فوز مريح لنهضة بركان على النادي القسنطيني قبل لقاء العودة في الجزائر    الجيش الإسرائيلي يقر بحصول "إخفاقات مهنية متعددة" في واقعة مقتل 15 مسعفا في غزة    ميرسك تلاحق صحيفة دنماركية قضائيًا بعد اتهامات باطلة بشأن شحنات أسلحة إلى إسرائيل.. وجهات معادية تقف وراء استهداف ميناء طنجة    الثانوية التأهيلية المجد بامطل تختم فعاليات الدورة الأولى للأيام الثقافية للمؤسسة    البوليساريو... الذراع العسكرية لإيران في شمال إفريقيا برعاية جزائرية    الأمن يتفاعل بسرعة مع أحداث عنف في القصر الكبير ويوقف ثلاثة مشتبه فيهم    الحسيمة.. انعقاد الاجتماع التشاوري الأول حول مخطط التدبير التشاركي للفرشة المائية غيس – النكور    المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بجامعة وجدة تشهد تأسيس أول نادٍ سينمائي    خمس لاعبين مغاربة ضمن التشكيلة المثالية لكأس إفريقيا للفتيان    مغاربة داعمون للقضية الفلسطينية يحتجون أمام ميناء "طنجة المتوسط"    ابن تمسمان الأستاذ سعيد بنتاجر، يقارب الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في معرض الكتاب بالرباط    ترامب يعيد هيكلة الخارجية الأمريكية    تفاصيل حريق المسبح البلدي بالناظور    الدرك يطيح بأحد كبار مروجي الخمور باقليم الدريوش    "نداء القنيطرة" يدعو لإصلاح الإعلام    أفاية: قراءات اختزالية تستهدف "النقد المزدوج" عند عبد الكبير الخطيبي    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وفاة طفلين في حضانة غير مرخصة بالدار البيضاء    لقاء إقليمي بالحسيمة يسلط الضوء على آفاق الاستثمار في إطار قانون المالية 2025    برلماني يسائل وزير الفلاحة حول توتر العلاقة بين أعضاء من الغرفة الفلاحية والمديرية الإقليمية بطنجة    الربيع الأمازيغي يُوحّد الشعارات ويُقسّم الساحات.. احتجاجات بالرباط ومراكش تندد بتهميش اللغة والهوية    مستشار ترامب: الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء لا لبس فيه    المغرب يتصدر صادرات الفواكه والخضروات عالميًا: ريادة زراعية تنبع من الابتكار والاستدامة    مقاولون يقاضون "التيكتوكر" جيراندو بالمغرب وكندا بتهم التشهير والابتزاز    السعدي: الحكومة ملتزمة بتعزيز البنية التحتية التكوينية المخصصة للصناعة التقليدية    القوات المسلحة تُكوّن ضباطًا قطريين    "موازين" يواصل جذب نجوم العالم    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"    القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تحايلت الدراما السورية على الرقابة عندما طرحت قضايا من حكم الرئيس المعزول بشار الأسد؟
نشر في الأيام 24 يوم 12 - 01 - 2025

youtubeالممثلان حسن دكاك وياسر العظمة في حلقة "الفزاعة" من مسلسل مرايا
"سامحنا يا زهير.. نسيناك"، كانت هذه العبارة التي كتبها رئيس أحد الفروع الأمنية في سوريا، للسجين زهير البلح على ورقة، بعد نسيانه داخل السجن لسبع سنوات بلا محاكمة، بادّعاء "السهوة". وعندما تذكروه، غدا زهير أصماً أبكم، خرج يحمل عهداً بالانتقام. فأصبح خيالاً يلاحق الرئيس المتقاعد في كل مكان، وكابوساً لا يفارقه.
ليست قصة زهير واحدة من "فظائع" سمعناها عن معتقلين في السجون السورية بعد سقوط حكم بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون أول 2024، بل هو بطل حلقة "السجين رقم صفر" في سلسلة الدراما السورية الشهيرة "مرايا".
