بالأمس القريب كانت الصحف وكبريات الجرائد الأمريكية تستهزئ بالملف المغربي المقدم ل "فيفا" لتنظيم كأس العالم 2026، أما اليوم فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لا يفقه كثيرا في كرة القدم، التي لا تعتبر رياضة شعبية في أمريكا عكس كرة السلة أو "البيزبول"، بدأ يعرف أن حظوظ المغرب أقوى من حظوظ أمريكا نفسها، مما دفعه إلى كتابة تغريدة مثيرة على صدر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر". ترامب وجه تهديدا مبطنا إلى الدول التي ستصوت إلى المغرب وقال: "... سيكون من المخجل أن تعارض الدول التي نساندها دائما عرض الولاياتالمتحدة. لماذا يتعين علينا مساندة هذه الدول بينما هي لا تساندنا (بما في ذلك في الأممالمتحدة)؟". واقع الحال يؤكد أن أمريكا الرسمية تعرف أنها لا تضمن الفوز في التصويت في انتخابات 13 يونيو القادم، لذلك يحاول ترامب أن يحفظ ماء وجه بلاد العام سام، فسيكون من المخجل أن ينهزم الأمريكان المتحالفين مع المكسيك و كندا، أمام دولة من حجم المغرب، ينظر لها على أساس أنها دولة مغمورة ومن دول العالم الثالث، إلى درجة أن بعض الأمريكيين لا يعرفون أين نوجد أو ما هي اسم عاصمتنا، و البعض منهم تختلط عليه "Morocco" و "Monaco". تهديدات ترامب لم تكن فقط موجهة للدول الداعمة للمغرب أو للأمم المتحدة التي يهددها بتوقيف الدعم الأمريكي، بل هي موجهة أيضا إلى جهاز ال "فيفا" الذي يعمل كل ما في وسعه لإقصاء الملف المغربي قبل الوصول إلى مرحلة التصويت، من خلال وضعه لشروط تعجيزية عبر لجنة "تاكس فورس" التي زارت المغرب مؤخرا وقدمت للمغاربة ملاحظاتها السلبية. فرئيس ال "فيفا" الحالي يعلم أكثر من غيره أن أمريكا هي من جاءت به، و أمريكا نفسها هي من أقالت الرئيس السابق جوزيف بلاتر و زجت ببعض أعضاء اللجنة التنفيذية ل "فيفا" و الاتحادات الكروية في السجون، بعدما خسر الأمريكيون السباق نحو تنظيم مونديال 2022 أمام قطر. تخوف الأمريكيين من تلقي هزيمة كبيرة أمام الملف المغربي، يمكن أيضا أن نلاحظه من خلال ما يكتبه الصحافيون الأمريكيون، آخرهم الصحافي الشهير ستيف برايس الذي نشر مقالا تحليليا في مجلة "فوربس" الدائعة الصيت، ويقول: "... من المستبعد جدا إقصاء المغرب في مرحلة التقييم الأولية، فما قدمه ملف 'موروكو 2026' ليس بأقل مما قدمته دول أخرى نالت شرف احتضان هذه المسابقة الكروية في السابق، كما أنه لم يتم إقصاء المغرب في المرحلة الأولية خلال ترشيحه لاحتضان كأس العالم 2010". ويتابع: "... إذا لم يتم إقصاء المغرب في المرحلة الأولية، فإن السباق لاستضافة كأس العالم 2026 سيصبح مفتوحا على مصراعيه.. فعلى الرغم من جميع الملاعب و البنى التحتية الرائعة في أمريكا الشمالية، لا تزال السياسة هي التي تتحكم في كأس العالم". وبلغة السياسة فترامب يعرف أن الدول العظمى كلها تدعم المغرب، على رأسهم فرنسا التي عملت المستحيل من أجل أن تحصل قطر على تنظيم مونديال 2022، من خلال رئيسها السابق نيكولا ساركوزي و رئيس اتحادها الكروي ميشيل بلاتيني، وهي اليوم مستعدة لفعل نفس الشيء مع المغرب، حيث لا تخفي دعمها العلني ل "موروكو 2026"، ونفس الشيء بالنسبة لروسيا التي لن تسمح للأمريكيين أن يحققوا انتصارا رياضيا فوق أراضيها، إضافة إلى الصين التي تدعم المغرب بدورها. فالأمريكيون يعلمون أيضا أن فرنسا لها مصالح اقتصادية في المغرب ويمكنها أن تخوض حرب الكواليس لمساندة المغاربة في الفوز بشرف التنظيم من خلال استمالة أصوات مجموعة من الدول الأوروبية لصالح المغرب، ونفس الكلام يقال على روسيا التي يمكن أن تضمن للمغرب أصوات دول البلقان ودول أوروبا الشرقية، كما أن الصين لها أيضا مصالح اقتصادية في المملكة ويمكن أن تجلب ل "موروكو 2026" ما لا يقل عن 10 أصوات من آسيا الشرقية، إضافة إلى أصوات الدول الغاضبة من الولاياتالمتحدةالأمريكية و الغاضبة من تصريحات ترامب. و الأمريكيون يعلمون أيضا أن 54 دولة إفريقية أعلنت في الاجتماع الأخير ل "الكاف" المنعقد في عاصمة غانا دعمها للمغرب، بمن فيهم جنوب إفريقيا و الجزائر و إثيوبيا و أنغولا و كل الدول التي تعادي المغرب سياسيا في مؤسسة الاتحاد الافريقي، وهي تعرف أيضا، أن كل الكلام الذي قاله تركي آل الشيخ رئيس هيئة الرياضة السعودي حول عزم بلاده التصويت للملف الأمريكي سرعان ما تبدد حينما أعلنت القمة العربية المنعقدة في مدينة الظهران بالسعودية الدعم العربي الصريح ل "موروكو 2026"، وهو الدعم الذي تضمنه بلاغ رسمي للقمة العربية. كل ما قلناه يبقى مجرد كلام و أحلام و أمنيات، سيؤكده أو ينفيه كونغرس ال "فيفا" الذي سينعقد بروسيا يوم 13 يونيو القادم لاختيار الملف الفائز لاحتضان مونديال 2026، لكن ما هو اليوم مؤكد وملموس أن الأصوات التي تدعم المغرب حاليا أكبر من الأصوات التي تدعم الملف الثلاثي الأمريكي الشمالي، وما هو مؤكد أيضا أن المشرفين على الملف المغربي نجحوا في "اللوبيين" كما نجحوا في إدخال الشك في قناعات الأمريكيين ممن كانوا يستهزؤون في البداية بالملف المغربي. و "كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ".