خلف إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق في مجلس الحرب، يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ردود فعل عالمية واسعة.
ففي الوقت الذي استنكرت فيه إسرائيل بشدة هذه المذكرات، حيث قال وزير خارجيتها، جدعون ساعر، إن المحكمة "فقدت كل مشروعيتها"، اعتبرت حركة حماس أن القرار يشكل سابقة تاريخيّة مهمة، وتصحيحا لمسار طويل من الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني، داعية في الآن ذاته، المحكمة الجنائية إلى محاسبة جميع قادة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي سياق ردود الفعل الدولية، رفضت الولاياتالمتحدة القرار، معربة عن انزعاج شديد بسبب سرعة إصداره، وفي المقابل، طالب الاتحاد الأوروبي ودول مثل هولندا، وأيرلندا بضرورة احترام استقلالية المحكمة وتنفيذ قراراتها، لتكتفي دول كفرنسا وإيطاليا بالتحفظ القانوني، ريثما تتم دراسة ومناقشة الموقف مع الأعضاء الحلفاء، إلا أن أيرلندا رحبت بهذا القرار، ودعت إلى دعم المحكمة الجنائية في مسار تحقيق العدالة.
وفي نفس السياق، يرى بعض متتبعي الشأن الدولي أنه بالرغم من أن قرار الاعتقال حوّٓل نتنياهو وغالانت إلى شخصين مطلوبين دوليا، إلا أنه من المستبعد أن يمثل هؤلاء القادة المتهمين أمام القضاء في لاهاي الهولاندية قريبا، ورغم ذلك، فإن خطوة الإدانة في حد ذاتها ستترك أثرا كبيرا، لاسيما وأن شعور المحاصرة سيظل أنيسا لخطى نتنياهو وغالانت، بالنظر إلى تقييد حريتهما في التنقل إلى دول عدة في العالم.
يوسف البحيري، أستاذ القانون الجنائي الدولي بكلية الحقوق بمراكش، اعتبر أن إصدار مذكرة الاعتقال قد يسجل محطة جديدة في تاريخ القضاء الجنائي الدولي، كما أنه يجسد فعليا سيادة القانون الجنائي الدولي، ونهاية زمن الإفلات من العقاب في حالة إرتكاب الجرائم الدولية.
وفي الوقت ذاته، أكد البحيري أن القرار يؤكد على شجاعة المدعي العام للمحكمة، الذي يأمر ولأول مرة بتحريك آليات المتابعة الجنائية في حق مسؤولين إسرائيلين، من منطلق مقتضيات المادة 25 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تثير المسؤولية الجنائية الفردية لكل من يرتكب بصفته الشخصية، أو يأمر بإرتكاب إحدى الجرائم الدولية المنصوص عليها في المادة الخامسة، كجريمة الإبادة الجماعية، والجريمة ضد الإنسانية، وجريمة الحرب وجريمة العدوان، وهي جميعها متوفرة في التطهير العرقي الذي قامت به إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني في غزة.
وارتباطا بالموضوع، قال البحيري إن جميع الدول مطالبة بالتعاون القضائي الدولي، والعمل على تسليم نتنياهو وكالانت كمجرمي حرب في حالة السفر خارج إسرائيل، مع العلم أن الجرائم الدولية التي توبع بها القادة المتهمين لا تسقط بالتقادم، ولا تأخذ بنظام الحصانات الدبلوماسية.
وأكد أستاذ القانون الجنائي الدولي أن خطوة المدعي العام، أحمد خان تستدعي وفق المبادئ الأساسية للمحكمة، ضرورة المتابعة الجنائية، ومطالبة الدول بالتعاون القضائي الدولي، وتسليمهم للمحكمة.
وأبرز البحيري أن الباب التاسع من النظام الأساسي في المادة 93، تلزم جميع الدول الأطراف في النظام الأساسي، والدول غير الأطراف، بالتعاون القضائي الدولي مع المحكمة الجنائية الدولية، المتمثل في تنفيذ أوامر القبض والتسليم لمرتكبي الجرائم الدولية قصد المحاكمة .
وفي السياق ذاته، علق البحيري على الجرائم التي تتهم المحكمة الجنائية الدولية المسؤولين الاسرائليين بارتكابها، كاستعمال تجويع المدنيين كسلاح حرب، حرمان المدنيين من الوسائل الضرورية للحياة، والابادة، والقتل العمد، كونها تندرج في نطاق المادة السادسة من اختصاص المحكمة المتعلقة بجريمة الابادة الجماعية، وأنها تعد أخطر الجرائم الدولية على الاطلاق، والتي تعرِّفها المادة السادسة ب"التدمير الكلي والجزئي لجماعة إنسانية بسبب الانتماء الإثني أو العرقي، أو اللغوي، أو الديني، أو غيرها"، إضافة إلى الجريمة ضد الانسانية وجريمة الحرب.
ومن هذا المنطلق، تساءل المتحدث نفسه عن أسباب عدم اتهام المدعي العام للمحكمة الجنائية القادة الإسرائيليين، بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، بالرغم من اتهامهم في سياق ارتكاب الجريمة ضد الإنسانية، "بالإبادة والقتل العمد، مبرزا أنه وعلى هذا الأساس، لا يوجد تفسير واضح لعدم لجوء المدعي العام إلى ادانة اسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية، والاكتفاء بالمتابعة بالجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب.
وفي هذا السياق، قال البحيري إنه يمكن الاستئناس بالتعليق الصادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، على المادة 54 من البروتوكول الأول لاتفاقية جنيف، التي تحظر استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، والذي يعتبر أن سياسية التجويع ضد المدنيين في زمن الحرب هو بمثابة سلاح لإبادة السكان.
وفي الآن ذاته، أضاف البحيري أنه هناك ملاحظة تتعلق بتفنيد المدعي العام، كريم خان، للاطروحة الاسرائيلية للدفاع الشرعي، حيث اعتبر أن اسرائيل لايمكنها الادعاء بارتكاب الجرائم الدولية، في اطار ممارسة حق الدفاع الشرعي، حيث أشار خان إلى أن "لإسرائيل الحق في اتخاذ إجراءات للدفاع عن سكانها"، وليس القيام بحرب الابادة والتجويع والقتل العمد في حق الشعب الفلسطيني.
وتابع، والمادة 51 من الميثاق، والمتعلقة بالدفاع الشرعي، تعطي الحق المؤقت للدول في حق درء الخطر الخارجي، إلى حين تدخل مجلس الأمن، مع مراعاة التناسب، ودون أن يتحول إلى الأعمال الانتقامية المخالفة للقانون الدولي.
وعلى نفس النسق، أكد البحيري يوسف البحيري أن مبدأ الاختصاص القضائي الشامل، من طرف الدول الأطراف المصادقة على اتفاقية روما، المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية، ملزم وفق مقتضيات القانون الجنائي الدولي، بمحاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين، نتنياهو وكالانت، أمام المحاكم الوطنية، مادامت هذه الدول تتوفر على البنية التشريعية الملائمة لتحريك آليات المتابعة الجنائية، في حالة ارتكاب الجريمة الدولية، وتوقيع العقوبة عليها، في سياق اعمال سيادة القانون الجنائي الدولي، ومناهضة الإفلات من العقاب.