قالت صحيفة "ليمانيتي" الفرنسية إنه خلال تمثيل عملية التخلي عن أوكرانيا أمام الكاميرات، يثبت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رغبته في خلق نظام عالمي جديد يسود فيه الاستغلال على القانون. جاء ذلك، في تحليل بالعدد الأخير للصحيفة الفرنسية الصادر اليوم الإثنين، تحت عنوان "بالتخلي عن أوكرانيا أمام الكاميرات.. ترامب يغرق العالم في عهد جديد من الافتراس".
وأضافت الصحيفة، أنه "أمام أعين العالم، تعرّضَ رئيس دولة ذات سيادة – فولوديمير زيلينسكي – للإذلال على يد رئيس ونائب رئيس القوة الرائدة في العالم – دونالد ترامب وجي دي فانس"، مشيرة إلى أن الأمر كان أشبه بمشهد في ساحة مدرسة، حيث يُوبّخ مدير المدرسة ونائبه طفلا سرقت منه بعض الكرات الزجاجية: "سيتعين علينا أن نتغلب على هذا".
وقال دونالد ترامب، الذي يسارع دائما إلى توفير خدمات ما بعد البيع لعروضه الخاصة، إنها "لحظة تلفزيونية حقيقية".
En lâchant l'Ukraine devant les caméras, Donald Trump plonge le monde dans une nouvelle ère de prédation – L'Humanité
واعتبرت الصحيفة، أنه من الواضح أن نطاق القضية يتجاوز مجرد الخلاف. فلا شك في أن ما حصل يشكل علامة فارقة في حقبة جديدة في العلاقات الدولية.
وسجلت أن فولوديمير زيلينسكي يبدو أنه ما زال لديه بعض الأوهام بشأن موقف إدارة ترامب إلى درجة أنه جاء إلى واشنطن لطلب الدعم وإثارة اجتماع في المكتب البيضاوي أمام الكاميرات من أجل تمثيل ما اعتقد أنه يمكنه الحصول عليه.
فالرئيس الأوكراني يدفع ثمن "سذاجته" نقدا، ومن الواضح أنه لم يكن مستعدا لهذا "الفخ"، فقد تلعثم في نطق بعض الجمل ذات الأهمية الضئيلة، وضاع في معركة غير متوازنة مع مضيفيه، وفشل في تذكر بعض الحقائق الواضحة، بدءا بحقيقة انتهاك القانون الدولي، حسب تحليل الصحيفة.
وقالت الصحيفة إنه بحجر واحد – وقف إطلاق النار أو اتفاق عالمي – يريد الرئيس الأمريكي القومي قتل عدة عصافير.. فمن خلال اتهامه لفولوديمير زيلينسكي باللعب "بالحرب العالمية الثالثة" و"بحياة الملايين من الناس"، يأمل ترامب في أن يظهر بمظهر "صانع السلام" الذي وعد به خلال خطاب تنصيبه.
إن هذا الغطاء السلمي يخفي (بشكل سيئ) هدفا: الاستفادة من موقف أوكرانيا الضعيف للغاية للانخراط في عمليات ابتزاز واسعة النطاق وهو أمر نادر الحدوث في تاريخ العلاقات الدولية، توضح الصحيفة الفرنسية.
في مقابل استمرار المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، والتي من دونها ستنهار أوكرانيا بالتأكيد في غضون أسابيع قليلة، يطالب دونالد ترامب بامتلاك المعادن النادرة على الأراضي الأوكرانية. تم التوصل إلى اتفاق "مبدئي" بين البلدين، لكن في نهاية المطاف لم يتم التوقيع عليه، بسبب الخلاف في المكتب البيضاوي.
وينص الاتفاق على إنشاء "صندوق استثماري" لإعادة إعمار أوكرانيا، حيث تساهم كل من الدولتين بنسبة 50%. ومن شأن هذا في الواقع أن يعمل كمضخة شفط للإيرادات من الموارد المعدنية الأوكرانية إلى واشنطن.
