يوم بيوم مونديال الحكومة نور الدين مفتاح نشر في 6 فبراير 2025 الساعة 17 و 22 دقيقة الذي ابتدع صيغة «حكومة المونديال» متهافت. فعلى الرغم من القيمة الرمزية العالية لهذا الحدث الكروي العالمي الذي سيعطي بلادنا إشعاعا ونفوذا، فإن الأمر يبقى في نهاية المطاف مونديال كروي فرجوي ترفيهي، قد يخلف بعض البنيات التحتية من تحسينات في الطرق والمطارات والتهيئة الحضرية بصفة عامة، ولكنه ليس هو 5 سنوات من تدبير حياة شعب. وها هي خمس سنوات قد مرّت، ونحن نرى أن الحصيلة كارثية. ولو كنا في بلد توزن فيه الأقوال بميزان العقل في السياسة، لكانت كلمات نزار بركة كافية لسقوط الحكومة، أو لرتب حزب الاستقلال على تشخصيه للأوضاع التي يخيم عليها القلق من المستقبل واللايقين خروجه من هذه الحكومة حتى يتقدم للناخبين ببرنامج بديل، بدل أن يستمر في نفس الفريق اليوم، ويتبرأ من نتائجه! نور الدين مفتاح [email protected]
قبل أحزاب المعارضة، المفروض أنها الحاملة للمشروع البديل للحكومة الممارسة، انطلقت أحزاب الائتلاف الأغلبي في حملة تعبوية لانتخابات تفصلنا عنها سنة ونصف تقريبا. وقد وجدوا لهذه الحملة شعارا جذابا هو: من يقود «حكومة المونديال»؟!
وكما هي عادة السياسة في المغرب، فإن كل التحالفات تذوب كقطعة ثلج في الكأس في الأيام الأخيرة من عمر الجهاز التنفيذي. وبالطبع لم يكن الحال اليوم استثناء، بل كان تمثيلا أمينا للقاعدة، ويكفي أن نستمع للسيد نزار بركة، وزير التجهيز والأمين العام لحزب الاستقلال لنفهم ما نحن بصدده: «لدى شباب بلادنا أسباب موضوعية ومشروعة للشعور بالقلق تجاه المستقبل، ومخاوف من اللايقين، مما يساهم في خلق أزمة ثقة مركبة ومتعددة الأبعاد. ومن مؤشرات هذه الأسباب، الارتفاع المتزايد للبطالة التي سجلت في السنوات الأخيرة مستويات عالية بلغت 21.3٪ واندحار الطبقة الوسطى جرّاء غلاء المعيشة وتعميق الفوارق الاجتماعية، وتواتر الظواهر الطبيعية القاسية بسبب التغيرات المناخية، وانحسار الجواب السياسي والثقافي أمام هذه التحديات المعقدة، في مقابل تفشي منطق التقاطبات الحادة التي تُذكي التوترات والشروخ داخل المجتمع، وتخلق مناخا من عدم اليقين والقلق وتؤدي إلى فقدان الثقة في المؤسسات المنتخبة وفي الأحزاب السياسية».
هذا ليس كلام نبيل بنعبد الله أو عبد الإله بنكيران، بل إنه كلام رئيس حزب الاستقلال المكون الأساسي من مكونات الحكومة الثلاثية، الذي ينطبق عليه تماما توصيف «وشهد شاهد من أهلها»! فهل يصمد خطاب الارتياح الذي أطلقه رئيس الحكومة في نفس التاريخ، أي 11 يناير الجاري، أمام هذا الفضح من طرف الحلفاء؟ يقول السيد عزيز أخنوش: «لقد نجحنا في خلق التوازن المطلوب بين الإمكانيات المتوفرة والطموحات التنموية لبلادنا» فأي تقييم نعتمد للحصيلة الحكومية ومكوناتها نفسها توجد على طرفي نقيض في هذا التقييم؟!
ولم يخرج حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان بقيادة ثلاثية ثم أصبح ثنائي القيادة عن فورة الحملة الانتخابية، بحيث إن فاطمة الزهراء المنصوري، في ندوة صحافية خلال نفس الأسبوع اكتفت بالإشادة بحصيلة الحقائب الوزارية التي يحملها الباميون، داعية إلى تفعيل ميثاق الأغلبية واحترام عقد دورات مجلس الرئاسة، وهو ما يعني أن هذه الأغلبية بدون تنسيق أو هي بتنسيق دون الحد الأدنى.
الذي ابتدع صيغة «حكومة المونديال» متهافت. فعلى الرغم من القيمة الرمزية العالية لهذا الحدث الكروي العالمي الذي سيعطي بلادنا إشعاعا ونفوذا، فإن الأمر يبقى في نهاية المطاف مونديال كروي فرجوي ترفيهي، قد يخلف بعض البنيات التحتية من تحسينات في الطرق والمطارات والتهيئة الحضرية بصفة عامة، ولكنه ليس هو 5 سنوات من تدبير حياة شعب. وها هي خمس سنوات قد مرّت، ونحن نرى أن الحصيلة كارثية. ولو كنا في بلد توزن فيه الأقوال بميزان العقل في السياسة، لكانت كلمات نزار بركة كافية لسقوط الحكومة، أو لرتب حزب الاستقلال على تشخصيه للأوضاع التي يخيم عليها القلق من المستقبل واللايقين خروجه من هذه الحكومة حتى يتقدم للناخبين ببرنامج بديل، بدل أن يستمر في نفس الفريق اليوم، ويتبرأ من نتائجه!
