أنا في السرير، عيناي مغلقتان، لكنني لست نائمة، ولا أفتحهما عندما يتحرك هو، ولا عندما يتأوه حديد السرير وخشبه عندما يجلس على حافته. ينظر إلى ساعته الذهبية السميكة مثله والتي تستمر في تكتكتها المعهودة بين يديه. إنها السابعة والنصف صباحاً الآن، أعرف ذلك بالتأكيد دون أن أنظر إلى أي ساعة، ففي كل ليلة، وفي نفس الوقت من كل ليلة، يضبط ساعته السميكة تلك لتوقظه في تمام السابعة والنصف، وفي كل صباح يستيقظ قبل أن ينطلق رنينها المزعج، فيمسكها بين يديه، ينظر إليها وهي تُكتك، ثم وهي ترن، ثم يضغط على الزر الفضي ليوقف رنينها. يحشر قدميه في شبشبه ويشحطهما على الأرض. يتأرجح قليلاً قبل أن يدفع بجسده ليقف، فيتنهد الفراش للخلاص من عبء ثقله الذي يجرجره نحو الحمام. خطوة، اثنتان، ثلاث .. عشر خطوات ويقف أمام باب الحمام. أعرف أنه توقف، أشعر بنظراته تتسابق إلي ... أُبقي عيني مغلقتين، وأنفاسي منتظمة ... بيأس يدخل الحمام. يصلني حفيف احتكاك سرواله الداخلي بكثافة شعر كرشه، وقفاه، وفخذيه، ثم تسقط جثة السروال متراكمة مكتومة عند كاحليه. في هذه اللحظات بالذات أتمنى لو أنني أتمكن من إغلاق أذني بشدة مثلما أغلق عيني. مع التكرار، تعلمت كيف اسرح بعيداً وأسافر إلى أيام أجمل حتى يعيدني، مثل كل مرة، تدفق المياه عند سحبه للسيفون ... يبدأ بالشفط وينتهي بالخرير لتعود الأمور إلى ما كانت عليه، بانتظار من يجلس على التواليت من جديد. يسحب قميصه فوق صدره ورأسه. صرير الحنفية، خرير المياه الساخنة، صرخة "آخ" مكتومة لأنه نسى حرارتها. صرير الحنفية لتعديل حرارة المياه. تهفهف شعريات فرشاة الحلاقة في المياه، ثم ترغو معجون الحلاقة على ذقنه الخشنة. يزم شفتيه ويمرر معجون الحلاقة فوقهما .. شخيط شفرة الحلاقة فوق خديه، ذقنه، عنقه .. شيئاً فشيئاً يتحول التشخيط إلى انزلاق سلس. خرير المياه ينقطع ويستمر، ينقطع ويستمر، وهو ينظف الشفرة تحته. طقطقة جهاز الحلاقة على خزف حوض المغسلة. غرغرة. غرغرة. بصقة. غرغرة. غرغرة. بصقة. رنين معدن يرتطم بزجاج، سائل سجين يتحرك داخل زجاجة عطر، قطرات تندلق من الزجاجة في يده، نقطة، نقطة، نقطة ... أريج ليموني قوي يختلط بباقي الروائح التي تتسابق إلى أنفي. يصفق العطر على خديه، يشهق مع تغلغل العطر في بشرته الحليقة الحساسة ... تحترق ذقنه. يجرجر قدميه داخل شبشبه عائداً إلى الغرفة. يفتح خزانة. يغلق خزانة. يفتح ادراجا ويغلق ادراجا. أعرف الترتيب الذي يرتدى به ملابسه ... القميص: لا أعرف لماذا يغلق أزراره ابتداء من الأسفل. الجوارب أولاً .. ثم البنطال: دائماً الأيمن ثم الأيسر. يُجرجر حزامه عبر الفتحات المخصصه له في بنطاله ببطء شديد مثلما يجرجر قدميه. يحاول كل صباح عصر كرشه ليغلق الحزام في فتحة تشعره بأن الحمية التي يتبعها منذ قرون قد نجحت، وفي كل صباح يفشل. ربطة العنق: لا يعرف ضبط طولها من المحاولة الأولى. يفكها، ويحاول مرة أخرى وأخرى. يسب ويلعن بصوت خافت، ولكنه ليس بخافت بما يكفي. يتمنى أن أفتح عيني، أن أساعده ربما؟ المحفظة يتفقد محتوياتها، وتدحش دائماً في الجيب الخلفي الأيسر. لملمة بعض الأوراق التي تخشخش مع بعضها البعض. تذهب وتعود ذات الأوراق كل مساء. صليل مفاتيح فخامة سيارته مع مفاتيح فخامة مكتبه ومفاتيح بؤس منزله. نظرات أخيرة تتسابق نحوي. يفتح باب الغرفة. يخرج. ينتظر. أنتظر. لا أتحرك. لا أفتح عيني. أحياناً يكون قد نسى شيئاً ما. أحياناً يعود. صوت محرك سيارته يهز السكون، ثم يبتعد. أفتح عيني ... Fadwa_Al_Qasem-Untold_story ============= فدوى القاسم دبي 10/10/2006