في هذا الجزء الثاني من الحوار المطول، يستمر السيد صلاح الوديع في الحديث عن أسرار و خبايا تأسيس حركة "لكل الديمقراطيين"، و عن بعض الكواليس غير المروية في علاقة الحركة بتأسيس حزب "الأصالة و المعاصرة"، ليخلص في الأخير للقول أن الحركة لم تكن مجرد رقم جديد في الفضاء السياسي، و سيكون لها حياة أخرى، و لو بشكل آخر. لنتابع ! خلال السنة الأولى لتأسيس الحركة سلطت عليكم الأضواء إعلاميا، حيث كان الجميع يروج أنكم يمكن أن تشكلوا قوة اقتراحية على مستوى الأفكار، في ظل انسداد الأفق الذي كان يشعر به المغاربة في تلك الفترة (2007). أنت شخصيا هل كنت تعتقد أن الحركة ستحقق أهدافها؟ حين بدأ النقاش داخلنا بخصوص "حركة لكل الديمقراطيين" وآفاقها، في علاقتها مع الحزب الذي تأسس (الأصالة والمعاصرة)، كنت من الذين رأوا ودافعوا باستماتة عن عدم توقيف نشاطات الحركة، وهناك عضو آخر دافع عن نفس الطرح إلى النهاية.
من هو هذا العضو؟ يبدو أنك مصر على معرفة اسمه؟
نعم، فهذا يدخل في إطار الفضول الصحفي هو السيد حكيم بنشماس. طبعا لم نكن الوحيدَين، ولكن كنا أكبر المدافعين، حيث كان لحكيم بنشماس وعي كبير بخصوص ضرورة استمرار نشاط "حركة لكل الديمقراطيين" بعد تأسيس حزب "الأصالة والمعاصرة".
الدليل على أن الأسئلة الكبرى ستظل تطرح باطراد واستمرار وتتطلب الجواب والاجتهاد هو ما نراه اليوم في العالم. عالم اليوم ليس عالم الأمس، ويكفي أن نستحضر ما يقع اليوم في فرنسا، وهي من بين البلدان المؤسسة للديمقراطية، مما يطرح الكثير من الأسئلة بخصوص ضرورة إعادة النظر في مجموعة من مسلمات الديمقراطية في أفق تطويرها لتجيب عن تحولات المجتمع.
بالعودة إلى سؤالك، أقول لقد وقعت تحولات كبرى في العالم، فمن الضروري مرافقتها من موقع نقدي تحليلي، يكون فيه الأفق الاستراتيجي حاضرا بقوة، وليس فقط الاهتمام بالأشياء العملية التدبيرية، صحيح هي ضرورية لكن ليست كافية.
من جهة أخرى، حينما تتقدم جماعة أمام المجتمع لتقول له نحن نرى أن سيرنا جميعا يجب أن يتجه في هذا الاتجاه، والواقع أن حركة "لكل الديمقراطيين" حالة من هذه الحالات، وبعد كل هذه السنوات، هناك مسؤولية أخلاقية (Responsabilité morale) يتحملها كل من ساهم في إنشائها ليعطي الحساب ويقول للمجتمع ما الذي أنجزته هذه الحركة وما الذي لم تنجزه، ولماذا لم تنجزه؟ وفي هذا الصدد فكل أعضاء المكتب مساءلون تاريخيا وأخلاقيا أمام المجتمع للجواب على هذه الأسئلة.
وأنت بدورك مدعو للإجابة على هذه الأسئلة؟ طبعا، هل تعرف لماذا قبلت أن أجري معك حوارا حول الحركة، فقط لأنني أرى أنني مساءل بدوري.
(ضاحكا) من المؤكد أنك على رأس المساءلين لأنك من المؤسسين وليس من المنضمين إلى الحركة. في يناير 2008 خرجت في تصريح لجريدة "المساء" تقول فيه: "... ليست هناك نية لأصحاب فكرة لكل الديمقراطيين لتأسيس حزب سياسي"، لكن بعد أسابيع فقط من هذا التصريح ستبايعون حسن بنعدي أمينا عاما لحزب "الأصالة والمعاصرة"، وسيكون اسمك من بين قائمة مؤسسي حزب "البام". ما الذي تغير؟ أولا هي لم تكن بيعة... ثانيا شخصيا بقيت على نفس الرأي إلى آخر لحظة، وهذا يمكن أن يشهد به أي واحد من المؤسسين، ويمكنك الاتصال بأي منهم ليؤكد لك هذا الكلام، ورغم أنني لم أكن موافقا إلا أنني انخرطت في العمل.
لماذا؟ من المؤكد ستقول لي إنك استجبت لقرار الأغلبية؟ تماما، هذا هو الواقع، قلت إن هذا المركب ركبناه جميعا، والآن أصبحت أقلية في هذا الرأي بعد أن كانت أغلبية، لكنني يجب ألا أترك المركب وأرحل.
هل تتذكر الأسماء التي كانت تدافع باستماتة عن ضرورة تأسيس حزب سياسي؟ أترك لخيالك أن يجيب على هذا السؤال...
يقال إن السيد فؤاد عالي الهمة كان من أشد المدافعين عن فكرة ضرورة تأسيس حزب سياسي؟ يمكن أن تسأله وسيجيبك، وعلى كل فالمواقف كان يعبر عنها علانية خلال اللقاءات التواصلية، وهو صرح بذلك في لقاء البيضاء التواصلي...
