كشفت تقارير صحافية في الآونة الأخيرة، عن أن هناك مجموعة من المهربين تقوم بالتنقيب عن الحفريات (بقايا حيوانات أو نباتات كانت تحيا في عصور جيولوجية قديمة قبل أن تموت وتحفظ في صخور رسوبية) في شرق المملكة المغربية، ثم تهريبها لبيعها بطرق غير قانونية عبر مافيات تستغل غياب قانون واضح. ومدينة أرفود الواقعة شرق المغرب مشهورة حول العالم بأسره بالتجارة الأحفورية. إذ خلفت الكائنات الحيوانية والنباتية التي شهدت نوبات انقراض كثيفة، بقايا نجدها اليوم على شكل بقايا أحفورية، كما توضح حسناء شنّاوي، أستاذة الجيولوجيا في جامعة الحسن الثاني في الدارالبيضاء، في تصريح أوردته صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية ضمن تقرير حول الموضوع نشرته في عددها الصادر الخميس الماضي.
وتعتبر هذه الحفريات في مدينة أرفود، بمثابة متحف مفتوح على السماء، يشهد رواجا كبيراً ويسمح بالإفراج عن قطع قيمة، مثل الهيكل العظمي «plésiosaure» الذي عاود الظهور في عام 2017 خلال مزاد في فندق «Drouot» في العاصمة الفرنسية باريس، ومنذ ذلك الحين تمت إعادته إلى المغرب. ويبيعُ العديد من الأشخاص غير المرخص لهم ما تحصلوا عليه من الحفريات، بعد أيام أو أسابيع أو أشهر من التنقيب، إلى تُجار الجملة المحليين، الذين يوزعونها على البازارات المغربية التي تبيعها بدورها للسياح بعشرة أضعاف سعرها، أو يصدرونها إلى أوروبا بدون أي تصريح.
وينطبق هذا الأمر على عبد العزيز، البالغ من العمر 40 عاماً، والذي أكد لصحيفة «ليبراسيون» الفرنسية أنه تمكن بعد عشرين يوماً من الحفر تحت أشعة الشمس الحارة في منطقة صحراوية بالقرب من مدينة أرفود، من العثور على حجرين أحمرين كبيرين يحتويان على حيوانات بحرية متحجرة. وقد باع الحجرين بمبلغ ثلاثة آلاف وخمسمئة درهم مغربي، حوالي 318 يورو.
لكن هذا الأخير الذي تضررت يداه من جراء عمليات الحفر التي يمارسُها منذ خمسة عشر عاماً، أشار إلى أنه في بعض الأحيان لا يعثر على أي شيء لعدّة أشهر، مع العلم أن مصدر رزقه هو من عائدات الحفريات التي يعثر عليها.
ويُعد كل من جامعي الحفريات والمتاحف والجامعات الأجنبية، الزبائن الأكثر ربحاً بالنسبة لتجار الحفريات، لكنهم يبحثون عن قطع نادرة والفقاريات «Vertebrates». ولذلك فهم (جامعو الحفريات-المتاحف-الجامعات الأجنبية) يشكلون معظم زبائن سيرج اغزري (54 عاماً) وهو تاجر فرنسي للحفريات، يقيم في المغرب منذ 30 عاماً.
وأكد ل»ليبراسيون» أنه يكسب من هذه التجارة 100 ألف دولار سنوياً، مشيراً إلى أنه باع مئات الهياكل العظمية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك «الزواحف البحرية». ويوضح سيرج، وهو أيضا باحث في علم الأحافير، أنه يقوم برصد الرواسب أو آثار العظم في كتب المحمية ثم يذهب إلى الموقع ويحفر مع المحلّيين. وبعد استخراجها من الأرض يقوم بنقل هذه الحجارة المليئة بالحفريات إلى ورشته الواقعة بالقرب من العاصمة المغربية الرباط، حيث يقوم عشرات العاملين بتنظيفها وتجميعها في هيكل عظمي كامل، قبل أن يتم تصديرها إلى الخارج» بطريقة غير قانونية.
ويحدد مرسوم صدر عام 1994 عن وزارة المناجم المغربية، قائمة السلع الخاضعة لقيود التصدير، كالسلع ذات الأهمية الحفرية (العظام وآثار الزواحف والطيور والثدييات…). ومع ذلك، تمكن سيرج اغزري وغيره من نقل قطعهم الأحفورية خارج البلاد، وهو أمرٌ أرجعه كثيرون إلى «عدم وجود تشريعات محددة لتصدير التراث الجيولوجي في المغرب».
ولوضع حل لهذا الخلل، تعد الحكومة المغربية حاليا مشروع قانون يهدف إلى تنظيم عمليات الاستخراج والتسويق والتصدير من أجل حظر تصدير القطع النادرة وإقامة مجموعة وطنية.