قصة زهير البلح قاربها العمل أيضاً بصورة أخرى تجسدت في حلقة "الفزاعة" على صورة سجين يخرج مريضاً نفسياً يلاحقه خيال "النقيب صقر" الذي أذاقه أسوأ أشكال التعذيب داخل السجن، وصلت إلى حد وضع الصراصير في الطعام.
تداولت منصات التواصل الاجتماعي مشاهد من الحلقتين، بعد سقوط حكم الأسد، ليكرر متابعون السؤال: "كيف مرّ هذا المشهد على الرقابة؟" باعتبار أن الحلقات سلّطت الضوء على انتهاكات بحق معتقلين في السجون السورية.
كل ذلك دفعنا لنسأل: هل كانت الرقابة في سوريا أداة لفرملة الإبداع، وكيف تحايل صنّاع الدراما عليها لتمرير رسائلهم؟
* ما هي السجون التي جسدت آلة القمع والرعب في سوريا؟
"ثغرة رقابيّة"
من اللازم أن تمر النصوص الدرامية في سوريا على دائرة الرقابة والتقييم الفكري في التلفزيون السوري، بحسب القانون.
ويُقدّم أي نصّ درامي سواء يتبع لجهة عامة أو خاصة إلى لجنتين في الدائرة، الأولى لقراءة النص، والثانية لمشاهدة العمل بعد تصويره.
يقول مازن طه، كاتب سيناريو، لبي بي سي إن اختلاف أعضاء اللجنتين كان "ثغرة رقابية" استغلها الكتّاب وتحايلوا من خلالها على اللجان، من خلال إعادة ما تحذفه لجنة القراءة عند التصوير.
Getty Imagesاستبدلت لجنة الرقابة بالتلفزيون السوري ب"اللجنة الوطنية للدراما" بموجب قرار رئاسي صدر في إبريل/نيسان 2024
من جانبها، تقول نور شيشكلي، كاتبة سيناريو، إن لجان الرقابة كانت تتعامل مع الكتاب والجمهور وكأنها "وصية" عليهم، دون تقديم أي تفسيرات مقنعة عند محاولة مناقشتهم. وتضيف: الرقابة كانت متمسكة بعقلية ثابتة وترغب في إبقاء الأمور ضمن إطار الدراما التقليدية.
وتشير شيشكلي لبي بي سي إلى أن الرقابة كانت تدير الأمور بناءً على مخاوف من "تجييش الشارع"، حيث كان هامش الحرية المتاح يقتصر على معالجة قضايا الفساد ومشاكل المواطنين بهدف "التنفيس" عن الجمهور دون الخوض في الأسباب الحقيقية لتلك المشاكل.
وفيما يخص مسلسلات الحرب التي تم إنتاجها داخل سوريا، توضح شيشكلي أن هذه الأعمال حاولت تصوير السوريين كأنهم "أكلوا بعضهم" ويستحقون ما وصلوا إليه، دون الإشارة إلى المسبب الحقيقي للأزمة، مضيفةً: "لم يكن أحد يجرؤ على الإشارة إلى المسبب الرئيسي".
وتصفَ شيشكلي الأزمة مع الرقابة ب"الوجودية"، مشيرة إلى أنهم أرادوا تغييب الواقع ومنح المشاهد "تخديراً". وأضافت أن هذا دفع الكتاب للتوجه نحو "البيئة الشامية"، التي تعزز صورة المرأة ككائن منزلي وتثير النزعة الرجولية، بحسب قولها.
"الرقابة كانت تطلب منا أن نعامل النظام على أنه ذات إلهية"، بحسب شيشكلي.
مؤخراً، تم استبدال لجنة الرقابة في التلفزيون السوري ب"اللجنة الوطنية للدراما" التي أسستها وزارة الإعلام بموجب قانون الإعلام الجديد. ومع ذلك، لم تحدث هذه اللجنة تغييرات فعليّة، بل كانت بمثابة "نقل صلاحيات" فقط، بحسب ما أفاد متخصصون تواصلت معهم بي بي سي.
