أيقنت أن المكتب التنفيذي سينفجر عاجلاً أم آجلاً. الشاعر المغربي جمال الموساوي من الأسماء الشعرية الأساسية في تجربة القصيدة المغربية المعاصرة، له مجموعتان شعريتان، ديوانه الأول: "كتاب الظل " الصادر العام 2001 عن وزارة الثقافة. وديوانه الثاني " مدين للصدفة" الصادر عن أنفوبرانت بفاس 2007العام . و حصل علي جائزة بيت الشعر المغربي في العام 2002 عن ديوانه الأول. عيونه كالأطفال تفضحه دائما بقول الصدق والحقيقة، إنه شاعر وإنسان، لايعرف للمراوغات والتملق طريقا، يقول كلمته ولايلتف للوراء، هكذا صرح ل (الزمان) أنه غير نادم لما قدم استقالته من المكتب التنفذي لاتحاد كتاب المغرب، فبدل أن يحرق أعصابه فضل أن يذهب ليكتب قصيدته ويكتب قراءات في كتب مغربية ليسهم في التعريف بها. وبكل وضوح وجرأة لا تخفيها أشعة الشمس، كشف الشاعر المغربي جمال الموساوي الملابسات التي دفعت به إلي تقديم استقالته من المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب صرح قائلا : " ما آسف له حقا، وقد قدمت استقالتي من المكتب التنفيذي بعد شهرين تقريبا من إعادة انتخابي في المؤتمر السابع عشر للاتحاد، هو أن النقاش الذي سبق توزيع المهام وصل أحيانا إلي درجات دنيا، بحيث لم يكن ممكنا الاستمرار في جو لا يمكن إلا أن يكون عقيما، واصفا الحقل الثقافي المغربي بالمريض، متمنيا في ذات الوقت ولهذا أن يعيد ما يحدث الآن داخل الاتحاد حرارة النقاش الثقافي بالمغرب، ويعيد طرح الأسئلة المرتبطة بدور المثقف والكاتب في المجتمع المغربي اليوم. وفيما يلي نص الحوار : * كيف تنظر الآن إلي اتحاد كتاب المغرب بعد تقديم استقالتك من مكتبه التنفيذي العام المنصرم؟ اتحاد كتاب المغرب مؤسسة أساسية في المشهد الثقافي المغربي. حتي حين يكون محط انتقاد، فهو يساهم بشكل غير مباشر في إثارة النقاش الثقافي، وإذا كانت الانتقادات بناءة بما يكفي فإن من شأن ذلك أن يثمر أفكارا كثيرة يمكنها أن تتحول إلي أوراش للتفكير، أو إلي مشاريع قابلة للتنفيذ. إن مشكلتنا الأساسية في المغرب، تكمن في أن النقد لا يقدم بدائل لما يراه غير صالح، أو لما لا يتفق معه. لهذا يتحدث الكثيرون عن انسحاب الاتحاد من العمل والتأثير الفعليين في الواقع المغربي من منظور ثقافي، وأحيانا من منظور ثقافي سياسي معا، وعن تخليه عن الكتاب المغاربة من أعضائه، علي الخصوص. وعندما نعمق البحث بشأن ما يريده الأعضاء من اتحادهم فإن ما يصادفنا في الغالب كإجابات لا يعدو الدعوة إلي المشاركة في أنشطة الاتحاد، أو طبع كتاب، أو تنظيم لقاء لتقديم كتاب أو الاستفادة من سفرية هنا أو هناك، وما شابه ذلك من المطالب التي لا تبدو علي علاقة مع جوهر الفعل المطلوب من جمعية مثل اتحاد كتاب المغرب، أي تعميق الأسئلة الفكرية والثقافية ذات العلاقة بالتحولات التي يعرفها المجتمع المغربي، ومدي مساهمة الكاتب أو المثقف في هذه التحولات وفي صناعة التغيير المطلوب، وفي إعادة النظر في القيم التي تحكم الإنسان المغربي وتميزه، من أجل تحصين القيم الإيجابية، والقطع مع تلك التي تساهم في إعاقة تطور