يوم بيوم أسنان البحر نور الدين مفتاح نشر في 12 مارس 2025 الساعة 17 و 15 دقيقة إن المشكلة في هذا الفيلم العالمي هو أن كل ما يلهب جيوب المواطنين فيه جزء من يد السيد رئيس الحكومة، فهو وزير الفلاحة الأكبر منذ حكومة عباس الفاسي، وهو وزير الصيد البحري خلال عقد من الزمان، وهو بعد هذا رئيس الحكومة الذي ظل يضع وزارة الفلاحة تحت إبطه. والنتيجة هي أن كل ما هو مرتبط بهذه الفلاحة والصيد البحري هو ما وصل اليوم إلى حرائق تشتعل بتلابيب القدرة الشرائية للمواطنين. نور الدين مفتاح [email protected]
العنوان ترجمة لاسم فيلم شهير من الكلاسيكيات « Les dents de la mer» للمخرج العالمي ستيفن سبيلبرغ وهو اسم شاعري لأحداث مرعبة بطلها سمك قرش جعل للبحر أنيابا مفترسة وخلف الرعب في أحد الشواطئ الأمريكية. نفس الشيء يقع عندنا في بلد حباه الله ب 3600 كلم من الشواطئ. وبدل أن تكون مصدراً غنيا للأسماك، أصبحت واقعيا محتلة من طرف الحيتان الكبرى والمفترسة، وهذا ما نجح سماك مراكش الشاب عبد الإله الجابوني في البرهنة عليه وكشفه بقوة أكبر من قوى أجهزة المراقبة ومؤسسات الرقابة ووسائل الإعلام والسلطات. لقد استطاع أن يبرهن على أن هذا الغلاء غير المسبوق الذي يعيشه المغاربة هو جريمة وليس قدراً، وإلا كيف يمكن أن يكون السردين بعشرين درهما في السوق وهو يستطيع أن يبيعه بخمسة دراهم! هذا الشاب أصبح رمزاً ويستحق. لأنه برهن بالملموس أن الفساد ضارب أطنابه في الدواليب وأن الذي يؤدي الثمن هو المواطن البسيط. هو فساد في البحر وفي البر وحتى في الجبل اليوم، حيث ضحايا زلزال الحوز يبدأون الصيام تحت الخيام! لقد وصل الغلاء الفاحش منذ شهور طويلة إلى مستويات لا تطاق، وظلت الحكومة تنكر وتلاجج، وقال رئيسها السيد أخنوش إن الطماطم لا يتعدى ثمنها 3 دراهم، والواقع أنها بأضعاف ذلك. وقال رئيس الحكومة أيضا إن القطيع بخير وعلى خير وإن المغاربة سيقومون بشعيرة ذبح أضحية عيد الأضحى فجاء القرار الملكي مخلّصا ملايين المغاربة من تكاليف هذه الشعيرة التي لم تعد تطاق في هذه الظروف. وها هي الأسواق شاهدة على أسعار ربما تفوق الأسعار في دول شمال البحر الأبيض المتوسط على الرغم من أن الحد الأدنى للأجور في المغرب لا يتعدى 3000 درهم إلا بقليل.
وحتى عندما رمى الشاب المراكشي حجرة صغيرة في هذه البركة الآسنة، فإن الحكومة عادت للتملص من المسؤولية، وألصقت الأوضاع المأزومة بالوسطاء والمضاربين، لدرجة أن المرء يكاد يتضامن مع هذه الحكومة ويواسيها، في الوقت الذي يعتقد المواطنون أن جزءاً من عمل الحكومة هو محاربة هؤلاء المضاربين، وضبط الأسواق والتقنين حيث يجب التقنين وحماية المستهلكين بكل الطرق القانونية، ونهج سياسات عمومية شفافة ومستهدفة بدقة لسلاسل الإنتاج والتسويق، حتى يستطيع المواطن على الأقل أن يوفر ما يملأ به بطنه بسلام في انتظار الأساسيات الأخرى والجميع يعرف حالها.
إن المشكلة في هذا الفيلم العالمي هو أن كل ما يلهب جيوب المواطنين فيه جزء من يد السيد رئيس الحكومة، فهو وزير الفلاحة الأكبر منذ حكومة عباس الفاسي، وهو وزير الصيد البحري خلال عقد من الزمان، وهو بعد هذا رئيس الحكومة الذي ظل يضع وزارة الفلاحة تحت إبطه. والنتيجة هي أن كل ما هو مرتبط بهذه الفلاحة والصيد البحري هو ما وصل اليوم إلى حرائق تشتعل بتلابيب القدرة الشرائية للمواطنين.