في حين قال فولوديمير زيلينسكي لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، يوم الأربعاء الماضي، إنه "من المبكر للغاية الحديث عن المال"، فإن دونالد ترامب يفعل ذلك بالفعل. وحدد ترامب سقف 300 مليار دولار حتى تتمكن الولاياتالمتحدة من "استعادة" الأموال التي دفعتها لأوكرانيا منذ العدوان الروسي في فبراير 2022.
ومضت صحيفة "ليمانيتي" قائلة إنه كما جرت العادة، يكذب الرئيس الأمريكي بلا خجل لتحقيق أهدافه، ويذكر مبلغ 350 مليار دولار الذي دفعته الولاياتالمتحدةلأوكرانيا على مدى ثلاث سنوات – وهو مبلغ خيالي فشل فولوديمير زيلينسكي مرة أخرى في دحضه يوم الجمعة.
وترى الصحيفة، أن الواقع يكشف أن الكونغرس الأمريكي وافق على خمس حزم من المساعدات المالية والعسكرية بقيمة إجمالية بلغت 175 مليار دولار، ذهب جزء منها فقط (106 مليارات دولار) مباشرة إلى الحكومة الأوكرانية، بينما ذهب الباقي لتمويل شركات الأسلحة الأمريكية التي تزود أوكرانيا بالأسلحة.
ولكن ما هو الهدف الإستراتيجي لدونالد ترامب؟ ومن خلال التحالف مع فلاديمير بوتين، فهل يحاول إضعاف العلاقة بين روسياوالصين، حيث تعتبر الأخيرة التحدي الرئيسي الذي يواجه القوة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين؟ تتساءل الصحيفة الفرنسية.
ويعكس هذا سوء فهم صارخ للعلاقة بين شي وبوتين والاعتماد الروسي الحالي على الصين. ولكن بوتين لن يقطع علاقته مع شي ليراهن على ترامب الذي لن يبقى في السلطة سوى بضع سنوات، وعلى سياسة أمريكية غير متوقعة.
لقد برز نموذج جديد للعلاقات الدولية، كما لاحظ رام إيمانويل على شبكة سي إن إن: "أصبح الأمر الآن عبارة عن افتراس مقابل مبدأ". من المؤكد أن رئيس الأركان السابق للرئيس باراك أوباما، والسفير السابق في اليابان، يريد أن يصدق أن أمريكا كانت دائما إلى جانب "المبادئ" (التي تدحضها الحقائق التاريخية، من تشيلي في عهد بينوشيه، إلى الحرب في العراق التي شنها جورج دبليو بوش)، تتابع الصحيفة الفرنسية.
ولكن الولاياتالمتحدةالأمريكية تتولى الآن قيادة المعسكر المفترس، وهو ما يثير تساؤلات حول البنية الأمنية التي صممتها أمريكا في عهد فرانكلين ديلانو روزفلت.
وفي عالم "متعدد الأقطاب"، يُنظر إلى التعددية باعتبارها عقبة أمام ممارسة القوة الأمريكية بحرية. وفي واشنطن، الشعارات هي "القوة" و"الأحادية".
وأخيرا، تقول الصحيفة الفرنسية إن التأكيد الوحشي على هيمنة الولاياتالمتحدة من خلال أسلوب ترامب قد يؤدي إلى عزلتها المتزايدة على الساحة الدولية.
وأكدت أن دعم جو بايدن غير المشروط لبنيامين نتنياهو وحربه الشاملة في غزة، ساهم بالفعل في تقويض سلطة (أو ما تبقى منها) "منارة الديمقراطية" على الساحة الدولية.
إن البلد الذي يُهدد شركاءه (المكسيك وكندا)، ويتخلى عن حلفائه (أوروبا)، ويتخلى عن دولة تتعرض للهجوم (أوكرانيا)، لم يعد قادرا على تزيين نفسه بالتظاهر الأخلاقي، تختتم صحيفة "ليمانيتي".