الوضع العام في المغرب لا يبشر بخير.. تلك حقيقة لا يتناطح حولها عنزان. هل دخل المغرب دورة الانحطاطات الكبرى، غزو شامل لقيم الرداءة والإسفاف من السياسة إلى الإعلام، من مؤسسات الدولة إلى تفاصيل القاع الاجتماعي.. هل المغرب يعيش أزمة؟ نعم.. لكن المجتمع الحي هو سلسلة مفتوحة من الأزمات، وهي التي تمنحه التجدد والقدرة على الاستمرار ووقود التطور، لأن كل أزمة تدفع إلى حرقة السؤال، الوقوف على مكامن الخلل، طرح البدائل، تصحيح الأدوات والوسائل، تقويم النهج عبر مساءلة السائد والمهيمن، لكن في وضعنا تبدو الأزمة غير مفكر فيها، ومتروكة لمصائرها ومنزلقاتها الكارثية، وهو ما يجعلنا أمام أزمة مضاعفة ومركبة...
يشتكي السياسيون من انحطاط الممارسة السياسية، ومن غزو أجيال جديدة من أشباه الأميين والتقنيين الذين يفتقدون لخلفية فكرية وثقافية واسعة، وهذا ما يفسر برأيهم غياب المنافسة الشريفة والنقاش الراقي، وسيادة السطحية والانتهازية.. بدورها تعاني المنظمات النقابية ومؤسسات المجتمع المدني من تحولات عميقة بسبب نضوب الكفاءات وهيمنة أشكال الانحراف والمصلحية الأنانية على الأطر الجديدة التي تلتحق بصفوفها وميول كبرى نحو التسلق السريع لهرم التنظيم، والإعلام بمختلف وسائطه، الذي أصبح يتحكم في توجيه مختلف الفاعلين، هيمنت عليه أشكال الرداءة والفضائحية والاختلاق والفبركة وغياب الضوابط المهنية.. وتغوّلت مؤسسات جديدة غير متحكم فيها توجه قدر الأفراد والجماعات بالمملكة -بما يبدو لنا بشكل أعمى بينما هو مخطط له وواعٍ- نحو الانحطاط وإفراغ المجتمع من الداخل.
لقد تُرك المجتمع لمخالب التسطيح الإعلامي، وفي غياب نماذج إيجابية للنجاح، توارت الثقافة والفكر إلى الوراء، نبت التطرف والقراءة المتخلفة للدين، وسادت شعارات الملاعب في المؤسسات التعليمية وفي ساحات الاحتجاج الاجتماعي، تخلت المدرسة عن وظائفها الأصلية في التنشئة الاجتماعية وأنهكت الأحزاب السياسية، واكتسح جيل جديد من السياسيين القلاع الحصينة لمؤسسات الدولة من برلمان وحكومة وإدارة..
ثمة اليوم نزوع كبير نحو تدمير قيم التعايش المشترك في المجتمع المغربي، عبر تهميش الغير أو إخضاعه والتحكم فيه، وخلق مواطن "مغربي مائع"، وما نراه بيننا ليس سوى دخان حرائق مشتعلة في أطراف عديدة من جلبابنا.. أينما وليت وجهك ليس ثمة غير الإسفاف والانحطاط، واتسعت رقعة الطفيليات وأشكال التخلف المضاعف، فيما توارى إلى الوراء صوت العقل والكفاءات النزيهة والفكر النقدي، وتم تهميش الأولويات الوجودية الكبرى، مقابل الفترينة في كل شيء من السياسة إلى الثقافة فالإعلام والمجتمع.. هل نصير إلى الانحلال الشامل.
"الأيام" تفتح الجرح، ومحللون ومثقفون وفاعلون بألوان الطيف يضعون مبضعهم على مكامن الخلل، ويرصدون الانهيارات الكبرى التي تنخر البلاد والعباد.. في محاولة للقبض على الجمر، عمق الأزمة وتجلياتها والحلول الممكنة، لعلنا نفكر بصوت عال في ما أسميناه بدون تهويل بالانهيارات الكبرى بالمغرب، كي لا نندم غدا ونصرخ في يأس تام مثل صرخة أبي خيزران: "لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟"
لماذا لم تمتد احتجاجات التلاميذ للتعليم الخاص؟!
فجأة استفقنا على تلاميذ، ذكور وإناث، في سياق احتجاجهم على الوقت الصيفي الذي أبَّدَته الحكومة، وهم يرددون شعارات لا أخلاقية تتعمد الإثارة والاستفزاز والخروج عن حدود الممارسات المتواطأ عليها في المجتمع، وانتقلت سلوكات مدرجات الملاعب الرياضية إلى المؤسسات التعليمية، وأضحت شعارات "الألتراس" تغزو الشارع العام، وتحولت المسيرات الاحتجاجية في بعض المدن إلى صراع بين تلاميذ تبادلوا في ما بينهم تراشق الحجارة، وصدم المواطنون من السلوكات المنفلتة مثل الدوس بالأقدام على العلم الوطني أو حرقه في الساحات العامة، لكن لماذا لم تمتد الاحتجاجات إلى المؤسسات التعليمية الخصوصية التي شملها أيضا الحفاظ على التوقيت الصيفي؟ حوالي مليون و100 تلميذ في التعليم الخصوصي كانوا خارج الاحتجاج؟
إن الأمر يتعلق بفئة عمرية.. "التلاميذ" عهدة المستقبل، الذين كانوا في بعض التنظيمات السياسية يعتبرون "طليعة النضال الثوري" بالمغرب، فهم مشاريع القادم من الأيام، كيف وصلوا إلى هذا الانحطاط؟
بالنسبة للأستاذ عبد القادر الشاوي "الموضوع معقد ويحتاج إلى بحث عميق".. لأن ما عشناه ونعيشه له تجليات مختلفة، ليس سلوك التلاميذ الاحتجاجي سوى المظهر العام لوجودنا الذي أصبح محكوما أكثر فأكثر بالإعلام والقدرة على توجيهه، وبالدين وبالجرأة على تأويل المعتقد بطريقة خرافية غيبية وبالديمقراطية "التحكمية" التي تكيف السلوك وتفرض الانضباط وتكرس الشرعيات المكتسبة أو التاريخية".. وبنوع من الحرقة والوجع يؤكد القيادي في حزب التقدم والاشتراكية والوزير السابق "هذا منحدر مجتمعي وتاريخي مؤلم.. إن الأمر يتعلق بانحراف مجتمع موجع، نتيجة لمجموعة من التراكمات السلبية في المسار الاجتماعي والسياسي بالمغرب".
كل الباحثين والفاعلين الذين التقيناهم يجزمون أنه لا يجب الاكتفاء ب "العويل والصراخ"، لتوصيف ما حدث من انحرافات في سلوكات وشعارات احتجاجات التلاميذ، بل التوجه نحو معرفة الأسباب ومعالجة الوضع قبل الوصول إلى الكارثة..
في 2007، دق المجلس الأعلى للتعليم ناقوس الخطر في تقرير له حول منظومة القيم بالمؤسسات التعليمية وكشف تفاقم ظواهر السلوك المنافي لمنظومة القيم المدرسية، وأرجع الأمر إلى اتساع الهوة بين الخطاب حول القيم والحقوق والواجبات وبين الممارسة الفعلية لها، بالنظر إلى استفحال السلوكات المخلة بالقيم داخل المدرسة وفي محيطها، وتبني برامج تعليمية متتالية في غياب أي تقييم للسياسات المرتبطة بها، وهو ما يعكس ضعف الإصلاح وهدر الطاقات والإمكانات، استمرار الرهان على المدرسين، مع ضعف تكوينهم خاصة في مجالات القيم، وهو ما أثر على ممارستهم التربوية... وطرحت تقارير ودراسات عديدة تحديات كثيرة لمواجهة هذا الوضع قبل استفحاله، والإلحاح على إعداد ميثاق تربوي تعاقدي وطني للتربية على القيم، لكن لا شيء من ذلك حصل.