(ضاحكا)... من المؤكد أن راسك قاصح كما يقول عنك أصدقاؤك ... ... أنا أجيبك على أسئلتك أول بأول.
بعد تأسيس حزب "الأصالة و المعاصرة" سيستقيل السيد فؤاد عالي الهمة من هذا التنظيم السياسي، هل مع هذه الاستقالة كانت بداية نهاية حزب "الأصالة والمعاصرة" الذي كنت جزءاً منه، أو بتعبير آخر كيف استقبلتم هذه الاستقالة؟ أنت تجرني إلى الحديث عن حزب "الأصالة والمعاصرة"، وقد قلت لك قبل قليل إنك يمكن أن تسأل المسؤولين عن هذا الحزب.
لكن أنت كنت من مؤسسي هذا الحزب، وبالتالي فأنت اليوم مساءل؟ لكن اتفقنا على أن نخصص هذا الحوار ل "حركة لكل الديمقراطيين" وليس لحزب "الأصالة والمعاصرة".
لكن "الأصالة و المعاصرة" هو استمرار و إفراز ل"حركة لكل الديمقراطيين"؟ طبعا، بمعنى ما، وكجواب على سؤالك فقد تقبلت استقالة السيد فؤاد عالي الهمة تماما كما تقبلت استقالة أي عضو، من حقه أن يستقيل، يمكن قراءة هذه الاستقالة بطرق متعددة، لكن أعتقد أن حزب "الأصالة والمعاصرة"، لديه من الأسباب الداخلية ما يجعله مستمرا إلى اليوم، لذلك لا يمكن أن نقول أن استقالة فؤاد عالي الهمة حدث أكثر أهمية من استقالة شخص آخر، وهذه هي الصراحة من الناحية الديمقراطية.
كنت تتواصل باستمرار مع السيد فؤاد عالي الهمة هاتفيا وتناقش معه أفكار "حركة لكل الديمقراطيين" ثم "الأصالة والمعاصرة"، كنتما تختلفان في العديد من المرات وتتفقان في العديد من الأحيان، إذا طلبت منك تقييما للرجل، ماذا ستقول؟ في العام 2011 عندما نشرت نقدا لحزب "الأصالة والمعاصرة" كنت قد انتقدته شخصيا، بشكل علني، والسيد فؤاد عالي الهمة لم يجد غضاضة في أن أنشر نقدا له على الصحف، بل أذكر أنه اقترح علي – بمبادرة منه - أن يُترجم التقييم إلى الفرنسية لكي يستفيد منه المفرنسون، واعتبرت ذلك مبادرة مهمة. فليس من السهل أن تنتقد شخصا ثم يتصل بك ليقول لك انشر هذا النقد بلغة أخرى، هذا حدث يستحق أن أذكر به.
ما دمت مصرا على أن حوارنا منحصر فقط حول "حركة لكل الديمقراطيين"، البعض يقول إنكم استعملتم كثيرا اسم الملك محمد السادس، وكان بعضكم يدعي القرب من الملك، ما دام واحد من أصدقائه موجودا معكم، واليوم أصبحت تطلق على بعض عناصركم النشيطة داخل الحركة ثم حزب "البام" أوصاف مثل "صديق صديق الملك"، وأشياء أخرى من هذا القبيل؟ أنا الذي أحتفظ بنسخة من محاضر اجتماعات "حركة لكل الديمقراطيين"، يمكن أن أقول إنه لم يحدث أبدا أن أُخذ بعين الاعتبار عنصر ما من أجل اتخاذ موقف خارج عن النقاش في حد ذاته، فقد كانت قرارات الحركة تأتي بعد نقاش طويل من داخلها، نقاش لن أقول إنه كان حادا ولكنه كان جديا وصريحا.
في دجنبر 2012 سيكتب صلاح الوديع رسالة الوداع وسيستقيل من حزب "الأصالة والمعاصرة"، وهو أيضا انسحاب أوتوماتيكي من "حركة لكل الديمقراطيين"؟ أبدا، أنا لازلت عضوا في "حركة لكل الديمقراطيين"، وسأنتظر يوما أن يتم تقييم هذه التجربة، ومع جميع من شارك فيها بدون استثناء.
هل مازالت حركة لكل الديمقراطيين على قيد الحياة؟ سأعطيك مثالا مبسطا وطريفا حتى تتضح الصورة للقارئ. الضريبة على الشركات أو الأفراد أو أي ضريبة أخرى إذا لم تقم بإيقافها لدى مصالح الضرائب تتبعك إلى ما لا نهاية، هكذا هي حركة "لكل الديمقراطيين"، وجميع من كانوا في هذه الحركة "مزال تابعاهم هاد الضريبة الأخلاقية"، حتى يتخذوا في يوم ما قرارا ويقوموا بحل الحركة، بعدها لن يبقوا مساءلين.
هل اقتنعت اليوم أن "حركة لكل الديمقراطيين" كانت فقط مجرد رقم جديد ولم تكن مشروعا مستقبليا؟ لو كانت مجرد رقم جديد، ما بقي الحديث عنها إلى اليوم، و"حركة لكل الديمقراطيين" ستكون لها حياة أخرى، ولو في شكل آخر. أتمنى ذلك على كل حال.
يبدو ذلك ممكنا، خاصة بعد فشل تجربة حزب "الأصالة والمعاصرة" الذي يعرف اليوم تشرذما غير مسبوق؟ هذا السؤال يمكن أن تطرحه على قياديي الحزب.