يوم بيوم المغاربة وقضية الصحراء نور الدين مفتاح نشر في 8 يناير 2025 الساعة 11 و 19 دقيقة ولا بأس أن نذكر أن الراحل علال الفاسي لم يقتنع يوما في حياته بأن موريتانيا ليست جزءا من المملكة الشريفة، ونورد هذا هنا ليس إحياء لأحلام ربما كانت مبررة في حينها، ولكن اليوم موريتانيا دولة مستقلة شقيقة لا أطماع للمغرب فيها، وعلاقة المغاربة بالموريتانيين كعلاقة الإخوة، بل إن علاقات الدم جارية بين الصحراويين المغاربة والموريتانيين، ولولا ألاعيب السياسة لكانت العلاقة بين البلدين زاهية منتصبة في القمة. علال الفاسي وافته المنية في بوخاريست وهو في لقاء مع رئيس الجمهورية الرومانية ليرافع من أجل قضية الصحراء. نور الدين مفتاح [email protected]
يعتقد عموم المغاربة أن قضية الصحراء هي مسألة نزاع مع خصم خارجي، ويصعب أن يتصوروا أن هذه القضية هي موضوع تجاذب داخلي. نحن نتحدث عن مبدأ الوحدة الترابية للمملكة كما تم تثبيته منذ سنة 1975 ثم سنة 1979، أي من طنجة إلى الكويرة. وأما قضية تدبير الملف، فهي مسألة سياسية يمكن أن يناقشها الناس، بل ويحاسبوا مدبري الشأن العام بخصوصها.
لقد عاش المغرب مسلسلا دراماتيكيا بخصوص استكمال وحدته الترابية، بحيث إن مفاوضات «إكس ليبان» التي نتج عنها إعلان استقلال البلاد وعودة السلطان محمد الخامس إلى عرشه سنة 1956 لم تكن مثالية، ولكنها كانت الصيغة السياسية التي ارتضاها المفاوضون، وربما من خلالها بقيت مجموعة من الألغام في طيات هذا الاستقلال، بحيث إن طرفاية لم تتحرر إلا سنة 1958 وسيدي إفني سنة 1969ولم يدخل المغرب إلى العيون الساقية الحمراء إلا سنة 1975 ولا إلى الداخلة وادي الذهب إلا سنة 1979، وأما موريتانيا، فقد ظلت لنا وزارة باسمها إلى أن اعترفت المملكة باستقلالها سنة 1969.
وعموما، كان الخلاف في الغالب بين القوى الوطنية والدولة ليس حول الوحدة والانفصال، ولكن حول تدبير الوحدة، بحيث إن جزءا من جيش التحرير رفض وضع السلاح بعد الاستقلال ونزل إلى الصحراء وحرر جزءا كبيرا منها، ومنهم من وصل إلى «أطّار» في موريتانيا، إلا أن عملية «إيكوفيون» التي تواطأ فيها الفرنسيون مع الإسبان واستعملوا فيها الأسلحة الثقيلة، وخصوصا الطيران الحربي، دمرت قوى هذا الجيش الشعبي وأجلت أحلام تحرير الصحراء سنة 1958.
ونذكر الواقعة الشهيرة في تاريخنا السياسي عندما أعلن الملك الراحل الحسن الثاني قبول الاستفتاء في الصحراء في قمة نيروبي لمنظمة الوحدة الإفريقية سنة 1981، فأصدر المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي بيانا يعارض فيه هذا الخيار، لأن لا استفتاء على أرض مغربية في نظره، فكان مصير زعيمه عبد الرحيم بوعبيد مع بعض قادة الحزب هو السجن في ميسور لمدة سنة.
ولا بأس أن نذكر أن الراحل علال الفاسي لم يقتنع يوما في حياته بأن موريتانيا ليست جزءا من المملكة الشريفة، ونورد هذا هنا ليس إحياء لأحلام ربما كانت مبررة في حينها، ولكن اليوم موريتانيا دولة مستقلة شقيقة لا أطماع للمغرب فيها، وعلاقة المغاربة بالموريتانيين كعلاقة الإخوة، بل إن علاقات الدم جارية بين الصحراويين المغاربة والموريتانيين، ولولا ألاعيب السياسة لكانت العلاقة بين البلدين زاهية منتصبة في القمة.
علال الفاسي وافته المنية في بوخاريست وهو في لقاء مع رئيس الجمهورية الرومانية ليرافع من أجل قضية الصحراء.
وإلى اليوم، مازال جزء من أشرس المعارضين يلبون دعوة المساهمة في الدفاع عن الوحدة الترابية، وآخر مثال ما قامت به نبيلة منيب كأمينة عامة للحزب الاشتراكي الموحد عندما ذهبت في مهمة للدول الإسكندنافية لشرح القضية لطبقة سياسية هناك كانت متأثرة بالدعاية الانفصالية.
