الحضور ضمن مسارات الدبلوماسية الموازية، سواء تعلق الأمر بالسياقات الثقافية و الإشعاعية واحد من بين الأهداف التي ترسمها الدبلوماسية المغربية تحت زعامة عاهل البلاد الملك محمد السادس، سياسة رشيدة يرسمها جلاته بالتوزاري مع أهداف تمتين العلاقات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية مع دول إفريقيا، تلك المبنية على التاريخ العريق، والروابط الدينية فضلاً عن حركة المبادلات التجارية والتدفقات البشرية. الحدث البارز في موريتانيا الجارة، كان موعداً لتجسيد هذا التوجه الأصيل، فعاليات النسخة التاسعة من مهرجان المدن القديمة، واحد من أبرز المواعيد الثقافية و التراثية، إن لم نقل الأهم، إحتضنته هذه "شنقيط"، المدينة التاريخية، التي استقبل المملكة كضيف شرف، ممثل بوفد رفيع المستوى، ترأسه وزير الثقافة والشبيبة والرياضة، وضم إلى جانبه كل من المدير العام لوكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليم الجنوب، مؤسسة الموكار، ومؤسسة دار الصانع.
فضلا عن ثلة من المثقفين، الخبراء، الفنانين، الشعراء والأدباء، الذين مثلوا المغرب بمختلف تلاوينه التراثية، الحضارية، الفكرية والفنية.
مشاركة بأهداف كبرى تتبع خطوات التوجيهات الملكية
مشاركة تأتي أيضاً في سياق اهتمام متنامي اضحى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يوليه للجارة الشقيقة موريتانيا، لما بين البلدين من علاقات وروابط متعددة الروافد والجذور، شهوراً قليلة بعد استضافة الجمهورية الاسلامية الموريتانية كضيف شرف في فعاليات مهرجان "اموكار طانطان" في دورته الخامسة عشر، و التي نظمت تحت شعار : "موسم طانطان ... حاضن لثقافة الرحل العالمية".
و طيلة مقامه بالدولة الموريتانية، حظي الوفد المغربي بكرم الضيافة وعظيم العناية وحسن الاستقبال، واضعاً نصب أعينه توطيد جسور التواصل بين المكونات الثقافية والفكرية المغربية، تلك المنطلقة من أقاليمنا الجنوبية، تجاه مختلف دول الصحراء الافريقية؛ وخصوصا مع الدولة الموريتانية التي تعتبر بوابة رئيسية الى دول غرب افريقيا.
•إلى جانب تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، من بوابة التواصل الثقافي والجيواستراتيجي، المتعزز بفضل روابط التاريخ العميقة، فموريتانيا كانت ممرا اساسيا إلى المغرب مند ما قبل الميلاد، و لا يخفى على أحد عمق روابط المقاومة المشتركة ضد المستعمر، فضلا عن وجود مقومات ثقافية مشتركة لا يمكن إنكارها، و على رأسها الثقافة الحسانية.
و بلا شك كان من بين أهم الأنشطة التي حرص الوفد على تنزيلها هناك، ترويج نماذج التنمية الغنية التي تزخر بها الأقاليم الصحراوية للملكة، تلك التي تعتبر نموذجاً يحتذى به بالنسبة للدول الإفريقية التي تحاول بلورت سياساتها العامة، على استراتيجيات محلية و جهوية، تستهدف كما هو في المغرب، إشراك الفاعلين المحليين و إنعاش دينامية التنمية.
و من منظور تكاملي ركز الوفد على مستقبل التعاون المبني على التكامل الاقتصادي و البشري الإفريقي، في مستقبل توحيد قدرات الانتاج والتصنيع، المنافسة في أفق فك الارتباط مع الميتربولات العالمية، و الخروج من التبعية الى الاعتماد على الذات، وبالتالي الانتقال من نموذج تنموي متخلف او ما ما يسمى نموذج التخلف الافريقي لجنوب الصحراء الى نموذج تنموي جديد ومتطور مبني على التنمية الذاتية والمستقلة.
لا كرسي فارغ بعد اليوم .. المغرب إلى جانب تمثيلية بارزة تعكس جدية التطلعات
بين المغرب و موريتانيا لم يعد هنالك وقت لإضاعته، حدث كبير لم يدع المغرب فيه الكرسي فارغاً، خصوصاً في ظل لائحة الوجوه الحاضرة، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتاني، وزير الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان ، وزير التنمية الريفية، والي ادرار، عمدة شنقيط، فضلاً عن : وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة الجزائرية، وزير الثقافة بالنيابة، سفراء الدول المعتمدة بالجمهورية الاسلامية الموريتانية، شخصيات مغاربية، افريقية، عربية ودولية، فعاليات المجتمع المدني .
حضور المملكلة كضيف شرف في فعاليات مهرجان شنقيط للمدن العتيقة بالشقيقة موريتانيا، شمل برنامج غني بمضامينه ومتنوع فقراته ووقع انشطته الاشعاعية التي شكلت قيمة مضافة للحدث، باعتراف كثير من الفاعلين الثقافيين والاعلاميين والسياسين والجمعويين؛ تضمنت تنظيم معرض مشكل من أروقة متعددة المنتوجات: منتوجات من الصناعة الثقليدية، كتب حول مدن وثقافة الصحراء، تقارير، منشورات، حلويات ومأكولات تبرز مهارة الصانع المغربي ، أروقة اشترك في فيها مجموعة من المؤسسات التي تمثل الدولة المغربية في اطار متناسق ومتناغم وتشاركي، في مقدمتها وزارة الثقافة والشباب والرياضة، قطاع الثقافة؛ ووكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليم الجنوب؛ دار الصانع المركز الثقافي المغربي بنواكشوط؛ مؤسسة "الموكار".
