بلا مواربة زمن ميت عبد الإله حمدوشي نشر في 2 مارس 2025 الساعة 22 و 32 دقيقة مضى زمن لم نتمكن فيه من تحقيق انتصاراتنا الضائعة.. فما بالك بحياة كاملة قمنا بهدرها في الواقع واحتشدنا لاستعادتها على مواقع التواصل الاجتماعي… في السياسة الذي يتقدم مسنودا بحشوده الافتراضية فقد انهزم.. أين أمجاد الذين كانوا أباطرة العالم الافتراضي؟ لا أعرف! قد يكون الفيسبوك وما يشبهه من […] عبد الإله حمدوشي [email protected]
مضى زمن لم نتمكن فيه من تحقيق انتصاراتنا الضائعة.. فما بالك بحياة كاملة قمنا بهدرها في الواقع واحتشدنا لاستعادتها على مواقع التواصل الاجتماعي…
في السياسة الذي يتقدم مسنودا بحشوده الافتراضية فقد انهزم.. أين أمجاد الذين كانوا أباطرة العالم الافتراضي؟
لا أعرف!
قد يكون الفيسبوك وما يشبهه من التطبيقات لها تأثيرها، لكنني أتحدث وفي ذهني الهزيمة الواقعية التي لحقت بالمنتصرين هنا.. وكيف انتهى أغلب المتفائلين إلى التشاؤم الذي يُفقدك شهية المبادرة والحلم والتخطيط لإنجاز أي مشروع مجتمعي.. فلا المثقفون سعداء ولا العوام ولا البسطاء ولا حتى الأغنياء…
"الأبطال" في الواقع ينتهون لشخصيات مملة على الفايسبوك، ربما لأنهم يعرفون أكثر مما نعرف.. أما "الأبطال" في العالم الافتراضي فإنهم يلعبون دور النزق الذكي، وتمسي كلماتهم ومواقفهم وردات أفعالهم وعنادهم شكلا من أشكال البطولة والشجاعة المزيفة…
عندما أكتب هكذا، فأنا لست أوقع بيان هزيمة أو انسحاب.. لأنني أعرف أنني غدا -لا محالة سأرتدي -بدوري- البزة الافتراضية وأندمج في العرض بين الحشود وأثور وألعن الحكومة والأحزاب والسياسيين وترامب…
لكن، أعتقد أن زمننا السياسي يدور في حلقة مفرغة، حيث كل شيء مكرر؛ الوجوه هي ذاتها، الفاعلون لا زالوا هم هم، والخطابات لم تتغير منذ عقود، إلى الدرجة التي صرنا معها نتوقع ماذا سيقول هذا أو ذاك حتى قبل أن يهم بفتح فاه؟!
لقد صرنا عالقين في "زمن ميت"، لا هو قادر على أن ينتج جديدا، ولا هو سمح لنا بالهجرة نحو زمن آخر أكثر حيوية وفاعلية.
لطالما قيل إننا في "مرحلة جديدة"، وإن القادم سيكون أفضل، لكن من قال إن تغيير الوجوه والأسماء، قد يؤسس بالضرورة لمراحل جديدة؟
ففي العديد من الحالات، تتحول هذه المراحل مجرد حالة مؤقتة تستمر إلى الأبد، حيث يتواطأ الجميع على إدامتها، خشية مواجهة الأسئلة الحقيقية للمجتمع حول طبيعة الدولة، وجدوى الديمقراطية، وإمكانية التغيير…
في المغرب، لا شك أن هناك أحزابا، بعضها أفضل من الثاني، والبعض الآخر أسوأ من غيره، لكنها تبدو أكثر شبها بمؤسسات بلا روح ولا خيال سياسي، لا تنتمي إلى هذا الزمن في حاجاته وأسئلته، بل إلى زمن سياسي قديم تجاوزه الواقع.
هذه الأحزاب، وعلى الرغم من عمليات التدجين والتشويه والإنهاك الذي تعرضت له عبر مراحل، إلا أنها تتحمل مسؤولية عدم تحليها بما يكفي من المناعة إزاء "جزرة" المصالح و"عصا" السلطة، ولم تنجح في تجديد نخبها ولا في تطوير أطاريحها، ولا في استيعاب التحولات الاجتماعية والاقتصادية العميقة، ولا حتى في تقديم إجابات مُبدعة لمشاكل مكررة متجددة. بل إن كثيرا من هذه التنظيمات ما زال يدور في فلك الشعارات القديمة ونوستالجيا الماضي وهواجس التأسيس والمناورات السياسية الفارغة التي لا تصنع تغييرا ولا ولم تحل أزمة.
ولكي يكون هناك تحول ديمقراطي حقيقي، لابد من دولة تشكل المشترك الوطني للجميع، وتكون ضامنا للحقوق والحريات. لكن كيف يمكن أن تتحقق ديمقراطية حقيقية إذا كانت أدوات العمل السياسي، من أحزاب وبرامج ونخب، لا تزال أسيرة الماضي والأكثر محافظة من بين مختلف الفاعلين السياسيين في الساحة؟
كيف يمكن الحديث عن تحول سياسي حقيقي إذا كانت الفعالية السياسية تكاد تكون غائبة، والمواطن لم يعد يرى في المؤسسات المنتخبة أي قدرة على إحداث الفارق؟
نعم، هناك أفق مغلق، لكن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في غياب الحلول، بل في عدم إدراك الكثيرين أننا عالقون في زمن سياسي ميت. وربما، لكي نبدأ التحرك، علينا أولا أن نعترف بهذه الحقيقة، وأن ندرك أن العيش في زمن بلا نبض سياسي، هو في حد ذاته أزمة وجودية قبل أن يكون أزمة دولة.