بدل أن تؤثر المؤسسات التعليمية في المجتمع، انتقلت قيم المجتمع في أشكالها المنحطة إلى المدرسة باعتبارها أهم مؤسسة للتنمية الاجتماعية والتربية على القيم، أين شعارات "تكوين المواطن المتشبث بالثوابت الدينية والوطنية في احترام تام لرموزها وقيمها الحضارية المنفتحة" و"التشبع بقيم التسامح والتضامن والتعايش" في فضاء مشترك وتنشئة الأجيال المستقبلية المعتزة بهويتها المدركة لواجباتها وحقوقها، المتمسكة بانتمائها لأمتها؟
مسؤول وازن في حكومة العثماني -رفض الكشف عن نفسه أكد ل"الأيام أن المغرب يوجد في سياق تحولات كبرى تهب على العالم بأسره، لكن العديد من الأمم مثل المغرب يبدو فاقدا لآلية التحكم في هذه الانتقالات الجذرية، وتساءل "المفروض أن دستور 2011 شكل روح تعاقد مجتمعي جديد فيه منظومة متماسكة حول الهوية والحق والواجب والانتماء والحرية والعدل.. لكن هذا التعاقد لم يتم تصريفه في كافة المجالات، وظل حقل التعليم والتربية بعيدا عن تحيين مناهجه وبرامجه ومقرراته وفق ما أقره دستور 2011، من هنا تبدو أشكال الانحراف في احتجاجات التلاميذ ضد الساعة سلوكات لا مدنية ومشوبة بظواهر منافية للمواطنة".
الشعارات اللا أخلاقية التي صدمت الموقف العام للجمهور مليئة بروح التحدي والانتقام، إنها مجرد شجرة تخفي حرائق الغابة بدل البحث عن الضحية والجلاد في مسرحية تراجيدية، وهو ما يسائل المجتمع بكافة مؤسساته والفاعلين كافة على اختلاف مواقعهم.
ويلي من يوم ضَحِكْتُ منه وبعده بكيت عليه
لا تستقيم سيرورة تقدم المجتمع السياسي لأي بلد خارج "التأويل الديمقراطي" للأحداث والوقائع. في 20 فبراير، مع هبوب رياح ما وُصف ب "الربيع العربي"، انتظمت حركة للشباب حول مطالب التغيير، رافعة شعار "رفض الاستبداد والفساد"، وجاء خطاب الملك محمد السادس في 9 مارس، في ما يشبه "عودة الوعي"، للذهاب أبعد من السقف المأمول للمطالب التي ظلت ترفعها الطبقة السياسية، لقد زرع الأمل في جسد عليل.. فتح ورشح الإصلاح الدستوري وتفجر نقاش سياسي وقانوني كبير، تمخض عنه دستور 2011، الذي اعتبر منتوجا مغربيا بطاقات وكفاءات وطنية، ليرسي أسس تعاقد مجتمعي جديد، لكن بالدخول إلى التفاصيل حيث يكمن الشيطان كما يقول الفرنسيون اتسعت الهوة بين الخطاب الملكي التاريخي وبين الوثيقة الدستورية التي تعتبر الهرم القانوني للدولة.
كشف بعض صناع دستور 2011 عن وجود مقاومة كبرى، هذه المرة لم تأت من رأس الدولة، وإنما من قاع المجتمع من فاعلين إسلاميين أصبحوا رقما أساسيا في المعادلة السياسية بالمغرب، في سياق دولي متسم بتحولات عميقة.
رفض عبد الإله ابن كيران، ووراءه حزب العدالة والتنمية، الدولة المدنية، وهدد بالتصويت ضد دستور 2011. لقد أكد محمد الطوزي، عضو لجنة إعداد الدستور، أن "النسخة التي سلمتها اللجنة إلى الملك كمسودة للدستور لم تكن هي نفسها التي عرضت على الاستفتاء، والدستور الذي صوت عليه المغاربة لم يكن هو نفسه الذي نشر في الجريدة الرسمية"، وذهب الطوزي إلى أن هناك اختلافا بين النسختين العربية والفرنسية (انظر تصريحه ليومية "أخبار اليوم" في 31 غشت 2012).