كما تم تنظيم ندوة فكرية تحت إشراف وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليم الجنوب، حول موضوع: الأسس المشتركة في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين جنوب المغرب وبلاد شنقيط وقد تضمنت هذه الندوة جلستين متتاليتين، الاولى ترأسها الدكتور الطالب بويا ابا حازم المنسق الجهوي للتعاون الوطني بجهة كلميم واد نون، تمحورت حول مواضيع: أشكال الارتباط بين الخصوصيات المجالية والموروث الثقافي لمجتمع البيضان من واد نون الى نهر السنيغال .
ثم اشكال الانتقال من البداوة الى التمدن بالصحراء مقاربة سوسيو-ثقافية، و كذا محور القوافل التجارية التقليدية بالصحراء الكبرى ودورها في خلق ديناميات اقتصادية بدول المنطقة، إلى جانب الأسس المشتركة في التاريخ الاجتماعي والثقافي والاقتصادي بين جنوب المغرب وبلاد شنقيط"؛ ملامح من التراث الثقافي المغربي من خلال المدن العتيقة المصنفة تراثا عالميا؛ التراث المخطوط بالمغرب الإسلامي من خلال ذخائر الخزائن المغربية.
كما تميزات أيام المهرجان بالمشاركة الفنية بمختلف امسيات وسهرات المهرجان من خلال مشاركة شعراء مغاربة وفرق غنائية وعلى رأسها: فرقة الأصالة لفن المديح والسماع، فضلا عن توقيع اتقافيات التعاون تهم المجال الثقافي والاجتماعي والرياضي بين المغرب وموريتانيا.
كما أن نجاح وتميز المشاركة المغربية في مهرجان شنقيط يرجع الى الدور الفعال الذي قامت به وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليم الجنوب في شخص مديرها العام جبران الركلاوي الذي عمل على اعطاء نكهة خاصة للدور المغربي في المهرجان من خلال طبيعة المشاركين وتنوع وتعدد مضامين الانشطة المقدمة ان فكريا او ثقافيا او فنيا او على مستوى المنتوجات اليدوية المعروضة في اروقة المهرجان وهذا يدل على الادوار والوظائف التنموية التي تقوم بها الوكالة، في مختلف المجالات، كفاعل مساهم في بناء استراتيجيات تنموية ترمي الى اقتراح البدائل والحلول الاشكالات اجتماعية واقتصادية في اطار برامج التنمية المستدامة والتشاركية.
مشاركة فاعلة و حصاد مميز ..
على ضوء مهرجان شنقيط للمدن القديمة خلال دورته التاسعة لسنة 2019 ومن خلال مشاركة المملكة المغربية كضيف شرف بهذه التظاهرة الثقافية والفنية؛ لوحظ أن امكانيات التعاون متعددة ومتنوعة وفي مختلف الميادين والمجالات، الشيء الذي جعل المغرب بفضل التوجيهات الملكية السامية اعطاء الاولوية للتعاون الافريقي الافريقي كشكل من اشكال التضامن بين دول المنطقة وكاستراتيجيا تنموية تستهدف تقوية وتعزيز العلاقا المتعددة الاطراف بين بلدان افريقيا من اجل فتح افاق التنمية المستدامة والتشاركية التي تعمل على تثمين مختلف الموارد الطبيعية والبشرية الموجودة بشكل تكون معه رافعة للتنمية والتكامل بين مختلف الدول الافريقية.
في نفس المنحى شكلت مشاركة المغرب في مهرجان شنقيط للمدن القديمة بموريتانيا ترجمة فعلية واجرائية لتوجهات صاحب الجلالة التي تولي اهنماما خاصا للعلاقات المغربية الموريتانية المبنية على اسس متينة وعريقة من تقاسمها للتاريخ وللجغرافيا والثقافة واللغة والدين الخ.....وهي كلها علاقات ترسخ لثقافة حسن الجوار والتواصل الثقافي والتعاون الاقتصادي والانفتاح السياسي وتبادل الخبرات في القطاعات التقنية والصناعية وفي مجال تأهيل وتنمية الموارد البشرية الهائلة التي تتوفر عليها المنطقة وكذا تثمين الموروث الثقافي كمشترك تاريخي وانساني بين الشعب المغربي والموريتاني؛ كل هذه التوجهات الاستراتيجية والاقليمية تشكل رهانا تنمويا تستهدف من خلاله الاقاليم الجنوبية وعبرها الانفتاح على افريقيا، من خلال نموذج تنموي جديد ملائم للخصوصيات المجالية والبشرية والسوسيواقتصادية للاقليم الجنوبية في اطار مقاربة تشاركية تأخذ بعين الاعتبار معارف ومهارات وانتظارات العنصر البشري المكون لهذه الاقاليم وربط هذا النموذج بمقاربة انفتاحية على المحيط الاقليمي الافريقي.