من المؤكد أن الملف الرياضي سيكون موضوعا على مكتب الملك محمد السادس خلال السنة الجديدة التي سنستقبلها، فبعد تربع الملك محمد السادس على عرش المملكة، كانت الرياضة في الصفوف الهامشية في أجندة الملك، والسبب أنه كانت هناك أولويات أخرى من قبيل قضايا الصحراء والتشغيل والقضايا الاجتماعية، والتي نتجت عنها عدة مبادرات ملكية من قبيل هيئة الإنصاف والمصالحة والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005 وخلق دينامية في مؤسسة محمد الخامس للتضامن، مما يعني أن الجانب الاجتماعي هو من كان حاضرا بقوة في أجندة الملك الجديد، فكان من الطبيعي أن تتوارى الرياضة في ظل وجود مجموعة من الأولويات. تواري الرياضة في أجندة محمد السادس دام حوالي 9 سنوات، وفي سنة 2008، عبر محمد السادس في رسالة ملكية أن لديه انشغالات بالرياضة وأعطى توجهاته الكبرى بمناسبة المناظرة الوطنية للرياضة 2008، فكانت توجيهاته قوية وجاءت عكس باقي الرسائل الملكية الموجهة للمناظرات التي كانت تتميز بطابع بروتوكولي وفيها الكثير من لغة التشجيع والتنويه.
ففي مناظرة الرياضة جاءت رسالة الملك قوية، كانت عنيفة بعد توجيهه لاتهامات للجسد الرياضي، وأقر بوجود سوء التدبير، وقال أن هناك أشخاص استغلوا الرياضة كمطية للوصول إلى أهداف أخرى، وهذه الرسالة استبشر بها الجميع، لأنها شكلت بداية حضور أو وضع الملف الرياضي على مكتب الملك، وتكرس ذلك بمنحتين، الأولى منحة لجامعة كرة القدم بقيمة 25 مليارا، والثانية بقيمة 33 مليار سنتيم موجهة للجنة الأولمبية من أجل إعداد رياضيين ذوي مستوى عالي، وهذا يدل على أن الملك حاضر في الحقل الرياضي ليس كتوجيه ولكن أيضا كدعم مالي، وتكرس ذلك في أن الجهاز الحكومي قام بتنزيل الرسالة الملكية، من خلال الترسانة القانونية وخاصة حول العنف في الملاعب، مادامت الرسالة الملكية نبهت لذلك، ثم القانون الخاص بالمنشطات، ثم بادرت الجامعة ووزارة الشباب والرياضة إلى مباشرة الاحتراف في كرة القدم.
لكن في مقابل ذلك لمسنا أن الدورات الأولمبية كانت مخيبة للآمال منذ 2010 إلى غاية 2018، وبينت أن المجهود الذي بدل لم يفرز نتائج، فكانت النقطة المضيئة هي أن المغرب تقدم مجددا لاحتضان كأس العالم 2026. والترشح لاحتضان كأس العالم هو إرث ورثه محمد السادس عن الراحل الحسن الثاني الذي كان مصرا على احتضان المغرب لكأس العالم حتى في الوقت الذي كان فيه المغرب يعيش فترة تطبيق النظام الهيكلي المبني على التقشف، وفي الوقت الذي عرف فيه المغرب أزمة اقتصادية أدت إلى أن المملكة كانت على شفا حفرة من السكتة القلبية، رغم ذلك كان الحسن الثاني مصرا على تنظيم دورتين، دورة 1994 و1998.