المجتمع، وطبعا مهما كانت المرجعية التي تستند إليها هذه القيم. ثم هناك إشكال آخر، هو أن العديد من الكتاب المغاربة، أعضاء وغير أعضاء، يؤاخذون علي الذين يتحملون مسؤولية تدبير شؤون الاتحاد استغلال وجودهم في المكتب التنفيذي (المركزي) في تكوين وتنمية علاقات شخصية والاستفادة من ذلك كامتياز يتيح لهم التنفذ والوصول إلي تحقيق مصالح ذاتية علي حساب الاتحاد وأعضائه. هذا الإشكال يحتمل وجهين، فهو يمكن أن ينطبق علي البعض بشكل لا جدال فيه، ولكن أيضا فمفروض علي هؤلاء أن يوسعوا دائرة علاقات الاتحاد في الداخل والخارج، مع ما يمكن أن يكون لذلك من انعكاس علي مستوي العلاقات الشخصية أيضا، مادام أن الذين يمثلون الاتحاد من خلال انتخابهم في المؤتمر هم أشخاص ذاتيون. وهذا، كما قلت، لا يعني أن مسألة تحقيق المصالح الشخصية غير وارد، فهذا يحصل وحصل بالنسبة للبعض ممن تحملوا مسؤولية تدبير شؤون الاتحاد. ما آسف له حقا، وقد قدمت استقالتي من المكتب التنفيذي بعد شهرين تقريبا من إعادة انتخابي في المؤتمر السابع عشر للاتحاد، هو أن النقاش الذي سبق توزيع المهام وصل أحيانا إلي درجات دنيا، بحيث لم يكن ممكنا الاستمرار في جو لا يمكن إلا أن يكون عقيما. هذا النقاش لم يتمكن من تجاوز بعض الأشياء التي طفت إلي السطح قبل المؤتمر وظهرت بوضوح أكبر وبشكل مباشر بعده، ثم انتقلت إلي الاجتماعات الأولي التي عقدها المكتب المنتخب. وخلال الاجتماع الرابع، ونظرا للتجاذبات والتقاطبات التي تتغير معطياتها بين عشية وضحاها، أيقنت تماما أن المكتب سينفجر، إن لم يكن عاجلا فآجلا، وتأملت أفق العمل فبدا لي أننا لن نتمكن من تحقيق ولو واحد في المائة مما تحقق خلال الثلاث سنوات السابقة، بالرغم مما يمكن يؤاخذ عن تلك الحصيلة، لهذا أدركت أنه علي أن أقدم استقالتي احتراما للأصدقاء الذي شرفوني بثقتهم ومنحوني أصواتهم، حيث حللت رابعا بعد فرز النتائج. * وهل تعتقد أن الأمور في طريقها للتسوية وإعطاء نفس جديد للاتحاد لما يحصل الآن؟ بالنظر للكثير من الملابسات السيئة التي سبقت المؤتمر السابع عشر، وبالنظر أيضا لما حدث خلال الاجتماعات الأولي التي عقدها المكتب الذي تم انتخابه، وما تلا ذلك من بيانات وبيانات مضادة، وانتهاء بالإقالة التي أعلنها بعض أعضاء المكتب التنفيذي، لا أعتقد أن الأمور تتجه نحو التسوية في المدي المنظور علي الأقل. لقد أشرت إلي أن أهم ما ميز المكتب الذي انتخبه المؤتمر هو غياب الانسجام بين مكوناته. إن أي إطار مهما كان مجال اشتغاله لا يمكن أن يشتغل برؤوس متعددة، ولا يمكنه أيضا أن يشتغل إذا كان أساس العمل قائما علي تشكيل تحالفات محركها غير واضح، لأن الاختلاف داخل المكتب، وعلي خلاف ما كان يحدث في السنوات الغابرة، ليس منطلقا من اختلاف في المرجعية الإيديولوجية أو السياسية للأعضاء، أو من تعدد وجهات النظر في ما يتعلق بتدبير شؤون الاتحاد، أو من اختلاف في ترتيب أولويات العمل في البرنامج الثقافي للثلاث سنوات المقبلة، فهذا النوع من النقاش والاختلاف، لو وجد، لكان منتجا للأفكار علي الأقل، ولكان مصدر إثراء عظيم، ولتمخض عنه عمل ما، ولما أدخل الاتحاد في حالة الجمود التي عاشها طيلة ما يزيد عن سنة. لقد انحصر النقاش في الزوايا الشخصية الضيقة، ولم يبارحها. * هل استقالتك هي من أوصلت اتحاد كتاب المغرب إلي الأزمة أم كانت أسباب أخري غير ظاهرة؟ في رأيك لماذا ستكون استقالتي هي السبب الذي أو صل الاتحاد إلي حالته الراهنة؟ أشرت سابقا إلي أنني في لحظة من اللحظات أيقنت أن المكتب سينفجر، وكل ما فعلته هو أنني أردت أن يكون الرأي العام الثقافي في المغرب علي بينة مما سيحدث. لم يكن ممكنا إنجاز أي شيء في ظل جو غير سليم، فقد فيه أعضاء المكتب احترامهم لبعضهم، وبالتالي كان لا بد من خطوة ما لإثارة الانتباه لما يحدث. وفي نظري فإن أكثر ما انكشف بعد استقالتي، التي أكدت في ختامها أنا نهائية ولا تراجع عنها، هو أن أمر الاتحاد لا يعني الكثيرين من أعضائه، حجتي في ذلك أن النقاش الذي تلا ذلك لم يلامس جوهر الأزمة إلا في ما ندر. فالكثير من المداخلات واصلت الخوض في العموميات بشأن مؤاخذات أصحابها علي الاتحاد، والبعض يري فيه مؤسسة لم يعد لها لزوم في المشهد الثقافي، أو أنها مؤسسة منغلقة، ولم تأت هذه المداخلات في الكثير من الأحيان بمداخل لحل الأزمة التي وصل إليها، والتي ليست وليدة السنوات الأخيرة فقط. وكجواب دقيق علي سؤالك، أقول إنه لو كان المكتب محكوما بحد أدني من الانسجام والتوافق لتمكن من تعويضي بعضو آخر، بعد دعوة المجلس الإداري للانعقاد، كما ينص علي ذلك القانون، وهو ما لم يحدث بل بدلا من ذلك دعا بعض أعضاء المكتب إلي إعادة توزيع المهام بشكل كامل بما في ذلك الرئاسة، وكان طبيعيا، بالنظر إلي تباعد وجهات النظر وتنافرها، أن تتعمق الأزمة وتتخذ أبعادا أخري، هي ما نعيش فصولها حاليا. *ممكن أن تذكر بأسباب استقالتك بعد انتخابك بالمكتب التنفيذي ممثلا الجيل الجديد من الأدباء والكتاب؟ في بيان استقالتي أشرت إلي الأسباب التي دفعتني لاتخاذ هذه الخطوة، بشكل مجمل، ومن ذلك غياب الانسجام بين مكونات المكتب، وتنافر وجهات النظر بشكل يبدو معه من المستحيل التوصل إلي توافق، لأنها تستند إلي خلفية أساسية هي تصفية حسابات ما قبل المؤتمر، ثم إلي خلفية أخري طفت بشكل واضح في اجتماعات توزيع المهام، وهي الرغبة في احتلال إحدي المهام الأساسية في المكتب، خاصة الكتابة العامة وأمانة المال، وأيضا نيابة الرئيس. وإذا كان من شيء أريد تأكيده الآن بعد البيان الذي أصدره الأعضاء الخمسة والقاضي بإقالة الرئيس، هو أنه منذ الاجتماع الثاني الذي عقده المكتب في 15 كانون الأول (دجنبر) 2008 لاستكمال توزيع المهام، ظهرت بوادر هذا التوجه، وتكرس ذلك أكثر فأكثر في الاجتماعين الثالث بتاريخ 5 يناير 2009 والرابع بتاريخ 16 يناير 2009، حيث اتخذ النقاش منحي شخصيا محوره الأساس هو الرئيس. هنا لم يكن بالإمكان الاستمرار في جو مشحون لن يفضي إلا إلي الجمود، وكان من الضروري أن يعرف الكتاب المغاربة أن اتحادهم مريض، وأن الذين انتخبوهم في المؤتمر السابع عشر ربما ليسوا الأنسب والأكفأ لتدبير المرحلة. * وهل سبب تقديم استقالتك أنه كانت لك مآرب وشوؤن شخصية أردت أن تتفرغ لها بعيدا عن صداع الرأس؟ لقد أعدت ترشيحي لمرة ثانية، أملا في تعميق ما تحقق في الثلاث سنوات السابقة، خاصة في ما يتعلق بانتظام مجلة آفاق وتطويرها، وطبع الإصدارات، وتنظيم أنشطة من حجم وازن مثل ملتقي الهجرة ومحاضرات الشهر التي لامست موضوعات من صميم اهتماماتنا الراهنة كمغاربة، وأيضا الرقي ببعض الأفكار إلي مستوي المشاريع القابلة للتنفيذ، مثل تنمية القراءة، وجعل الشأن الثقافي ضمن أولويات القائمين علي تدبير الشأن العام وغير ذلك. إلا أنه بالرغم من إعادة انتخاب 5 أعضاء من المكتب السابق خلال المؤتمر السابع عشر، وهو ما كان يفترض أن يشكل نقطة قوة للمكتب، علي العكس من ذلك، كان غياب التوافق والانسجام ولو في حدهما الأدني هو الذي حصل، وهو ما دفعني إلي تقديم استقالتي. * وهل انتابك شعور بالندم بعد تقديم استقالتك؟ هناك أمر مهم أود أن أشير إليه، جوابا علي هذا السؤال. بعد أن بدا لي من خلال الاجتماعات الأربعة التي عقدها المكتب بعد المؤتمر أن العمل غير ممكن، قررت تقديم استقالتي، ولم يكن تصرفي مطبوعا بالاندفاع أو شيء من هذا القبيل. اتصلت بأحد الأصدقاء أكن له ما يستحق من التقدير وهو عضو من أعضاء الاتحاد، تجربته أكبر من تجربتي وحضوره أقوي من حضوري في المشهد الثقافي المغربي، فطرحت عليه الموضوع، وامتد بنا الحديث في الهاتف لما يقارب 3 ساعات، ولا أنكر أنه ناقش معي الموضوع من جميع زواياه، بيد أنني حاججته بما لدي، ليقول لي في النهاية "إن الأمر يبدو لي معقولا"... بعد ذلك اتصلت بصديق آخر أقدره أيضا، وهو مثل الأول لن يَكذِبَني خبرا كما يقال، فوجد الأمر معقولا أيضا. لهذا لو أنني اتخذت قرارا متسرعا أو مندفعا، لكان مبرر هذا السؤال معقولا. أضف إلي ذلك أن النقاش الدائر حاليا، والذي مع الأسف لا يساهم فيه كل أعضاء الاتحاد، هو نقاش إيجابي، لأنه يطرح من جديد قضية دور الاتحاد في مغرب اليوم، خاصة بعد مرحلة التناوب، أو الانتقال الديمقراطي الذي انطلق سنة 1997. أعتقد أن التحول الذي عرفه المغرب في المجال السياسي من خلال حكومة التناوب، انعكس بشكل جلي علي اتحاد كتاب المغرب وعلي أدائه. ولهذا أتمني أن يعيد ما يحدث الآن داخل الاتحاد حرارة النقاش الثقافي بالمغرب، ويعيد طرح الأسئلة المرتبطة بدور المثقف والكاتب في المجتمع المغربي اليوم، خاصة أنهما فقدا تأثيرهما إذا ما قورن هذا التأثير بما كان لهما من إسهام في تشكيل وعي الناس في النصف الثاني من القرن الماضي. *وهل عاتبك الأصدقاء ... أم نوهوا بجرأتك؟ لم أنتبه كثيرا لهذا الأمر، وكما قلت سابقا، أردت أن يعرف الكتاب المغاربة أن اتحاد الكتاب لن يمكنه من تحقيق أي شيء خلال الولاية الحالية وذلك للأسباب التي قمت بتعدادها. لكن لا أنكر أن الكثير من الأصدقاء ثمنوا استقالتي باعتبارها كشفا لوضعية كان من الممكن أن تبقي مستورة إلي أجل آخر، دون أن يكون عموم أعضاء الاتحاد علي علم بأن الأمور داخل المكتب ليست علي ما يرام، ولكن بالمقابل هناك أصدقاء آخرون، أقل عددا، رأوا أنه كان بإمكاني الانتظار قليلا قبل اتخاذ هذا القرار.