إن المخطط الأخضر الذي أشرف عليه السيد عزيز أخنوش بعدما استعان بمكتب الدراسات «ماكنزي» أصبح في النهاية مخططا أسود! وهذا باعتراف منظمات دولية ومؤسسات دستورية وطنية، بما فيها المجلس الأعلى للحسابات. لقد حولنا الفلاحة المغربية كعمود فقري للاقتصاد الوطني إلى مغناطيس خرافي لجذب الباحثين عن الريع، بحيث تم ضرب الفلاح الصغير وخلق طبقة من المستثمرين الذين استفادوا من الإعفاءات وعلى رأسها 80٪ من تكاليف مياه السقي. وخلقنا أيضا فلاحة رجال الأعمال المعدة للتصدير مع رهن السيادة الغذائية للمملكة، وهذا التصدير الخطير جعلنا نصدر أيضا المياه التي تتطلبها مزروعات مكلفة. وبعد أن انتهينا من هذا المخطط تبين أننا لم نخلق طبقة متوسطة في العالم القروي!
ورغم هذا جاء الجيل الأخضر، لتكون نتيجة كل هذه الإبداعات التي كلفت الملايير هي ما نراه اليوم من غلاء فاحش وسيطرة المضاربين على الأسواق، ومن استيراد لموادنا الأساسية وعلى رأسها الحبوب، فهل لهذا علاقة بالجفاف الذي عمّر لسبع سنوات؟
لا يمكن إلا لجاحد أن ينكر عامل الجفاف فيما نحن فيه، ولكن، ألم تكن كل هذه القيامة الأخنوشية الخضراء قد قامت من أجل عدم ارتهان بلادنا للطقس؟ ألم يستنزف هذا المخطط الأخضر الفرشة المائية وحولنا من الإجهاد إلى أزمة ماء خطيرة؟ ألم نصل إلى درجة أن اللحوم بلغت 120 درهما للكيلوغرام والبيض درهمين والدجاج 25 درهما والخضر بثمن الفواكه والفواكه بثمن فواكه البحر؟ فهل المواطنون هم المسؤولون عما يجري لهم؟
وحتى وإن كانت قفة المواطن فيها كل هذا القيل والقال والمحاججة فماذا عن أسعار المحروقات؟ أليست هذه الأسعار هي التي تؤثر على أثمنة باقي المواد الأساسية؟ ولماذا انخفضت أسعار المحروقات في كل أرجاء الدنيا إلا عندنا نحن؟ وعمن سنتكلم في هذا الموضوع ورئيس الحكومة هو الفاعل الرئيسي في القطاع، وكل لتر يدخل أي دراجة نارية أو سيارة لجل المواطنين إلا ولأخنوش فيه نصيب؟ ولنتصور لو كان عبد الإله الجابوني في هذا القطاع ألن نكتشف أن ثمن اللتر من الغازوال لن يتجاوز الخمسة دراهم؟!
عموما، كيفما قلبت أمر هذا الواقع المفجع ستجد السيد عزيز أخنوش، وهو رجل أعمال له الحق في تنمية ثرواته. ولكن، كرئيس حكومة في بلد فقير كان من المفروض أن يتجنب الشبهات وتضارب المصالح والأرباح الفاحشة، وإلا فليتفرغ لمشاريعه ويترك الشأن العام شأنا عاما والخاص خاصا.
الأغرب من كل هذا أن الحكومة أمام كل ما يجري تتبنى في كل مرّة نظرية المؤامرة! وتتهم المعارضة – أو جزءا منها على الأقل – وتتابع قضائيا بعض الأصوات المستنكرة، وتستمر في التعالي حتى أن السيد أخنوش اعتبر صرخات الفضح والاحتجاج مجرد «سينما»! وخلال الثلاث سنوات ونيف من عمر الجهاز التنفيذي سنجد تغولا لأغلبية لها كل شيء في جميع المؤسسات. ولكن عند اقتراب الانتخابات التي تفصلنا عنها سنة ونصف السنة، بدأ كل مكون من مكونات الحكومة ثلاثية التركيبة بالتملص من الحصيلة أمام امتعاض الرأي العام.
العالم وليس المغاربة فقط تجاوزوا الحكم على مدبري الشأن العام بالمنظار الإيديولوجي، إنهم يريدون المكتسبات الملموسة، ومع حكومة الكفاءات ها نحن نرى هذا السيناريو الذي آلت إليه الأمور، وهو الأسوأ. ورغم ذلك نجد أن أعلى جبل في المغرب لم يعد هو جبل توبقال ولكنه جبل التبريرات الحكومية الواهية. ورمضانكم كريم.