"لم أكن قديساً"
تأرجحت الدراما السورية بعد الحرب بين الجيد والرديء، وفقاً للمراقبين، إلا أنها انتعشت في موسم 2019 الذي شهد "سقفاً رقابياً عالياً"، ما أثار تعجباً آنذاك.
بحثنا عن السبب، فكانت الإجابة أن منصب مدير الرقابة الفكرية على النصوص تم تسليمه في يوليو/تموز 2018 لشاب عُرف عنه الانفتاح والثقافة، إنه سومر إبراهيم، أصغر شابٍ تولى المنصب، حتى أُعفي منه بعد عام أو أقل.
يقول سومر إبراهيم في اتصال مع بي بي سي إن "لا ورقة رسميّة في سوريا توضح المحددات الرقابية للمحتوى الدرامي". لكنه يشير اصطلاحاً إلى بعض "الخطوط الحمراء"، مثل احترام مقام الرئاسة، والعلم السوري، والجيش، واشتراط الحديث عنها إيجابياً.
ويوضح أن سقف الحرية كان يرتفع وفقاً لشخصية القارئ، حيث كان يحكم على النصوص بالتزامن مع القارئَين الآخرين، ويُجاز النص بموافقة اثنين من أصل ثلاثة.
يقول إبراهيم إنه لم يجرِ تغييرات جذرية خلال إدارته، لكن ممعياره الأساسي للحكم على أي عمل درامي كان المجتمع. ويرى أن "مؤسسات الدولة قوية وراسخة، ولا مانع من أن تكون موضع نقد لأنها قادرة على الدفاع عن نفسها".
youtubeتغير اسم مسلسل (أرض محروقة) ليصبح (عندما تشيخ الذئاب)؛ لإبعاد إيحاء الحرب عن العمل، بتنسيق بين الشركة المنتجة والكاتبة
"إن عدم وجود قراء متخصصين في بعض الأحيان، كان يؤدي إلى رفض الأعمال الدرامية دون فهم عميق لرمزيتها وتفاصيلها الفنية"، بحسب إبراهيم.
ويؤكد: كنت حريصاً على ألا يقتصر دور الرقابة على الموافقة أو الرفض فقط، بل أيضاً تقديم اقتراحات للشركات الإنتاجية حول إيجابيات وسلبيات النصوص، وحلول ممكنة لتحسين العمل.
"لم أكن قديساً، عملت ضمن الواقع والهوامش المتاحة لي، حاولت أن أصل إلى السقف الممكن، لكني عجزت عن تجاوز العديد من الخطوط الحمراء"، يقول إبراهيم.
"ما حدث كان مرعباً"
أباحت الرقابة، تحت إدارة سومر إبراهيم، في الموسم الدرامي 2019، ثلاثة نصوص جريئة هي "مسافة أمان"، و"عندما تشيخ الذئاب"، و"دقيقة صمت".
يتحدث سومر عن تلك الأعمال، فيصف "عندما تشيخ الذئاب" ب "العمل الساحر على الورق"، مشيراً إلى أنه شعر بالدهشة لأنه لم يُحاسب على الموافقة على هذا العمل الذي اعتبره "خطيراً على بنية الدولة"، فقد وافق عليه دون تدخل رقابي سوى بعض التعديلات البسيطة على بعض الكلمات.
أما فيما يتعلق بمسلسل "دقيقة صمت"، يقول إبراهيم إن "سقف الحرية كان عالياً جداً"، ولم يتدخل في نص المسلسل بغض النظر عن انتماء كاتبه السياسي، مؤكداً أن "الضجة التي أثيرت حول مسلسل دقيقة صمت مبالغ بها مقارنة بعندما تشيخ الذئاب".
يبدو أن الفاتورة التي دفعها إبراهيم لجرأته كانت كبيرة، فقد تم إعفاؤه من منصبه بعد شهر رمضان. كما كشف لبي بي سي عن "معاقبته بشكل غير مباشر" من خلال منعه من الظهور على الشاشة بقرار شفهي.