وانبثقت معركة إنزال القوانين التنظيمية المنبثقة عن الدستور، التي استغرقت زمنا طويلا، وإذا كان يجب الاعتراف حسب فقيه قانوني أكد ل "الأيام" أن دستور 2011 كان أكثر غزارة من حيث القوانين التنظيمية والتشريعات التي تمر تنزيلها، مقارنة مع الدساتير السابقة، التي نصت على قوانين تنظيمية لم يتم تنزيلها منذ 1962 حتى عام 2011. لكن قياسا للتحولات الجديدة، لم تنجح حكومة عبد الإله ابن كيران خاصة في "التأويل الديمقراطي" للوثيقة الدستورية، وهو ما تجلى خاصة مع أزمة أحكام الفصل 47، والتأويل التقليدي للفصل 42، ولجوء الفاعلين السياسيين إلى أكثر الفصول محافظة، وهو ما رسخ عدم نجاح الحكومة في التمرين الصعب لتدبير مسألة الصلاحيات والاختصاصات بين مختلف الفرقاء الفاعلين وفق مبدأ التنزيل الديمقراطي للدستور، وسار العثماني على نفس النهج، معبرا بنفس الكلمات تقريبا عن أن "من يبحث عن رئيس حكومة معارض للملك، فليبحث عن شخص آخر غيري" !
إن الأمر أشبه بوضع العربة أمام الحصان، فلا أحد بالمغرب طالب برئيس حكومة معارض، وإنما عن ممارسة الصلاحيات والاختصاصات وفق التأويل الديمقراطي للوثيقة الدستورية، فلذلك كان وعي ابن كيران وعيا شقيا، في لحظات الوئام يقول: "الملك كيحكم وأنا كنخدم" و"اتفاقي مع الملك لا يعني تنازلي عن صلاحياتي"، لكن في لحظات اشتداد الأزمة يصرخ بغضب: "هناك دولة موازية" ويتجه بسهام النقد والتجريح إلى مستشاري الملك.
في عز وثيقة دستورية متقدمة، عرف المغرب أسوأ التجاوزات الحكومية حتى بدأنا نترحم على الماضي، وويلي من يوم ضحكت منه ولما أصبحت في غيره بكيت عليه!
العالم بحاجة إلى رسول جديد
المغرب ليس جزيرة معزولة، ووسائط الاتصال جعلت العالم منزلا صغيرا، وما يعتوره من إسفاف وتدنٍّ يعبر العالم كله، إنها النهاية، ليس على الشكل الذي تنبأ به فوكوياما، وإنما نهاية تاريخ الكبار، فأشكال أنماط الاستهلاك السائدة حولت كل شيء إلى سلعة قابلة للبيع والشراء، وسيادة روح الأنانية والفردانية النرجسية وتسطيح الوعي، وبرزت إلى السطح كل أشكال الفقاعات في السياسة كما في الفن والثقافة، وغابت النماذج الإيجابية عن ذهن العالم، حتى تساءل أحد المفكرين: "هل العالم في حاجة اليوم إلى رسول جديد؟"، إن روح الكون تفتقد اليوم إلى ريعان شبابها، مع سيادة قيم الرداءة والمسخ.
يعزو البعض هذا التدني المجلوب من سيادة التقنية، وتشييء الإنسان وتحنيط القيم الكونية الأصيلة إلى غياب الفكر، كان الشاعر المكسيكي أوكتافيو بات يقول: "عندما يغيب الشعر عن قلب السياسي، يتحول إلى طاغية".
ففي غياب الخيال كما يعلمنا بورخيص نفتقد لتلك الطاقة الحيوية لمواجهة الفظاعات التي تفرضها علينا الأشياء، أضحى العالم في قبضة شركات كبرى ومؤسسات نافذة، وخبراء تقنيين مستعدين من أجل جلب جيوش المستهلكين تقديم كل القرابين الممكنة والمستحيلة على عتبة السيد الأول: البضاعة والرأسمال، وإذا كانت السطحية والشعبوية والرداءة، وترسيخ قيم اللعب بكل شيء وزرع الحاجة إلى المال بكل الطرق وتمجيد الشهرة بأي ثمن، ضرورية لارتفاع عدد القطعان البشرية، فلا ضير..
