يتردّد صدى أحاديث خافتة بين الجدران، مصحوباً بسمفونية المياه المنعشة، وهي تتساقط على أجسادٍ لا تغطيها سوى أقمشة حمراء تتدلى بارتخاء على أجسادهن. إنها مشاهد نراها غالباً بعيون الغرب. ولكن، ما الذي يجسده مشهد الحمامات التقليدية هذا لنساء العالم العربي؟ تجيب المصورة يمنى العرشي على هذا السؤال. وبعد فترة قصيرة من انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية، شعرت المصورة اليمنية الأمريكية يمنى العرشي بالانكسار، بسبب خوفها من أن تمنع دعوة ترامب بحظر دخول المسلمين إلى أمريكا، أفراد عائلتها اليمنية من الدخول إلى البلاد، بالإضافة إلى شعورها بال"غضب" من النظرة التي ينظر فيها الغرب إلى المسلمين.
وبعد فترة قصيرة من الانتخابات، عُرض عليها العمل على مشروع جديد كجزء من مبادرة "ASOS Supports Talent" العالمية التي أطلقتها علامة الأزياء البريطانية "ASOS" بهدف رعاية المواهب الشابة والمبدعة. وهكذا، وُلد مشروع "Shedding Skin" الذي يبيّن نساء عربيات في الحمامات التقليدية، بعيون جديدة، حيث أنه يهدف إلى إنهاء الصورة النمطية التي تُظهرهن وكأنهن مضطهدات.
وفي مقابلةٍ مع موقع CNN بالعربية، تحدثت العرشي، المقيمة في لندن، عن الإلهام وراء مشروعها قائلةً إن "هذه الصورة لنساء شرقيات في الحمامات هي من إحدى الصور التي نراها كثيراً في تاريخ الفن..وغالباً ما تكون هذه الصور هي التمثيل الوحيد لنساء الشرق الأوسط في المتاحف. ومع ذلك، هي دوماً تُصنع من قبل رجل غربي".
ومن خلال عملها على صور مألوفة للنساء في الحمامات، أرادت المصورة "إغراء" الجمهور الأمريكي بشيء جميل. ولكن سرعان ما يدخل الجمهور غرفة العرض، ليتفاجأ بفيلم قصير مدته 8 دقائق يعرض الصور ذاتها. ولكن يصاحب الفيلم تعليقاً صوتياً "قوياً" من المصورة نفسها، يتحدث عن "الظلم الذي تواجهه نساء مثلي".
ومن خلال مشروعها، تتلاعب المصورة اليمنية بمفاهيم الاستشراق، وهو المصطلح الذي صاغه المفكر الفلسطيني حامل الجنسية الأمريكية، إدوارد سعيد. وشرحت اليمنية قائلةً إن "الكلمة جوهرياً ترتبط بالتصوير الاستعماري للجميع ما عدا المُستعمرين أنفسهم".
ويُعد هذا المشروع نداءً من العرشي ل"استعادة المساحات الخاصة بنا"، والتي لُونت بطابع استشراقي من قبل العالم الغربي.
وبين صدى أصوات المياه والهمهمات الخافتة للنساء بين جدران الحمامات، يُسمع صوت العرشي وهي تتحدى الصورة النمطية التي شكّلها الرجل الغربي عن نساء العالم العربي قائلةً: "لقد حاولت بكل طريقة الامتثال والالتزام لإرضائك. إن قيودك المفروضة على روحي لم تعرف نهاية. ومع ذلك، أنا ألتوي لأنني لا يمكن أن أُكسر".
وبالنسبة لما ترمز إليه هذه الحمامات بالنسبة لنساء العالم العربي، قالت العرشي إن هذه الأماكن "مقدسة، وهي مساحات شافية. والتجمع فيها هو وسلية مجتمعية للعناية الذاتية بالنفس، والآخر أيضاً".
وأشارت المصورة إلى أن النساء اللواتي تموضعن أمام الكاميرا كنّ يألفن أعمالها، إذ وافقن على "التموضع بأسلوب منفتح".
وبالمزيد من التعابير الشاعرية، تغنّت المصورة بهذه المساحات النسائية، ورمزيتها بالنسبة للمرأة قائلةً: "في الوقت الحالي، هذا المكان هو منزلي. وأنا ببساطة أقوم بتعليق ملابسي وشق طريقي للداخل. وفي هذا المكان، العملة التي تتمثل بالملابس والجمال ليست مقبولة. إنها بلا فائدة، وأنا أشعر بالحرية".
وعندما يقترب مقطعها الصوتي من الانتهاء، تُضيف العرشي: "أنوثتي هي كل ما تبقت لي. وهنا أنا بعيدة. وهنا أنا لست لوحدي. وأنا أنظر إلى هذه الطبقة من الظلام التي تنزلق من جلدي، وأتساءل: هل حقاً تَرَى فرقاً بيني وبينك؟"