إن فكرْتَ بنهرٍ من أجل إلقاء رسالة إن فكرْتَ بنهرٍ من أجل إلقاء رسالة في زجاجة لشخصٍ ما، علّها توحي له بحكاية لم تستطعها. أو إن استولتْ عليك فكرةُ البريّةِ، وجئتَ لتسكن كوخاً في غابةٍ، أو تخيّمَ في جزيرةٍ، فقط لتجريب معيشة الحيوانات أو النبات.. أو إن حلمتُ بقطارات.. ببواخر.. أو حتى بعربات تجرها الخيول لمجرّد أن تذهب بلا سببٍ. أو إن رغبت بالرقص أو الغناء أو العزف على البيانو، البيانو تحديداً، في شقة هادئة، بصبحة امرأة تعرفتها توّاً.. ستجد أن الأجانب فعلوا ذلك من زمان قديمٍ.. حتّى الركض وراء الفراشات.. مجرد ركض ومجرّد فراشات.. فعلوه. كذلك إطلاق الطائرات الورقية، أو الألعاب النارية ملء السماء.. مهما فكرتَ ورغبتَ وحلمتَ.. لن تجد شيئاً، فالأجانب، استحوذوا على الدنيا كلها.. كلها.. ولو غضبتَ وأردت الخروج برشاش على الناس، أو خطر لك أن تبول من البرندة على المارة، أو إن فكرت بالانتحار سقوطاً من ناطحة سحاب، أو جاءتْكَ نزواتُ شيطان وسعيتَ إلى تفريغها باغتصاب فتى متشرّد، أو بتكسير ركب عجوز أعمى يبيع العلكة على الرصيف، أو بقتل عاهرةٍ بعد تفجير مؤخرتها، لن تستطيع، فالشر، حتى الشّرّ احتكره الأجانب. لك القولُ فقط هم يفعلون.. ولسانك لا يلوك سوى عجمةٍ، فاللغة مرهونة للأجانب.. الأجانب، سياح الأحياء القديمة ووجوه المحطات الإخبارية وأبطال الأفلام...، لهم ما نراه وما لا نرى.. الليل لهم والنهار.. الأرضُ والسماءُ.. الدنيا والآخرة.. لهم كل شيء أرادوه أم لم، حتى نحن لهم، مع ذلك لا نعرف اسمنا إلا حين نسميهم أجانب.. لكننا لا نعرف أيضاً لماذا نسميهم أجانب!! لن تمكنني منك غزليات هزيلة لن تمكنني منكِ غزليّاتٌ هزيلةٌ، تعرفينَ الحيلةَ جيداً، لا رابطَ مع شخصٍ يربطُ مفرداتِ الأرضِ والطيرِ والماءِ بامرأةٍ لم يلمسها.. منذُ الآنَ، وبحماسةِ ناشطٍ منخرطٍ في جمعيّةٍ أهليّةٍ، سأرفعُ جسدَكِ شعاراً لبيئةٍ نظيفةٍ !! لن أتقمّصَ شخصيَّةَ العشب لتقويله: ملمسُهَا ملمسُ النَّدى!! لا.. فواقعيّة هذا الجمال لا تحتاج مجازاً، تكفي رقصةٌ لأعرفَ لمَ أَحبَّكِ كلُّ هؤلاءِ: الشّاعر الفقير الذي يريد الانعطاف ببياناته الخرقاء إلى النّصّ. المترجم المصابُ بالضجر من الفرنسيّات. مدرّس الرياضة البدينُ.. مجنونُ الحارةِ رغبةً بالتّعقّل.. كما كانت تكفيكِ قبلة سريعة لتري كلّ من اشتهيتُ: طالباتُ الثانويّةِ مع فتيانهن بين السيارات على الأرصفة. نساءُ الحارات الشعبيّة بالعباءات السود. مراسلةُ الفضائية الجديدة وهي تضحك في تقريرها. المهرولاتُ ببيجامات أديداس صباحاً. لاعبة النرد في المقهى. العروس التي مرّ موكب زفافها مساء البارحة . حبيبتي الساهية عن تهتكي . ما يمكن قوله إنني فيما ألوذ بالخرس متشمّماً بشرتكِ كنتُ أرى العالم خصيباً ونظيفاً، بلا ثقب أوزون، ولا دخان أو احتباس حراري، ولا حروب إمبراطوريّات تتبادل العرش بالدم. كنت أرى العالم طازجاً وجديداً ولم يفسدْ بعدُ من سوء الاستعمال. في هبة صوفية في هبة صوفية فجائية وجدتني واقفاً على الشبر الفاصل بين الجنة والنار، وصراحة لم أجد ما يغري في تأليف "رسالة الغفران" أو الكوميديا الإلهية".. ما شعرت به هو الحاجة إلى اسمي، فلربّما أوقفتني "شرطة الفكر" عند منعطف إحدى الشطحات! كيف أفهمهم أنني قادم من لحظة ضيّعتها أو ضيّعتني، وتحديداً.. لستُ أدري!! في هبة صوفية جلست على الكرة الأرضية مقلّداً الدجاجة، وتساءلتُ في نفسي: ما الذي سوف تفقسه بيضتي؟ فأجبتُ في نفسي: لا شك حرب جديدة.. صرختُ: فلأهرب قبل أن أخسر إليتيّ! في هبّةٍ صوفية جاءت امرأة بأسمال بيضاء، محلولة الشعر وتغنّي موّالاً أحفظه.. ذهبتُ في غيبوبة السلطنة، ومع القفلة لم تكن موجودةً.. إلى اللقاء في موّال آخر يا أمّي! في هبّة صوفيّةٍ "أولاد حارتنا" يقرعون تنكات الزبالة بإيقاع مارش عسكري.. الوجوه حزينةٌ وعلى الأكتاف جثة عصفور.. في هبّة صوفيةٍ رأيتني فسألتني: عجباً.. لم تفرد راحتيكَ؟! فأجبتني: عجباً.. ألا ترى السماء على وشك السقوط؟! ============= رائد وحش