-1- دخل الصف متأخرا، نظر إليه الأستاذ، تفحصه من رأسه حتى قدميه، ثم..:((أين حذاؤك؟!)) نظر التلاميذ باتجاهه، أحس بنفسه صغيرا جدا، مسكينا، مرة ثانية سأله الأستاذ: -أين حذاؤك؟ أضعته يا سيدي أضعته! وبكل وقاحة تقول هذا، غدا لا أريدك أن تأتي حافيا، هل فهمت؟ نعم أطرق برأسه،ذهب باتجاه مقعده ، جلس، والتلاميذ ينظرون إليه بشيء من الشماتة المشفقة، عندها تمنى لو أن الأرض انشقت وابتلعته. -2- أشار الأستاذ إليه، قال: -تعال وحل هذا التمرين تحرك من مقعده، مشى باتجاه السبورة، صوت القبقاب الذي يلبسه بدأ يرن طرق..طرق.. قال الأستاذ:أ هكذا تأتي إلى الصف بالقبقاب؟!غدا أريدك أن تلبس حذاء. أطرق برأسه، ابتدأ يكتب على السبورة بأصابع مرتجفة، عاد إلى مقعده، صوت القبقاب يرن، طرق..طرق.. جلس ساهما، وتمنى لو أن الأرض انشقت وابتلعته. -3- تمشى في باحة المدرسة متباهيا بشحاطته الجديدة، أحس بنظرات الحسد من زملائه تتابعه، اقتربت منه مجموعة من أصدقائه: - ألن تذهب معنا بعد انتهاء الدوام إلى الساحة كي نتسابق؟! نعم، سأذهب وضع شحاطته في زاوية الساحة، وابتدأ يركض مع رفاقه، ويسابقهم، حين تعب من اللعب، فتش عن شحاطته، لم يجدها، سأل رفاقه عنها، أنكروا رؤيتها.. ((هكذا إذن! سرقوا شحاطتي)) عاد إلى البيت حافيا، دخل متلصصا، اطمأن إلى أن أباه لم يره، بعد قليل التفت أبوه إليه، طلب منه كأسا من الماء، مشى باتجاه الخابية. لماذا تمشي حافيا يا بني؟ أين شحاطتك الجديدة؟ -عند العتبة أرني إياها تظاهر بالبحث عنها، سأل أخوته أين هي؟ كانت عند العتبة. -أتكذب علي ابن الكلب! هذه المرة أضعتها أيضا! من أين سآتي لك كل يوم بشحاطة جديدة؟ يقترب منه ، يرفع يده نحوه، يضربه على خده ، على رأسه، على يده، على رجليه الحافيتين، ثم يعود إلى ركنه في زاوية الغرفة. - 4- دخل بيته، استقبلته زوجته بهلع: أين حذاؤك؟! تطلع إليها باستغراب: في رجلي أنت لا تلبس حذاء، أنت حاف، هكذا تخجلنا أمام الجيران، لديك عدة أحذية وتمشي حافيا، هل تظن نفسك في ضيعتك؟! نحن نسكن في المدينة، وفي حي راق، ودائما يعيرني أهلي بك، يقولون لي: ألم تجدي غير هذا الفلاح الذي لا يعرف كيف يلبس حذاء كي تتزوجيه؟! طبعا خلعت حذاءك في مكان ما وجئتني حافيا، ماذا سأفعل يا ربي؟ وتلطم خديها بأسى، ماذا سأفعل يا ربي؟! -5- تطلع إليه الموظفون باستغراب، تفحصوه من رأسه حتى أصابع قدميه، همس أحدهم بصوت عال: -أين حذاؤك؟ نظر إلى قدميه، اكتشف أنه فعلا دون حذاء قبع وراء مكتبه، أخفى رجليه الحافيتين تحت الكرسي، تساءل ثانية: ماذا يحدث لي هذه الأيام؟ اقترب منه أحد زملائه: هذه المرة الثانية التي تأتي فيها دون حذاء، ماذا حصل لك يا صاحبي؟ الموظفون يتهامسون فيما بينهم بأنك مجنون، أنا أعرف أنك سيد العاقلين، ولكن الآخرين لا يفهمون هذا. نقل بصره بين وجه زميله وبين قدميه الحافيتين، وتمنى لو أن الأرض انشقت وابتلعته. -6- كانت الساعة الواحدة ليلا، كان يمشي في شوارع المدينة وحيدا، فجأة برز ثلاثة رجال من إحدى الحانات تبدو عليهم الشراسة والوقاحة. ماذا تفعل في هذا الوقت في الشوارع؟ أمشي، أستنشق الهواء،وأنتم ماذا تفعلون؟ هكذا إذن!تستنشق الهواء، يا ابن الكلب! سنعلمك كيف تستنشق الهواء جيدا. من أنتم؟ من نحن! نحن الذين سنضربك بالحذاء، وخلعوا أحذيتهم وانهالوا عليه بالضرب، ظلوا يضربونه حتى استطاع أن يهرب منهم راكضا. - 7- التف أفراد الأسرة حول المريض، كان يرقد في فراشه بوجهه الأصفر الشاحب، زوجته تبكي، أولاده واجمون. نظر ابنه إلى الطبيب أليس هناك من أمل؟ لا نهايته قريبة. أطرق الابن إلى الأرض كي يخفي الدموع التي طفرت من عينيه. رفع رأسه، التقت عيناه بعيني الطبيب، قال الطبيب: البقية في حياتكم اقتربوا من المتوفى، رفعوا الغطاء عنه، كان منكمشا على نفسه وقد تحول إلى حذاء كبير. ..... ندى الدانا/كاتبة من سورية