يتحدث إبراهيم عن محاولات لاستدعائه إلى فرعٍ أمني بعد الإقالة، ويقول: "رفضت بشدة الذهاب، كان من الأفضل لهم أن يأتوا ليأخذوني إلى الفرع بدلاً من أن أزورهم بإرادتي".
"ما حدث كان مرعباً، وبخاصة لعائلتي ومحيطي، لكن بدعم أحد الأشخاص، حضر عنصر أمن، جلسنا وتحدثنا، ومرّت الأمور على خير"، بحسب ابراهيم.
بين الأسد الأب والابن: رقابة متطابقة
طلبنا من الكاتب مازن طه مقارنة بين الرقابة في عهد الأسد الأب وابنه، فأوضح أن بشار الأسد في بدايات حكمه حاول منح هامش أكبر للحريات الدرامية بهدف "تلميع" صورة النظام، وقد ظهر ذلك في أعمال مثل "مرايا"، "بقعة ضوء"، والمسرح.
لكن هذا الانفتاح لم يستمر طويلاً، فالأمور عادت الأمور إلى ما كانت عليه في عهد الأب. ويقول طه إن الرقابة ظلت متطابقة في العهدين بنفس الأسلوب والرؤية واللغة الخشبية.
youtubeمسلسل "فوق السقف" كان أول محاولة درامية رسمية لتقديم صورة عن الثورة عام 2011، إلا أنه مُنع من البث بعد أول خمس حلقات
ويروي طه أنه في بداية الأزمة عام 2011، استُدعي مجموعة من الكتاب المعروفين إلى وزارة الإعلام، حيث اجتمعوا مع مندوب من القصر، تحفّظ على ذكر اسمه، وأُبلغوا بأن القصر بصدد إنتاج برنامج ناقد سياسي أكبر من "مرايا" و"بقعة ضوء"، ليعكس صورة معينة.
هذا الطلب، بحسب طه، أثار استغراب الكتّاب، لكنهم فعلوا من خلال مسلسل "فوق السقف"، وأخذوا راحتهم في التعبير، فماذا حدث؟ يجيب طه أن المسلسل عُرضت منه خمس حلقات ثم مُنع بعدها، "يبدو أن النظام شعر أن الأمور قد تفلت من قبضته، فوأد التجربة".
كان التبرير الوحيد لوقف العمل حينها هو "عدم الانتهاء من إخراج بقية الحلقات" بحسب معن حيدر، مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في ذلك الوقت.
"وبعد عام 2011، ازدادت رقابة النظام بشكل أكبر وأشد، أُنهيت البرامج النقدية وأصبحت جزءاً من الماضي"، يقول طه.
"المبدع أذكى من الرقيب"
بدأ النقد الفني في سوريا من "مسرح الشوك" الذي أسسه الفنان عمر حجو في بداية السبعينات وتحول إلى مدرسة فنية جديدة في تلك الفترة.
انضم إلى المسرح فنانون كثر منهم دريد لحام ورفيق سبيعي، وقدموا لوحات سياسية ناقدة تناولت القضايا الروتينية للشارع السوري، مثل مشاكل الكهرباء والواسطة وغيرها.
وفقًا لمازن طه، حضر حافظ الأسد عروض "مسرح الشوك" وكان يضحك أثناء العرض. عندما تظهر شخصية معينة، كان يبتسم للمسؤولين الحاضرين، مما يعكس كيف كانت السلطة تتعامل مع هذه الأعمال "كتعابير فردية لا تهدد النظام، بهدف الحفاظ على صورة الدكتاتور المنزه عن الخطأ".
بعد "مسرح الشوك"، جاءت تجربة المسرح السياسي مع دريد لحام، الذي قدّم المسرحية الناقدة "كاسك يا وطن".
* دريد لحام في غزة: جئنا لنستمد منكم الصمود
youtube"كاسك يا وطن" مسرحيّة كوميدية نقديّة من تأليف الكاتب والشاعر محمد الماغوط ومن إخراج خلدون المالح
كان المسرح بمثابة البداية لفتح المجال أمام الدراما لتقديم عروض تحمل رسائل أو نقداً غير مباشر، بحسب مازن طه.
ويقول: "المبدع كان أذكى من الرقيب، فالكتاب والمخرجون تحايلوا على الخطوط الحمراء، وخدعوا الرقابة بطرق مبتكرة".
يشرح طه أن الكتاب استخدموا الرمزية والإشارات غير المباشرة والتلميحات التي قد تمر دون أن تلتقطها الرقابة، مما سمح لهم بتقديم رسائل أعمق وأجرأ دون التعرض للمراجعة المباشرة.
لكن هل فعلاً تعاملت السلطة مع الأمر بهذه البساطة؟
يقول طه إن السلطة تعاملت مع المشروع من زاويتين: الأولى لتلميع الصورة أمام الخارج من خلال إظهار مساحة للحرية في الفن، والثانية كتنفيس للاحتقان بمقدار معين. ويضيف أن هذا النجاح تجلى في "مرايا"، إذ كتبت الصحف الأمريكية عن جرأة سوريا في إنتاجه، وهو ما كانت السلطة تسعى لإبرازه عالمياً، بحسب طه.
"مرايا" أنموذجاً
وُلدت تجربة مرايا عام 1982، إذ انتقد ياسر العظمة السلطة في لوحات عدّة، إلا أن السلسلة عانت منذ ذلك الوقت من تهديدات منع العرض.
يؤكد مازن طه، وهو من كتّاب لوحات "مرايا" كما في "بقعة ضوء"، أن مزاجية الرقابة كانت غالباً غير مفهومة وأحياناً غير احترافية.
وأشار طه إلى حادثتين مثيرتين، إذ تم تمرير لوحة عن حافظ الأسد في مسلسل "مرايا" أشارت إليه بشكل مباشر، ما أثار استغراب الجميع وقتها. كما تحدث عن لوحة في مسلسل "بقعة ضوء" كانت تشير إلى رامي مخلوف، "الجميع أدرك أنه المقصود، لكن الرقابة وحدها لم تكتشف ذلك".
youtubeلوحة "الماجد بهاء" من مرايا أوحت للرئيس "حافظ الأسد"، لكنّها مرّت على الرقابة وأُجيز عرضها، بحسب كاتبها.
وفي حديثه عن اللوحات التي تم منعها، يذكر طه أن "مرايا 1996" شهدت منع لوحة عن حافظ الأسد، إذ تم الاستيلاء على أشرطة اللوحة. كما أوقف عرض لوحتين في "مرايا 1998"، إحداهما من عمله والأخرى من نص ياسر العظمة، وتم فرض التعتيم الإعلامي على ياسر العظمة، لكن القضية حُلّت بعد عدة أشهر.
* ياسر العظمة يثير الجدل بحديث عن أسباب هجرة السوريين
"الهروب" صوب الإنتاج المشترك
كانت قضية المعتقلات في سوريا من أبرز المحظورات لدى الرقابة، إذ تحظر السلطات كل ما يتعلق بما يحدث داخل السجون. لذا لجأ صنّاع الدراما إلى "الهروب خارج سوريا" نحو الإنتاج المشترك، كما في مسلسل "قلم حمرة" الذي تناول قضية المعتقلات السياسية وتم تصويره في بيروت.
تكشف الكاتبة نور شيشكلي لبي بي سي أنها وجدت نفسها مضطرة "للهرب خارج سوريا" لتسويق أعمالها وتصويرها، وهو تماماً ما حدث معها في مسلسل "مذكرات عشيقة سابقة"، الذي تناول قصة نساء الحرب السورية، كما في "قلم حمرة" للكاتبة يم مشهدي.
وقالت شيشكلي: "لجأنا إلى تصوير المسلسل خارج سوريا لتجنب الرقابة، خاصة أن موضوع المعتقلات كان من المحرمات، فتم تغيير النص وتقديمه تحت عنوان 'مذكرات عشيقة سابقة' حتى نتمكن من خداع الرقابة والمحطات العربية التي كانت تبدي تخوفاً أيضاً من تناول موضوعات الحرب السورية".
