يشكل الاستثمار في الأقاليم الجنوبية للمغرب محورًا استراتيجيا لتحقيق التنمية الشاملة والمتوازنة، حيث تسعى الدولة المغربية إلى تحويل هذه المنطقة إلى مركز اقتصادي واجتماعي متكامل يسهم في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز الشراكة مع الدول الإفريقية، مما يتطلب تطوير البنيات التحتية وتوفير أرضية خصبة لتنزيل مخططات الاستثمار الجذابة.
وترغب المملكة المغربية على هامش هذه الدينامية التي يعيشها ملف الصحراء، في تأهيل الأقاليم الجنوبية من أجل جلب رؤوس الأموال وتوطين الاستثمارات، وهو ما يضع على الحكومة التزامات للرفع من تأثير هذا الهدف الحكومي وخلق مناصب شغل قارة، وتوجيهه نحو القطاعات ذات الأولوية بالنسبة للاقتصاد الوطني في إطار التنمية المستدامة.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، أكد علي الغنبوري، رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، أن الدولة هي من تتولى مسؤولية تطوير البنية التحتية وتوفير بيئة جاذبة للمستثمرين، مع التركيز على دور مراكز الاستثمار وتفعيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، الذي يسعى إلى إحداث تحول عميق ومستدام في المنطقة.
وأضاف الغنبوري، في تصريح ل"الأيام 24″، أن "الدولة المغربية ملتزمة بتنمية الأقاليم الجنوبية من خلال استثمارات ضخمة، تهدف إلى تحسين مستوى العيش وخلق فرص عمل، وتشمل هذه الجهود تطوير شبكة الطرق مثل الطريق السريع بين العيونوالداخلة وإنشاء ميناء الداخلة الأطلسي لتعزيز التجارة مع إفريقيا والعالم، إضافة إلى مشاريع ضخمة للطاقة الشمسية والريحية تلبي الاحتياجات المحلية وتدعم الصناعات المستدامة".
وأردف الخبير الاقتصادي أنه على "الدولة المغربية بناء مستشفيات ومدارس جديدة لتحسين جودة الحياة، مما يجعل المنطقة جذابة للاستثمار، وتلعب مراكز الاستثمار دورًا محوريًا في تهيئة بيئة ملائمة لجذب الاستثمارات إلى الأقاليم الجنوبية، حيث تسهم هذه المراكز في تيسير الإجراءات وتحفيز المستثمرين من خلال تسهيل الإجراءات الإدارية".
"الدولة تعمل كحلقة وصل بين المستثمرين والمؤسسات الحكومية، مما يسرع من عمليات الترخيص وتسجيل الشركات ويساعد على اختصار الزمن اللازم لبدء المشاريع، كما تتولى مراكز الاستثمار مهمة تعريف المستثمرين بالفرص المتاحة في الأقاليم الجنوبية، سواء في السياحة أو الزراعة أو الصيد البحري أو الصناعات التحويلية، بالإضافة إلى تقديم حوافز ضريبية وتسهيلات مالية للمستثمرين بهدف جعل المنطقة أكثر جاذبية للاستثمار، وتعمل أيضًا على تقديم الدعم الفني والمالي لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة مما يعزز من مساهمة الشركات المحلية في التنمية ويزيد من فرص العمل"، يضيف المتحدث.
وأشار رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي إلى أن "المغرب أطلق عام 2015 النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي يمثل خطة شاملة لتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة بميزانية تفوق 80 مليار درهم، من خلال التركيز على تحويل الأقاليم الجنوبية إلى قطب اقتصادي واجتماعي متكامل، وتحسين مستوى العيش في الأقاليم الجنوبية من خلال الاستثمار في التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، مما يسهم في بناء مجتمع مستدام ومنتج".
وزاد: "النموذج يتضمن كذلك مشاريع ضخمة للبنية التحتية مثل ميناء الداخلة ومشاريع الطاقة المتجددة التي تهدف إلى تحقيق التكامل بين الأقاليم الجنوبية وباقي المغرب، ويركز النموذج أيضًا على إشراك سكان الأقاليم الجنوبية في اتخاذ القرارات وتدبير الشأن المحلي عبر المجالس المنتخبة، مما يضمن استدامة التنمية من خلال تعزيز الشعور بالمسؤولية والانتماء".
وفيما يتعلق بعلاقة تطيور الأقاليم الجنوبية بعمق المغرب الافريقي، كشف المتحدث عينه أن "البعد الإفريقي في هذه العملية يتجلى في كون الأقاليم الجنوبية مركزا تجاريا يتيح الوصول إلى الأسواق الإفريقية، مما يجعل المنطقة نقطة انطلاق مثالية للشركات الدولية"، مشيرا إلى أن "المغرب أبرم اتفاقيات تجارية واقتصادية مع الدول الإفريقية مما يسهل من حركة البضائع والخدمات، ويعزز من التبادل التجاري".
وخلص الغنبوري في حديثه قائلا: "يسعى المغرب إلى تصدير خبراته في مجال الطاقات المتجددة إلى الدول الإفريقية من خلال مشاريع تنموية مشتركة، مما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة على مستوى القارة".