وعندما تسلم محمد السادس الحكم وضع أمامه في السنتين الأوليين من حكمه ملف احتضان المغرب لكأس العالم 2006، ودخل المغرب بشكل خجول في آخر لحظة، فكان إدريس بنهيمة المكلف بالملف مرتبكا، وكان معروفاً بشكل مسبق أن المغرب يواجه قوى عظمى من قبيل ألمانيا وانجلترا وجنوب إفريقيا. وبعد خسارة المغرب لتنظيم مونديال 2006 تقدم لاحتضان مونديال 2010، فكان على أعتاب الفوز، وكلنا يعرف ما وقع من تلاعبات، والدليل على ذلك أن القصر لا يمكن أن يخاطر أو يراهن بحضور فرد من أفراده في شيء خاسر، من خلال حضور الأمير مولاي رشيد في 15 ماي 2004 بجنيف لحفل إعلان البلد الفائز بشرف التنظيم، وقرأ رسالته أمام المكتب التنفيذي للإتحاد الدولي، مما يعني أن المغرب كان واثقا من الفوز، فوقعت أمور آخر لحظة التي كشف عنها فيما بعد ميشيل بلاتيني، وبينت أنه حدثت تلاعبات من طرف جوزيف بلاتر، فاختار المغرب التواري إلى الخلف بعد هذه الضربة، ولم يترشح لاحتضان مونديال 2014 و2018 و2022، لكن بعد ذلك حدث أمر أساسي يدل على أن محمد السادس له توجه رياضي ونظرة ثاقبة، ففي يوم خسارة المغرب لشرف تنظيم مونديال 2010، خرج الوزير الأول ادريس جطو ليقول في تصريح: "المغرب سيستمر في بناء بنيته التحتية الرياضية كما لو أنه سيحتضن كأس العالم"، فربحنا بذلك مجموعة من الملاعب التي نتفاخر بها اليوم في القارة الافريقية، ولا يمكن أن تضاهينا لا تونس ولا مصر ولا الجزائر.
في 2015 تقدم المغرب لتنظيم كأس العالم 2026 وتقدم لها برصيد قوي بواقع 4 ترشيحات سابقة، ويحظى بتعاطف الجميع، والحظ لم يحالفنا بعدما خرج ترامب بتهديد مباشر للدول التي لن تصوت للملف الأمريكي. ويوم خسارتنا لتنظيم مونديال 2026، يقول المغرب بأمر من الملك محمد السادس أنه سيدخل رهان 2030، وهذا العمل يبدأ من اليوم.
محمد السادس يعتبر تنظيم كأس العالم بمثابة إرث، وهدف يجب أن يصل إليه، فهذا السعي هو لثلاثة أمور أساسية، فالعامل الأول بالنسبة لمحمد السادس هو تجاوز المشاكل الداخلية، من خلال تنظيم نشاط رياضي ضخم يمكن أن يحول أنظار الرأي العام من الأوضاع الداخلية المتردية إلى أمور أخرى. ثانيا فعندما تنظم كأس العالم تعطي انطباعا للعالم أنك بلد آمن ومستقر وتروج لأشياء قد لا تخطر على بال، فتروج أيضا للجانب السياحي والجانب الدبلوماسي. ثالثا وهي النقطة التي أعتبرها أمرا حاسما، هي أن محمد السادس كان ينظر إلى أن المغرب يريد عبر تنظيم كأس العالم تحقيق ما فشل في تحقيقه عن طريق السياسة والاقتصاد، لأن كأس العالم لا يعني فقط الملاعب، بل يعني بناء الطرقات والمطارات والفنادق.
محمد السادس ينظر إلى كأس العالم على أنه فرصة يمكن من خلالها في أقل من 10 سنوات تحقيق ما يمكن أن يحقق في 20 سنة أو أكثر، لأن دفتر تحملات الفيفا يكون ملزما لك بتنفيذ ما يطلب منك، وخير دليل على ذلك النموذج الاسباني، في سنة 1992 عندما احتضنت برشلونة الألعاب الأولمبية، انتقل عدد السياح في برشلونة لوحدها من 4.3 مليون سائح في 1992 إلى حوالي 14 مليون سائح سنويا في برشلونة لوحدها في آخر إحصاء رسمي للسياح.