"كمن يقبض على الجمر".. يجد المغاربة أنفسهم في مواجهة مفتوحة على أسوأ النهايات أمام "وحش الغلاء" الذي يقبض على يومياتهم.. فعيد الأضحى هذا العام، قد يكون "الأغلى" في تاريخ المغرب، هكذا تقول الأرقام والمعطيات الرسمية وغير الرسمية.. فالحكومة اعترفت على لسان رياض مزور وزير الصناعة والتجارة أن معدل القطيع الوطني في تراجع، رغم فتح باب الاستيراد على مصراعيه أمام الفلاحين الكبار، دون أن ينعكس أثره الإيجابي على الأثمان في أسواق الأغنام الملتهبة.
بلغة الأرقام، فالأغنام المستوردة بلغ عددها 600 ألف رأس، في المقابل، توفر المغرب على أزيد من 6 مليون رأس مُرقّمة، ما يعني وفق المهنيين استحالة موازنة الأسعار، بل قد يكون فتح باب الاستيراد فقط لتخفيف الضغط على الأغنام المحلية بهدف توفير اللحوم الحمراء بالنسبة لارتفاع الطلب على الاستهلاك بعد فترة العيد.
تقول المعطيات إن عدد القطيع بالمغرب يتضمن حوالي 20 مليون رأس، بما فيه 13 مليون نعجة مُنتِجة، وهنا مكمن الخطر الكبير، لأنه في ظل عدم القدرة على شراء الخروف أصبح الاتجاه أكثر نحو النعاج التي تضمن استدامة السلالات واستمرارية القطيع، ثم الكسّاب بدوره الذي وجد نفسه مضطراً لبيع النعجة وعدم التضحية بتوازناته المالية المهددة في حال استمرار الجفاف وتكاليف كسْب الماشية.
وسط لعبة الأرقام والتحكم في ميزان العرض والطلب والأسعار، يطرح سؤال عريض: لماذا فشلت وزارة الفلاحة في توفير الأضاحي بأسعار معقولة في السنة الماضية وهذه السنة التي تشي بأن الأسعار ستزيد عن المرة السابقة؟..
الجواب على السؤال أعلاه.. متروك إلى حين.. فموجة الغلاء نسجت أكثر من علامات استفهام وتساؤل بشأن إمكانية إلغاء احتفال عيد الأضحى هذا العام، الذي يأتي في سياق الجفاف وتراجع القطيع الوطني..
مغاربة كثر من فترة ما بعد الاستقلال مع الملك الراحل الحسن الثاني وصولا إلى الفترة الحالية للملك محمد السادس، يستذكرون قرارات إلغاء احتفالهم ب"العيد الكبير" بشكل رسمي ثلاث مرات من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، وذلك لأسباب مختلفة، على الرغم من أنها سنة مؤكدة في الشريعة الإسلامية.
أول إلغاء لشعيرة عيد الأضحى في تاريخ المغرب الحديث كان بعد سنة من حرب الرمال بين المغرب والجزائر في أكتوبر عام 1963 بسبب مشاكل حدودية.. حرب استنزفت المغرب اقتصاديا، ما دفع بالمملكة إلى أزمة مالية خانقة أرخت بظلالها على جلّ المغاربة، وصلت إلى حدّ امتناعهم عن الاحتفال بعيد الأضحى، حين صدر قرار ملكي من قِبَل الراحل الحسن الثاني يمنعُ بموجبه المغاربة من جزء مهم من ممارستهم الدينية، ألا وهو نحر الأضحية خلال العيد.
وفي عام 1981، أعلن الملك الراحل الحسن الثاني، عن جفاف غير مسبوق ضرب البلاد، تسبب في نفوق الكثير من الأنعام، ناهيك عن مُختلف المشاكل الاقتصادية التي كانت تتخبّط فيها البلاد بسبب الدّيون الخارجية.
ولنفس السبب، وجّه الحسن الثاني رسالة إلى الشعب، تلاها عنه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية آنذاك، عبد الكبير العلوي المدغري، قال فيها إن سنوات الجفاف التي مرّت بالمغرب، خاصة عام 1995، تدفع إلى قرار إلغاء الأضاحي، متحدثا عن أن "ذبح الأضحية سنة مؤكدة لكن إقامتها في هذه الظروف الصعبة من شأنه أن يتسبب في ضرر محقق".
وفي رسالته برر الملك الراحل إلغاء عيد الاضحى بارتفاع سعر الأكباش الذي سيضر بالغالبية العظمى من المواطنين، بحسب ما أورده الملك على لسان الراحل المدغري، حيث قال: "معلوم أن ذبح الأضحية سُنّة مؤكدة، لكن إقامتها في هذه الظروف الصعبة من شأنه أن يتسبب في ضرر محقق، بسبب ما سينال الماشية من إتلاف وما سيطرأ على أسعارها من ارتفاع يضر بالغالبية لعظمى من أبناء شعبنا، لاسيما ذوي الدخل المحدود".