وتضيف: "كان لزاماً أن نصور جزءاً من العمل في سوريا، ولأخدع الرقابة أجريت تعديلاً على النص ليحكي عن فنانة لديها عشيق وزوجها يحاربها، مما سمح لنا بتمرير الجزء المطلوب تصويره في سوريا".
"لم أعمل داخل سوريا على الإطلاق. كنت أبحث عن شركات إنتاج خارجية تتبنى نصوصي التي تتناول سوريا وظروفها، لا سيما أني أركز على قضايا المرأة في الحرب، كان همي أن أنقل ما يحدث في البلاد، كنت أشعر أنها أمانة في رقبتي"، تقول شيشكلي.
* كيف ترى السوريات واقعهن تحت الإدارة الجديدة في سوريا؟
وأضافت: "مغتربون ولاجئون سوريون تواصلوا معي وقالوا إنهم لا يثقون بنشرات الأخبار، بل يثقون فقط بما تبثه الدراما". هذا ما دفع شيشكلي لكتابة لوحة "موطني" من مسلسل "مدرسة الحرب" والتي تحكي معاناة المهاجرين السوريين وموتهم غرقاً في عرض البحر.
youtubeالنقاد اعتبروا أن شخصية "الجنرال" التي يؤديها مكسيم خليل في "ابتسم أيها الجنرال" تحمل إشارات واضحة إلى الرئيس السوري بشار الأسد
هذه التجربة مع الإنتاج المشترك لم تكن يتيمة، بل تجارب كثيرة ذهبت نحو خارج سوريا، على رأسها الجزء الثالث من مسلسل الولادة من الخاصرة، الذي بدأت أحداثه من مظاهرات 2011، بالإضافة إلى العرّاب.
وبعيداً عن الرقابة في سوريا، أُنتج خارجاً "ابتسم أيها الجنرال" عام 2023، والذي تدور أحداثه حول أسرة حاكمة متجبرة مستولية على مقاليد الحكم في البلد، وينشأ فيها صراع بين أخين، أحدهما ورث الرئاسة عن أبيه، في صراع حول السلطة والنفوذ.
كان العمل من كتابة سامر رضوان، ولعب دور البطولة الفنان السوري المعارض مكسيم خليل، إذ اعتبر كثيرون حينها أن العمل كان "فرصة نادرة لتناول ما يحدث داخل القصر الرئاسي بشكل علني".
في حلقة خاصة من بودكاست "يستحق الانتباه" على بي بي سي، يؤيد النجم السوري جمال سليمان دعوة رئيس الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، للتفكير في "عقلية الدولة، لا الثورة" عند النظر إلى مستقبل الدراما، داعياً إلى توظيف الحرية والديمقراطية في الرقابة على الفنون بعيداً عن "العدائية".
https://www.youtube.com/watch?v=Gf1AZ-JqJnU
لقد كانت الدراما السورية بمثابة مرآة مكسورة تعكس الواقع بطريقة لم تكن لتصل إليها عين الرقابة، لكن سؤالاً ملحاً يبقى وراء هذه الصورة: إلى أي مدى يمكن للفن أن يتحرر من قيود السلطة؟ وهل سيبقى الوسيلة الوحيدة للناس يعبروا من خلالها عن أوجاعهم وآمالهم إن تلاشت الخطوط الحمراء؟
قد تتكشف الحقائق أكثر مع سقوط الأسد، لتكتشف الأجيال القادمة ليس فقط دراما الماضي، بل أيضاً الهمسات التي سعى الفنانون لإيصالها رغم صمت السجون ورقابة السلطة.
* من هو حاتم علي الراحل الذي غيّر وجه الدراما السورية؟
* دعوات إلى تسريع البت في قضايا العدالة والمساءلة في سوريا بعد سقوط الأسد
* الأم آغنيس في بلا قيود: الواضح أنَّ سوريا تتجه نحو دولة دينية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.