام و بينما الظرفية) فاتسق من ثم جسد القصيدة دلاليا أيضا: باعتماد بعض الخصائص اللغوية التي تملك خاصية الإحالة ،( وتمثلت في النص في ضمير الغائب المتصل، في حالتي عودته على المؤنث أو المذكر عبر جمل كثيرة في هذا النص).
3 الموضوعات التي تتكون منها القصيدة
يمكننا أن نتلمس الموضوعات التي يتناولها الشاعر في هذه القصيدة، من خلال الكلمات الدالة التي كونت وحدة هذه القصيدة العضوية، ويقودنا تتبع تلك الكلمات إلى الوقوف على ما يكون حقلين دلاليين أساسيين في هذا النص، وهما حقل القوة وحقل الضعف، اللذين تمكن الشاعر، في إطارهما، من بناء صور شعرية وظفها لغاية التأثير في المتلقي ويمكن تتبع هذين الحقلين من خلال الجدول الآتي:
حقل الضعف
حقل القوة
مطر الليل ( مع جواز اعتبار هذه العبارة دالة على القوة لكنها تدل في سياق آخر، على الضعف، باعتبار ما تشير إليه من معاني الاختباء والخفاء)
الظلال
في السر بيني وبين أناملها
عميقا( بما يعني أن فعل التحرر كان داخليا)
مبتهلا ( فالابتهال تضرع وضعف)
بياض ترددها العذب(والتردد من مظاهر الضعف
مضتْ ( فالمضي دليل انسحاب)
رجفة القبلة المطفأة
كل براءتنا،
يموت كلنا بنفس السذاجة
الشجر المتسابق
رقرقة الماء( فإن رقرقة الماء دليل على حركة منه تفتت حتى الحجر)
أذان العشاء(لأنه نداء للاجتماع)
يرفل الآن
أحرر نفسي
أمسك (فالإمساك بالشيء يحتاج إلى قوة )
ما الذي سوف تتركه
إذا انتفضت (فالترك والانتفاض دليلا قوة)
سيمكث
ضوء ضحكتها
تأخذ( ولفعل أخذ دلالات ا إنزال العقوبة)
الريح (وقد استعمل لفظ الريح للدلالة على
العقاب، في غير هذا السياق)
مفتعلا جرأة مترفة
إن قراءتنا لحقلي القوة والضعف المكونين الأساسيين لعبارات وصور النص الشعرية، تبين لنا أن حقل الضعف أو التظاهر بالضعف يتنازع مع حقل القوة على مضمون النص ، مما يوحي بأن الشاعر وهو يتقرب من (امرأة النص) ( أو من المعني بضمير الغائب أياً كان ) يحاول أن يتلبس صورة العاشق الرقيق المتفاني. وسواء أكان ما يتقرب إليه الشاعر امرأة أم غيرها ، فإن ما يبديه من رفق وليونة رقة ، يسهم في إفساح مجال له حتى يضمن ما يمكن أن يتجاوب معه متلقي النص من أي نوع كان. فأمام (رقرقة الماء) في قصيدة الأشعري هذه، يغسل الضوء اصغر أجزائنا والمرء بأصغريه : قلبه ولسان في سيول من الرغبات ، لكن تحت (مطر الليل)، فإن لم يصبنا وابلٌ فطلّ،ٌ إذ نحس بانهمار ماء الألم والخوف والتردد والضعف، وإن من الضعف ما هو رفق بالذات (على نقيض القوة والتأله) بتعبير أنسي الحاج.
فالسياق الدرامي في قصيدة الشاعر المغربي محمد الأشعري (جرأة) يستند إلى اصطدام عنيف بين التردد الموصوف بالعذوبة ، والجرأة الموصوفة بالافتعال والترف، وحتى يخفف الشاعر من حدة هذا الاصطدام، أضفى على نسيجه اللغوي ، أعني صيغه وعباراته، همسا شفافا، وإن كانت الغلبة والهيمنة في هذا النص لحقل القوة ،التي تدعم موقف الشاعر/ الذكر، إزاء الغائب / الحاضر الأنثى، التي أضفى خطاب الشاعر عليها صفات محببة،( ضوء ضحكتها بياض ترددها العذب) وقد عبر الشاعر بذلك عن تجربة / موقف لم تكن المرأة فيه ( أو فيهما) قوة مطلقة، أو ضعفا مطلقا، بل تقاسم طرفا العلاقة في هذه القصيدة صفات القوة والضعف ، وفي ذلك تعبير عن التحول الذي أصاب النظر إلى علاقة الرجل بالمرأة، باعتبار وضعهما كإنسانين في المجتمع الجديد/المأمول، مما يعارض وضعية السيد والمسود، أو التابع، كما هو عليه الوضع في المجتمع الحالي .)(1)
تتمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.