قال الشاعر المغربي عبد الرفيع جواهري:»علمتني المدن أن أغادرها كي أعود إليها،وها هي فاس التي غادرتها وسني لا يتجاوز 16 سنة،أعود إليها رمزيا وفي يدي هذا الديوان (كأني أفيق) الذي أحاور فيه فاس أو ربما أحاور ذاتي.لهذه المدينة شعريتها.والمدن عندي كالنساء ،لكل مدينة سحرها وسرها وعطرها الخاص،إنها تخفي فتنتها عن العيون لأن هذه الفتنة لا ترى بالعيون..». واستطرد قائلا في لقاء مفتوح نظمته مؤسسة نادي الكتاب بالمغرب مساء يوم الخميس الأخير بقاعة قصر المؤتمرات بفاس:»إن هذه المدن التي فرضت نفسها على الشعراء في الشرق كما في الغرب قد شكلت مبحثا من مباحث النقد الحديث .. فلكل شاعر مدينته أو مدينته الضائعة التي يهرب منها أو تطارده أو التي يسكنها وتسكنه ، وما أجمل أن نتذكرها في شعرية محمد السرغيني ، فللمدينة جمالية استثنائية،وجمالية المكان أو الفضاء هي التي تدخل في جمالية المعمار الشعري ..». وأوضح صاحب القمر الأحمر أن تجربة ديوانه الشعري الأخير الصادر هذه السنة عن منشورات بيت الشعر في المغرب «كأني أفيق» هي عودة إلى الطفولة وعبور في الأمكنة وإصغاء لشهقات أرواح من قتلوا في هذه المدينة مضيفا أن في هذا الديوان عبقا صوفيا،والذي يقرأ الشعر الصوفي في جماليته يحس بإنتاج الجمال كما أن اشتغاله على المدن ابتدأ من ديوانه الثاني «شيء كالظل». واعتبر الناقد حسن مخافي الذي حل ضيفا على الصالون الثقافي لمحاورة الشاعر أن جواهري رغم تصنيفه ضمن الشعراء الستينيين إلا أن الناظر إلى قصائده يستعصي عليه التصنيف، فهو شاعر كل الأجيال.وعلى مدى تجربته الطويلة تنوعت نصوصه النثرية والشعرية في الزمان والمكان دون أن يسقط في فخ التجريب ومن هنا تأتي أصالة هذا الشاعر. ورغم هذا التنوع فإن هناك خيوطا تشد التجربة لبناء عالم رؤيوي دون أن ينفلت من سحر الذات ولواعجها. واختيار المدينة كتيمة هو اختيار موفق بل إن جواهري حقق سابقة في العالم العربي حين خصص ديوانه «كأني أفيق» لمدينة فاس التي شكلت أفقا إبداعيا تعامل معه الشاعر من الداخل لا من الخارج. وفي ديوانه الأخير «الرابسوديا الزرقاء» الصادر عن منشورات وزارة الثقافة هناك مناجاة لبعض المدن مثل كازابلانكا وتطوان (تحت قباب طائها) واشتغال على الحروف.وقد استلهم الشاعر عنوان هذا الديوان من معزوفة سمفونية للموسيقار الأمريكي «جورج غيرشوين»مزج فيها بين الطابع الكلاسيكي السامفوني وموسيقى الجاز. وتحت إلحاح الجمهور،صدح الشاعر على إيقاعات موسيقية ببعض قصائده من ديوان «كأني أفيق» قرأ منها «كأني أرى»،»فوق قرميد سينك»و»كتبتك بالصمغ» ليختتم اللقاء بحفل توقيع ديوانيه الأخيرين وإهدائه لوحة تشكيلية من إنجاز الفنان حسن جميل عربونا على محبة صاحب النافذة الذي كرس قلمه على امتداد مساره الفني والفكري للكتابة الساخرة والإبداعية والقصائد التي تغنى بها رواد الموسيقى المغربية..