فخورون بتنظيم كأس إفريقيا للأمم، وفخورون أكثر بتنظيم كأس العالم سنة 2030 بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال، ولكن هذه التشريفات يجب أن تكون حافزا للإبداع من أجل حلول سياسية لمشاكل تكاد تكون بدائية مازلنا نعاني منها، وليس شعارات براقة للاختباء وراءها. الحكومة يجب أن تكون حكومة التعليم، وحكومة الصحة، وحكومة السكن الكريم اللائق، وحكومة العدالة الاجتماعية، وحكومة التشغيل، وحكومة الشباب، وحكومة الابتكار والبحث العلمي، وحكومة النمو والتقدم، وأما المونديال فعابر، وإذا لم يكن هناك نساء ورجال أكفاء ونزهاء فلا يمكن أن نجني من ورائه إلا العجز بدل أن نحوله إلى فرصة للقفز إلى الأمام.
لقد راق للحكومة الحالية أن تنعت نفسها بمقاول الدولة الاجتماعية، وسوقت لتعميم الحماية الاجتماعية والدعم الاجتماعي المباشر كفتح مبين. وإذا كانت التغطية الصحية لحد الآن تقصي ما يناهز الثمانية ملايين مواطن ومواطنة، فإن الدعم المباشر الذي يصل معدله إلى 500 درهم شهريا لأسر تحت عتبة الفقر لا يجب أن يكون هدفا في هذه السياسة الاجتماعية، لأنه إن كان كذلك فسيصبح ريعا ينطبق عليه المثل المغربي البليغ: «شنعتو عليا وما غطى ودنيا». ماذا تعني 500 درهم في الشهر لأسرة بدون معيل؟ نعم هي أحسن من صفر، ولكن واجب الحكومة أن تخلق الظروف التي توفر بيئة للتشغيل حتى يعيش المواطن من عرق جبينه بكرامة.
والحاصل أن «حكومة الكفاءات» التي بنت تصورها على نفسها على أساس أنها جاءت للقطع مع منطق تدبير الحزبيين المحترفين للشأن العام ودخول مدبري كبريات المقاولات، وجدت نفسها أمام أسوأ نتيجة اجتماعية في تاريخ المغرب المستقل، بحيث لم يسبق لمعدل البطالة أن تجاوز 20٪ حتى رأيناه اليوم.
نعم لقد توالت علينا سنوات الجفاف، ونجتر تداعيات كورونا وبعض الكوارث الطبيعية كزلزال الحوز والفيضانات، وتأثيرات بعض الحروب كالحرب الروسية على أوكرانيا، ولكن كل هذا لم يكن ليخلف النتائج الصاعقة التي نراها اليوم، والتي شهد بها نزار بركة وهو من أهلها. لم نكن نتصور أن يبلغ الغلاء هذا المستوى الفادح. لم نكن نتصور أن يبقى حلم المخاطرة بقوارب الموت للهروب من الفقر يراود مئات الآلاف من الشباب كما جرى في الفنيدق. لم نكن نتصور أن تفعل بنا المحروقات ما فعلت مع أن السيد رئيس الحكومة هو الفاعل الرئيسي في القطاع. وأما عن نسبة النمو والتضخم ومستوى الديون فحدث ولا حرج.
والأنكى من كل هذا، أن تقدم الحكومة ممثلة في رئاستها صورة بئيسة عن تدبير الشأن العام، عن طريق ما أصبح يعرف بملف تضارب المصالح في ملفين، الأول هو حصول شركة رئيس الحكومة على صفقة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء وتقديمه لملف هذه الصفقة للجنة الاستثمار للحصول على الدعم، والثاني هو فوزه بصفقة تزويد المكتب الوطني للكهرباء بالفيول. وقد قال صديق لي قريب من الملف إن الناس لم يطلعوا على العرض الذي تقدم به المنافسون لأخنوش لأنه كان أكبر بكثير من ثمن «إفريقيا غاز». وقد يكون هذا صحيحا، إلا أن رئيس الحكومة هو رئيس الإدارة المغربية برمتها، وهو بالتالي رئيس المجلس الإداري لمكتب الكهرباء، والتعامل تجاريا في هذا الإطار حتى وإن لم يكن مجرّما قانونا فهو مشين أخلاقيا وغير مقبول نهائيا.
يحزنني أن أختم بأنه رغم كل هذه الحصيلة العرجاء، وكل هذا الوضع الذي نبدو فيه خارج المعادلات العالمية، وخصوصا في الثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، ونحن الذين مازلنا لم نقض نهائيا حتى على الأمية الأبجدية، رغم كل هذا الفشل البائن، فإن احتمال استمرار هذه المكونات الحزبية وارد جدًا بالنظر لكون التعبئة في المغرب في عطلة، والبديل أنهكوه حتى بهت، ومليون صوت في الانتخابات في البلاد كافية لترؤس الحكومة.