والغريب أن البوليساريو التي تعتبر اليوم عدوا، كان مؤسسوها مغاربة، والوالي السيد درس بالرباط وطاف مع رفاقه على زعماء الأحزاب السياسية، وكانوا يناضلون ضد الاستعمار الإسباني في إطار الوحدة الوطنية ولكن انتفاضة سلمية لهم في 1972 بطانطان تم قمعها بشكل دموي من طرف الجينرال أوفقير أدت إلى هجرتهم، ليتم احتواؤهم أولا من طرف ليبيا القذافي قبل أن يتخلى عنهم ويظل جزء من ورثتهم في أحضان النظام الجزائري بمخيمات تندوف.
لقد اغتيل مؤسس البوليساريو الوالي السيد بنواكشوط وهو يحمل على القوات الموريتانية، وبعدها عاد إلى المغرب جل أبرز القادة المؤسسين ومنهم الدخيل وكجمولة والحضرمي وإبراهيم حكيم، والراحل لحبيب أيوب وأحمد ولد اسويلم وغيرهم، في إطار النداء الذي أطلقه الحسن الثاني بأن «الوطن غفور رحيم» وهذا النداء قائم إلى الآن.
إن المغاربة لا يتواجهون إلا نادرا بخصوص ملف الصحراء، وحتى عندما تكون هناك تعبيرات مختلفة في هذا الخصوص، فإنها تبقى هامشية. وهناك صحراويون أشهروا انفصالهم ولكنهم معدودون على رؤوس الأصابع، وكفلت لهم حرية التعبير على ألا يرتبط هذا التعبير بالعنف. ولذلك أعتقد أن الاصطدامات حول مسائل تتعلق مثلا بالحديث عن «الصحراء الغربية» أو «تقرير المصير» أو «الحكم الذاتي» هي اصطدامات مستنزفة للطاقة وغير منتجة.
فأما «الصحراء الغربية» فإنها المصطلح الأممي الرسمي والذي تتعامل به وزارة الخارجية في إطار المراسلات الرسمية، وهو وصف مرتبط بوضعية القضية لدى الأممالمتحدة وأنا شخصيا أستعمل عن قناعة توصيف الصحراء المغربية لأنني وحدوي باقتناع.
وأما «تقرير المصير» فهو اصطلاح اعتبر المغرب دائما أنه معه لأنه لا يعني أوتوماتيكيا الانفصال ولذلك قَبِل الحسن الثاني الاستفتاء ولم تكن المملكة هي التي تخلت عن هذا الخيار، بل الواقع هو الذي جعل منه مسارا سورياليا بحيث إن مسلسل تحديد الهوية أصبح بلا مخرج ما دام لكل طرف حق الطعن في صحراوية أي كان. وهكذا طعنت بوليساريو في الابن وأبوه مقبول كصحراوي، وفي الأم وابنتها مقبولة، وهكذا دواليك. ولهذا كانت الأممالمتحدة هي التي تخلت عن الاستفتاء، وهو شكل فقط من أشكال تقرير المصير.
وبعدها تبنى المغرب في 2007 خيارا آخر لتقرير مصير هذا النزاع وهو حل «الحكم الذاتي»، وبالتالي فإن هذا المصطلح الذي يعتبر أثقل من «الحل السياسي المتفاوض عليه»، لا يمكن أن يخيف مملكة واثقة من سيادتها على الصحراء، لأن تقرير المصير بالنسبة لها هو الاندماج، تماما كما كانت مملكة الحسن الثاني قد نحتت مصطلحا مبتكرا هو «الاستفتاء التأكيدي».
إذا كان هناك من بلد ظلمه الاستعمار فهو بالضبط المملكة المغربية، ودون أن يتهمنا أحد بالأحلام التوسعية، لا يمكن ألا نشعر بالأسى والأسف على أن هذه الإمبراطورية التاريخية الكبرى قد تحجمت واقتطعت منها آلاف الكيلومترات المربعة وخصوصا من شرقها لأن فرنسا لم تتصور أبدا أن «مقاطعتها» الجزائرية ستستقل يوما ما، ولهذا تركت لها 2 مليون ونصف المليون كلم مربع، فالله يبارك! ولكن الجزائر لم تكتف بهذا، بل تريد مغربا منقوصا من ثلث مساحته اليوم، ومن امتداده الصحراوي وعمقه الإفريقي وهذا لن يحدث أبدا. وعموما، المغاربة لا ينزعجون من مآل قضية الصحراء أو رأي هنا وسجال هناك لأنهم لا يتصورون مغربا بلا صحرائه مع أنهم يتوقون إلى أن ينتهي هذا النزاع المفتعل وترد الحقوق لأصحابها ويوضع حد لمعاناة إخواننا في مخيمات تندوف، ولمَ لا أن يكون هناك اتحاد مغاربي قوي متعاون ومتراص بخمس دول، يمكن أن يصبح شريكا موحدا للضفة الشمالية من المتوسط. وهذا الطريق شاق ولكنه ليس خيارا فركوبه ضرورة والزاد فيه هو التحام الجبهة الداخلية، وترسيخ الديموقراطية.