الرأسمال الضخم والآلة الإعلامية اللا مرئية هي التي تتحكم اليوم في مصائر عالم بلا قلب، ليس دونالد ترامب وماكرون وقبله ساركوزي، وأشكال القادة الجدد الذين يحكمون العالم، سوى التجلي الأسمى لتدني السياسة، وترسيخ اللعب والتفاهة والفضائحية، بعد عالم حكمه: لنكولن، روزفيلت، وجورج واشنطن وجون أدامز السياسي الفيلسوف، لذلك كتب أحد كبار الصحفيين الأمريكيين مقالا إبان الحملة الانتخابية لدونالد ترامب في "الواشنطن بوست" وهو ينعي بلد العام سام ويخرج كبار العظماء الذين حكموا الولاياتالمتحدةالأمريكية من قبورهم، ليكونوا شهودا على ما أسماه "الانحطاط القادم إلى البيت الأبيض"!
كان جاك شيراك آخر الكبار في فرنسا، حين يخطب في الفرنسيين يتمنون ألا يصمت، بلكنته الفولتيرية، كأنه يؤدي دورا في أوبرا باريس أو مسرح كورنيي... وخارج مارغريت تاتشر ووينستون تشرتشل عم العقم 10، داون ستريت وقس على ذلك.
يرى الكثير من مفكري العالم أن السبب في تناسل سلسلة القادة الصغار القادمين إلى سدة العالم يرجع إلى هيمنة الشركات الاقتصادية الكبرى والوسائط الإعلامية التابعة لها، وإلى نضوب الفكر وتراجع روح العالم من فنون وآداب، بسبب تشييء الإنسان، تلك خيبات العولمة.
في إحدى محاضراته بعنوان "تجديد السياسة" في أبريل 2010، اعتبر عالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران أن العالم اليوم يعيش أزمة ثقافية وفكرية ومعرفية، وأن الأفكار الزخمة للقرن 19 وبداية القرن 20 لم تعد كافية لحل الأزمة، لقد تم اختزال السياسة في كل ما هو اقتصادي وفي علم المحاسبة، وهو ما يعني اختزال روح الكون وتغييب المشاعر الإنسانية، ودعا إلى "تجديد السياسة" التي اعتبرها فن تشخيص مشاكل المجتمع مثل الطب تماما، وتساءل بقلق: "هل نسير نحو مستقبل غامض وحاضر تعيس، وعالم أكثر تنميطا؟".
الكل في المغرب يستعيد في ما يشبه النوستالجيا قيم مغرب زمان، يحضر الوجه الأسطوري للحسن الثاني، وكبار الزعماء السياسيين من طينة: محمد بلعربي العلوي، بلحسن الوزاني، علال الفاسي المتعدد الأبعاد، المهدي بن بركة الذي كان يسير بسرعة في كل شيء: خطوه، فكره، نضاله، وحتى موته المبكر، عبر الرحيم بوعبيد الاستراتيجي الذي كان يسكنه صوت أمة ومصير وطن، بنسعيد ايت يدر الذي آوى برمزيته شباب اليسار الجريح، محمد بوستة الذي وضع الأخلاق في قلب السياسة في زمن الانهيارات القاسية وآخرون كانوا يصدحون بحناجرهم عاليا، يلتقطون الإشارات ويردون بأحسن منها.. في المقابل غزا التقنيون وأنصاف المتعلمين وأشباه السياسيين رأس وجسد الأحزاب السياسية، وأتت الانتخابات بكل المخلفات والمتلاشيات إلى مؤسسات الدولة من برلمان وحكومة وإدارة.. وأصبحنا شهودا على ما يشبه النهايات التراجيدية الحزينة مع التبدلات العميقة التي شملت مختلف مناحي الحياة... يتبع